قبل نحو عام حدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أولويات حكومته استعداداً لاستضافة بلاده القمة العربية التي تأجل انعقادها منذ القمة الأخيرة في تونس قبل ثلاثة أعوام.
قال تبون يومها إن الهدف من الاجتماع الرفيع هو أولاً تعزيز الصف العربي وثانياً تأكيد أولوية القضية الفلسطينية ووضعها في مقدمة جدول الأعمال وثالثاً اعتباره حماية الاتحاد الأفريقي في رأس الأولويات الجزائرية.
لم يكن في تلك العناوين ما يفاجئ، فجامعة الدول العربية قامت منذ قمتها الأولى في أنشاص (مصر 1946) من أجل فلسطين، ثم بات التضامن العربي شعاراً ملازماً لاجتماعاتها اللاحقة بعد انهيار هذا التضامن في محطات كثيرة، أما الاهتمامات الأفريقية للجزائر، فهي من صلب موقعها ودورها في القارة.
لقد استضافت الجزائر قمماً عربية في تواريخ حساسة، ففي عام 1973 قررت 16 دولة عربية إثر حرب أكتوبر (تشرين الأول) التمسك بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس وأكدت دعمها استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية الثابتة. وفي قمة 1988 وعشية اندلاع ما سمي “العشرية الجزائرية السوداء” حرص المجتمعون العرب برئاسة الشاذلي بن جديد على إعلان دعمهم الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ولم تمض أشهر قليلة حتى كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يعلن من الجزائر أثناء اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني “وثيقة الاستقلال” وقيام “دولة فلسطين”. وبعد 17 سنة من ذلك التاريخ عام 2005 كان على الجزائر أن تستضيف قمة عربية في أعقاب إنذارين تلقاهما العالم العربي، وفاة عرفات في ظروف غامضة واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في جريمة هزت العالم.
كانت قمة 2005 فرصة لتجديد التمسك بمبادرة السلام العربية، لكن إسرائيل رفضت المبادرة مرة جديدة، وفي مقلب ثان كان رئيس النظام السوري بشار الأسد منشغلاً بالرد على قانون أميركي في شأن “محاسبة سوريا” ويستعد للانسحاب من لبنان الذي اكتفى رئيسه إميل لحود بتوجيه رسالة إلى القمة يدعوها فيها إلى التضامن مع سوريا و”المقاومة”.
ما دلالات عقد القمة العربية في ذكرى اندلاع “ثورة التحرير” الجزائرية؟
لم ينظر القادة العرب بدقة إلى معاني حدثي تغييب عرفات والحريري عن المشهد وكان غزو العراق واحتلاله تما قبل عامين ليصبح منطقة نفوذ إيرانية ستتسع تدريجاً إلى لبنان وسوريا وفلسطين واليمن. وقمة الجزائر يومها لم تفعل سوى إعادة تجميع للعناوين العربية التقليدية ضمن خلاصة بروتوكولات تتكرر في كل قمة تقريباً وصولاً إلى قمة تونس عام 2019.
خلاصة تلك القمة الأخيرة في سلسلة القمم العربية يمكن اختصارها بالبنود التالية:
رفض قرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبضم الجولان.
رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية.
العمل على تسوية حقيقية في ليبيا وسوريا.
التمسك بوحدة أراضي العراق وإدانة التدخل التركي في شماله.
دعم استقرار لبنان.
تأكيد مركزية القضية الفلسطينية.
استنكار تشويه المتطرفين للإسلام.
التنديد بالإرهاب بما في ذلك اضطهاد الروهينغا في ميانمار.
كان العمل العربي المشترك بحاجة إلى أكثر من بيانات متكررة من هذا النوع هي في خلاصتها تجميع لمواقف ترضي المشاركين.
