العلاقات المصرية الخليجية – الحائط العربي
العلاقات المصرية الخليجية

العلاقات المصرية الخليجية



تمتد جذور العلاقات التاريخية بين مصر والدول الخليجية لأكثر من قرنين من الزمان عندما كانت الإمارات المتصالحة تسمع عن مصر وترتبط بها عن بعد وتلتقى بأبنائها فى موسم الحج واحتفالات وصول المحمل النبوى الشريف كل عام، وقد يكَّون لدى الدول الخليجية انطباع إيجابى مع مصر، فمع ندرة من زاروها من دول الخليج فى القرن التاسع عشر إلا أن شعورًا بالتعاطف ترسخ لديهم تجاه الدولة المصرية بينما تميزت العلاقات بين منطقة الحجاز ومصر بشكل خاص بكونها أكثر توثقًا بسبب الجوار الجغرافى، حيث لا يفصل بينهما إلا البحر الأحمر، وكان المصريون فى ذلك الوقت يتحدثون عن بر مصر وبر الشام وبر الحجاز وقد كان ذلك هو الحد الأقصى فى الجوار الجغرافى فضلاً عن العلاقات مع السودان والتى تمتد لتصل مصر بمنابع النيل، خلاصة القول أن العلاقات المصرية الخليجية فى ذلك الوقت كانت ثقافية تعليمية بالدرجة الأولى، ولم تكن هناك حواجز تمنع من التواصل بين مصر وتلك الدول بل على العكس سعت العائلات الخليجية فى فترة زمنية مبكرة إلى طلب العلم لأبنائها فى المدارس المصرية ،أو على الأقل وفقًا لنظام التعليم المصرى وهم فى بلادهم، وبذلك تكونت طبقة ممن تعلموا وفقًا لنظام التعليم المعمول به فى مصر وظهرت أجيال تشعر بولاءٍ وارتباط بالشعب المصرى، وباتت مصر هى وطنهم الثانى لأن البلد الذى تعلم فيه أو منه الشخص يصبح تلقائيًا امتدادًا تاليًا لوطنه الأول، وقد سعت إلى مصر عائلاتٌ عريقة من دول الخليج وأخرى من سواحل اليمن حتى استقر فيها عدد كبير من العائلات الحضرمية وأبناء الدولة السعودية منذ تمكن عبد العزيز الكبير من توحيد أرجاء الجزيرة وبسط نفوذه فى ربوعها، وقد سعت البعثات التعليمية من وزارة المعارف العمومية فى مصر وبعض المعاهد الأزهرية إلى دول الخليج أيضًا تعليمًا وتثقيفًا حتى وصلت الصحافة المصرية إلى دول الخليج عبر الشام والعراق وبدأ ميلاد العروبة الثقافية التى تربط أجزاء العالم العربى شرقًا وغربًا، ويهمنى هنا أن أوضح النقاط التالية:

أولاً: إن علاقات مصر بدول الخليج لم ترتبط بالثورة النفطية، بل سبقت ذلك بعشرات السنين عندما كان العثمانيون يبسطون نفوذهم على دول المنطقة بغير استثناء، وعندما وصل البريطانيون إلى الخليج العربى كان ذلك إيذانًا بالمزيد من العلاقات الوثيقة بين مصر ودول الخليج، ثم بدأت حركة الشريف حسين قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث وعد الحلفاء أمير مكة بأن ينصبوه ملكًا للعرب فى حال تحالفهم ضد الحكم التركى والامبراطورية العثمانية التى كانت تبدو فى النزع الأخير من عمرها، وبانتهاء الحرب نكص الحلفاء بوعودهم ولم يعطوا العرب شيئًا، بل على العكس بدأوا فى التقسيم الاستعمارى لدويلات عربية على حساب المضمون الكبير لمفهوم العروبة.

ثانيًا: إن العلاقات المصرية السعودية كانت هى القاطرة التى ربطت بين دول الخليج ومصر، ذلك أنها علاقات ذات خصوصية وتبعتها علاقات مع دول أخرى خليجية اتجهت إلى مصر خصوصًا بعد ميلاد دولة الإمارات العربية وازدهار الوضع فى الكويت، وبروز التأثير السياسى لكل من قطر والبحرين وعمان، فازدادت العلاقات المصرية الخليجية بالتالى توثقًا وارتباطًا، وأنا أتذكر أن أبناء الكويت خرجوا إلى الميادين يتطلعون للمجال الجوى لبلادهم حينما كان عبدالناصر يعبره عائدًا من زيارةٍ للهند وباكستان فى نهاية خمسينيات القرن الماضى وذلك اعتزازًا بالزعيم الصاعد الذى دعمه الخليجيون أثناء العدوان الثلاثى عام 1956 وزادوا على ذلك كثيرًا فى أثناء حرب 1967، وجدير بالذكر أن ثلاثة أو أربعة من أبناء الملك عبدالعزيز ممن أصبحوا ملوكًا فى الرياض كانوا متطوعين فى الجيش المصرى إبان العدوان الثلاثى الذى صاحب حرب السويس عام 1956، وهنا نود تأكيد أن العلاقات المصرية الخليجية كانت دائمًا بعيدة عن التأثيرات السياسية قريبة من الروابط الثقافية لذلك اتصفت بشىءٍ من الاستقرار رغم كل الأحداث الطارئة والسحب التى عبرت على العلاقة بين مصر وبعض الدول الخليجية.

ثالثًا: لاشك فى أن العلاقات الدينية ووجود الأزهر الشريف كانت هى الأخرى إحدى حلقات العروة الوثقى فى كثيرٍ من المراحل التى سعى فيها أبناء الخليج العربى إلى مصر أو سعت مصر إلى أشقائها هناك، بل إن سنوات القطيعة الدبلوماسية بين مصر والدول العربية عقب توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل لم تكن بنفس الحدة مثلما كان الأمر بين مصر ودول المشرق العربى، ويكفى أن نتذكر أن سلطان عمان الراحل رفض أن يقطع العلاقات مع مصر مؤمنًا بأن قرار الحرب وقرار السلام كلاهما قرار سيادى لايجب العقاب بسببهما، ولقد استمر التواصل الإنسانى والثقافى بين دول الخليج ومصر فى كل الظروف متخطيًا كل العقبات، إذ تستضيف دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية ما يزيد على مليونى مصرى يعملون فى مختلف الأنشطة والوظائف لديها ويحظون فى العموم بمعاملة طيبة إلى حدٍ كبير.

.. هذه إطلالة عاجلة على جوهر العلاقات المصرية الخليجية التى تتنامى دائمًا والتى برز فيها الدور المصرى عند غزو صدام حسين للكويت، كما برز الدور الخليجى فى مساندة مصر فى كل حروبها وجميع أزماتها، إنها صلات لا تنقطع أبدًا.

نقلا عن الأهرام