منذ الإعلان عن استضافة المملكة العربية السعودية لقمة عربية بطلب من فلسطين والمملكة لعقد دورة غير عادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة السبت القادم برئاسة السعودية، التى ترأس الدورة الحالية للقمة العربية لبحث أزمة العدوان الإسرائيلى على غزة، والأسئلة وربما التشكيك لا يتوقف بشأن ما يمكن أن تخرج به تلك القمة. وفى الواقع فإن تلك الأسئلة تأتى انعكاسا أو تعبيرا عما يعتمل لدى أوساط الرأى العام فى الدول من رفض وإدانة لما تقوم به إسرائيل مدفوعا بأقصى درجات الحماس والعاطفية والغضب فى الوقت نفسه، ومن ناحية أخرى المواقف الرسمية العربية التى لا يمكنها تجاوز رد الفعل الشعبى، ولكنها تتعامل مع ذلك العدوان بأقصى درجات العقلانية والحكمة حتى لا تنجر المنطقة إلى ما هو أسوأ. وما بين الموقفين الشعبى والرسمى والحسابات الإستراتيجية التى يجب ألا تغيب فى مواجهة تلك الأزمة غير المسبوقة يمكن توقع ما يمكن أو ما يجب أن تخرج به القمة العربية. وهنا لا يجب التقليل من أهمية ما ستعبر عنه القمة العربية من موقف عربى موحد وتضييق مساحة الخلافات على بعض التفاصيل على نحو ما كان فى مواقف بعض الدول العربية خلال الأسبوعين الأولين من اندلاع العدوان على غزة. وهى الخلافات التى ربما صورت للإسرائيليين والإدارة الأمريكية أنه يمكن استغلال تلك الخلافات لتوسيع الهوة وشق الموقف العربى بما يمكن استخدامه لتمرير ما تقوم به إسرائيل، باعتباره دفاعا شرعيا عن النفس.
وفى الواقع، فإنه على الرغم من أن خبرة القمم العربية، لاسيما تلك الطارئة، تشير بوضوح بالغ الدلالة إلى حدود الفعل العربى الذى يمكن أن يتمخض عن مثل تلك القمم. فإن القمة الطارئة الحالية وتوقع إعلانها عن موقف عربى موحد أو تأكيد ذلك الموقف وإعلان رفض جماعى لما تقوم به إسرائيل ومخططها لتصفية القضية الفلسطينية لم يكن مهما ولا مطلوبا كما هو مهم ومطلوب اليوم. فقد مثلت القضية الفلسطينية منذ نشأة جامعة الدول العربية بندا أساسيا على كل القمم العربية، بداية من القمة العربية الأولى فى مايو عام 1946 بالإسكندرية، لمناصرة القضية الفلسطينية، وخرجت بمجمل قراراتها مؤكدة عروبة فلسطين، وأن مصيرها مرتبط بحال دول الجامعة العربية كافة. وانتهاء بالقمة العربية الثانية والثلاثين فى جدة فى مايو الماضى التى أكد بيانها «على مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها أحد العوامل الرئيسة للاستقرار فى المنطقة». كما أكد أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية. ودعا القادة العرب فى بيانهم المجتمع الدولى إلى الاضطلاع بمسئولياته لإنهاء الاحتلال، ووقف الاعتداءات والانتهاكات المتكررة التى من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية وتقويض جهود السلام الدولية.
أما اليوم فإن القضية الفلسطينية أصبحت على المحك، إذ تحاول إسرائيل أن تقطع الصلة بين الفلسطينيين وبين ما تبقى لهم من أرض فلسطين التاريخية توافق المجتمع الدولى على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية عليها، ولا توجد خلافات جوهرية بين الدول العربية بشأن القضية الفلسطينية عامة وبشأن العدوان الجارى بصفة خاصة، الأمر الذى اتخذ منه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام ذكى أثناء إجابته عما إذا كانت ستعقد القمة أم لا عقب الدعوة إليها سببا كافيا لتأكيد أن القمة ستعقد، مؤكدا أنه «فى ظل الظروف الحالية من الصعب ألا يوافق ثلثا الأعضاء على عقد قمة عربية طارئة». لذلك من المنتظر ألا تقتصر مناقشات القمة على العدوان الإسرائيلى الجارى، ولكن كما قال السفير جمال رشدى المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، فإن القمة ستبحث الخطوات الواجب اتخاذها تجاه القضية ككل، محذرا من استباق نتائج القمة، كونها تعبر فى النهاية عن إرادة القادة العرب المشاركين فيها، مؤكدا أن تعقد فى ظل أحداث متحركة ومتصاعدة، ولا بد أن تكون مواكبة للحدث على نحو يلبى تطلعات الرأى العام العربى، وتقدم مساندة قوية للشعب الفلسطينى الذى يراد له أن يكابد نكبة جديدة على غرار نكبة العام 1948.
فى هذا السياق، وفى ظل أن موقف الدول العربية بات واضحا تماما، فإن مؤتمر القمة العربية سيزيده وضوحا وتأكيدا ويجعل منه رسالة قوية لكل الأطراف مرتكزة على موقف عربى واحد تتبناه جامعة الدول العربية بما لذلك من تأثير سياسى ودبلوماسى ليشكل ضغطا إضافيا على المجتمع الدولى لتعديل طريقة تعامله مع العدوان الجارى، توطئة للانتقال إلى تسوية القضية من جذورها فى ضوء المبادرة العربية للسلام ومقررات الشرعية الدولية التى تتبنى حل الدولتين باعتباره الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، ومن ثم تحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط. هذا الموقف العربى سيتخلص فى إعلان ثلاثة لاءات فى وجه إسرائيل، وهى لاءات تبلور ما يشبه التوافق الدولى بشأنها فى الأسبوعين الأخيرين، وهي: لا للعقاب الجماعى للشعب الفلسطينى، لا لتهجير الشعب الفلسطينى، لا لتصفية القضية الفلسطينية. أما «نعم» الوحيدة التى ستتبناها القمة العربية فهى نعم للسلام الشامل والعادل لإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالدول العربية جميعها اختارت السلام خيارا استراتيجيا على الأقل منذ تبنيها على مستوى القمة المبادرة العربية للسلام التى قدمتها السعودية فى عام 2002. وإذا كان السلام وحل الدولتين يتعرض لمحنة هى الأكبر والأخطر فى ظل توجهات اليمين المتطرف الذى يتحكم فى إسرائيل الآن ، ويحاول إعادة عجلة الزمن إلى بدايات القرن الماضى، فإن أيا من الدول العربية خاصة مصر والأردن ليستا مستعدتين ولا راغبتين فى تحمل تبعات أو بالأحرى حماقات ذلك اليمين المتطرف ومحاولاته لاستنبات بذور الغضب والكراهية فى المنطقة لتحرق الأخضر واليابس بها
نقلا عن الأهرام