في الأثناء ازدادت الدعوات إلى تفعيل دور جامعة الدول العربية، فيما كان المشرق العربي يعاني استمرار الاحتلال الإسرائيلي في غربه والتهديد الإيراني من شرقه. وفي شمال أفريقيا والمغرب العربي تزداد الأزمة الليبية اشتعالاً وتنحدر العلاقات الجزائرية – المغربية إلى أسوأ حالاتها، بينما تتطور قضية سد النهضة الإثيوبي إلى صراع مفتوح بين إثيوبيا ومصر والسودان ويغرق الصومال في مزيد من الرمال الدموية المتحركة.
حدث كل ذلك وفي محيط العالم العربي دول تواصل مشاريعها التوسعية، من تركيا وإيران إلى إسرائيل، واقترب العالم من حرب عالمية ثالثة بنتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا.
لم يعد مفيداً تكرار اجتماعات على مستوى القمة من أجل الصورة وفي الواقع كان إقناع بعض القادة بالحضور يستغرق جهداً أكبر من الانكباب على الخروج بنتائج عملية، مما جعل كثيراً من المراقبين ينعون الجامعة بعد التساؤل عن جدواها في ظروف صعبة ومعقدة.
لا شك في أن الجزائر سعت إلى أن تكون القمة مطلع الشهر المقبل على قدر التحديات وهي عملت على لقاء جامع فلم تجعل من حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد معضلة مع أنها كانت ترغب في إنهاء المقاطعة وجاء امتناع النظام عن الحضور ليعطي دفعة لجهودها من أجل قمة جامعة.
وعلى رغم مشكلتها مع المغرب حرصت على دعوة الملك المغربي وتحدث وزير العدل الجزائري إيجاباً عن العلاقات المفترضة بين الدولتين المغربيتين في مؤتمر إيفران لوزراء العدل العرب وفي معلومات وزعتها الجهات الرسمية الجزائرية وأفادت بأن حضوراً عربياً وازناً ستشهده القمة.
في مقدمة الحضور الملك المغربي محمد السادس والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس التونسي قيس سعيد إضافة إلى قادة الدول الأخرى الأعضاء في الجامعة العربية.
الحضور على هذا المستوى له أهميته القصوى فهو يكسب القمة قيمتها مسبقاً، لكنه يكتسب أبعاده الفعلية مما سبقه من خطوات تنسيقية إقليمية بين عدد من الدول العربية الأساسية. فمنذ قمة العلا لدول مجلس التعاون شهد العالم العربي خطوة متقدمة على مستوى التنسيق الجاد، وفي القمة العربية الأميركية بجدة (يوليو/ تموز الماضي) التي جمعت تسع دول عربية أساسية والولايات المتحدة الأميركية تمت بلورة اتجاهات عملية للسياسة العربية في محيط إقليمي ودولي متوتر. لقد تحول الخليج العربي إلى مركز فاعل في الواقع العربي نتيجة موقعه ودوره وكونه مركزاً للثروات وجبهة تتصدى للتحديات الإقليمية وتتعامل مع تحولات العالم بخطط طموحة وسياسات عقلانية.
لا شك في أن ” لحظة الخليج” العربي ستترك بصماتها في قمة الجزائر العربية وشعار ” لم الشمل” الذي طرحه الرئيس الجزائري للقمة يمكنه أن يتحول إلى برنامج عمل طموح إذا التقت توافقات الخليج ومصر مع رؤى مغاربية تقدم التسويات على مواصلة التنافر. فإذا تحقق ذلك سيصبح ممكناً الحديث عن موقع فاعل للعالم العربي في أحداث عالمنا، العربية منها والدولية.
إنه مشروع يستحق بذل كل الجهود والجزائر التي اختارت ذكرى انطلاق ثورتها الوطنية التحررية قبل 68 عاماً موعداً للاجتماع العربي الأكبر، تعرف من دون شك أن لا جدوى من استرجاع لغة بيانات بقيت من دون تنفيذ.
نقلا عن اندبندنت عربية