لا يوجد معنى عربي لمفهوم الديموقراطية!
هل هي الشورى؟ أي أن يتشاور الحاكم مع مساعديه؟ لكنهم عادوا في النهاية وقالوا إن الشورى ليست مُلزمة لولي الأمر.
هل هي تداول السلطة بشكل سلمي؟ ذلك يتم في الأنظمة الوراثية التي يتم فيها انتقال السلطة من أب لابنه، أو من أخ لأخيه، أو من مؤسسة حاكمة إلى قائد جديد، أو من حزب حاكم إلى زعيم جديد من الحزب ذاته!
هل هي احترام الصوت الانتخابي من خلال انتخابات حرة؟
هناك مشكلتان في هذا المجال:
الأولى: هي قصر الديموقراطية على الصندوق الانتخابي وحده من دون وجود المقادير الأخرى لإنجاح تجربة الديموقراطية كاملة.
الثانية: أن الغالبية العظمى لا تحترم نزاهة الإجراءات ما قبل التصويت، بمعنى إرغام الجماهير إما بكاتم الصوت أو بالرشوة الانتخابية لشراء الأصوات.
ونأتي إلى عدم القبول بنتائج الانتخابات من منطلق «أنا مع قبول نتائج الصندوق الانتخابي في حالة واحدة فقط وهي أن تكون النتيجة لصالحي»!
أما في حالة الإعلان عن نتائج تخالف «القوى المتنفذة» ذات الميليشيات والصواريخ والقنابل والمال السياسي، فإنّ التشكيك في النتائج والطعن في نزاهتها، وإهدار ما نتج عنها، ودفع فوهة المسدس في رأس القوى التي أشرفت على الانتخابات هو أمر شائع ومعتاد ولا يتغيّر أبداً.
لم نسمع من كان في مركز قوة وخسر الانتخابات ثم خرج إلى العالم ليعلن قبوله بالنتيجة واحترامه للصندوق ومبدأ الاحتكام إلى صوت الناس الحر.
حتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيس أكبر دولة ترفع شعار سيادة القانون والحريات العامة والحكم الدستوري وتقديس تداول السلطة، اعترض على نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أدت الى خسارة مقعد الرئاسة وخسارة أنصاره في الحزب الجمهوري.
وها هو التاريخ يُكرر نفسه منذ أيام معدودات حينما اضطرت اللجنة المشرفة على الانتخابات في العراق إلى الإعلان عن تعديل بعض النتائج الأولية التي أعلنتها وإعادة فرز بعض الصناديق بعد الاعتراض والإرهاب اللذين قامت بهما كثير من قوى التطرف الطائفي والميليشيات الطائفية والمناطقية.
يكفي أن قيادة «الحشد الشعبي» العراقي أصدرت بياناً تطالب فيه أنصارها وأعضائها بالإلتحاق فوراً بمراكز الحزب وإعلان التعبئة العامة، والتهديد بأن من سيتخلف سوف يتعرض للعقوبة الشديدة.
يأتي هذا بعد اعتراض «الحشد الشعبي» على خسائر كثير من مناصريه التابعين لنظام ولاية الفقيه في إيران.
باختصار، رسالة «الحشد الشعبي» أن الانتخابات تصبح مقبولة ونزيهة وحرة في حالة واحدة فقط وهي حالة فوزه، مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة التي تمت تحت كاتم الصوت وكتائب الموت الطائفي.
باختصار «إن لم نفز بالشكل الذي نريد فسوف نهدم المعبد على رأس الجميع، ونهدم كل تجربة الانتخابات».
في العراق نحن أمام نموذج يمكن تدريسه لطلاب العلوم السياسية في العالم حول مفهوم «ممارسة الديموقراطية بطريقة استبدادية».
«الاستبداد الديموقراطي» اختراع جديد يضيفه العرب إلى فتوحاتهم في علوم الفلك والجغرافيا والطب والحساب!
نقلا عن الشرق اللبنانية