العدالة المناخية وندرة المياه في المنطقة العربية – الحائط العربي
العدالة المناخية وندرة المياه في المنطقة العربية

العدالة المناخية وندرة المياه في المنطقة العربية



مع اقتراب موعد قمة المناخ العالمية التى ستلتئم من 7 إلى 18 نوفمبر 2022 فى مدينة شرم الشيخ المصرية تحتل تأثيرات التغير المناخى فى المنطقة العربية حيزا من النقاش وطرح المشاكل والبحث عن بدائل أو حلول. حيث تؤدى التغيرات المناخية إلى تعميق التفاوتات فى الصحة العامة والإسكان وتوفير الغذاء والماء، فتحمل تأثيرات تغير المناخ لا تتم بشكل متساوٍ بين الدول وبين الأغنياء والفقراء وبين الرجال والنساء.
إن ندرة المياه من أهم المشاكل التى تشهدها جل الدول العربية خاصة مع تواتر فترات الجفاف السنوات الأخيرة، وأيضا بسبب النزاعات والحروب التى تدور رحاها فى عدة دول كاليمن والسودان وليبيا وغيرها، ولكن أيضا بسبب الصراعات التى أصبحت قائمة على مصادر المياه مثل الأنهار، كما هو الحال بالنسبة للعراق، أو أيضا الصراع بين مصر وإثيوبيا حول إقامة السد النهضة. كل هذه المشاكل تدفعنا للتساؤل حول علاقة العدالة المناخية بندرة المياه وأهم انعكاسات هذا الموضوع على الحق فى الوصول للماء والمساواة فى التوزيع بين مختلف المناطق فى الدولة الواحدة.
• • •
حسب موقع معهد الموارد العالمية (WRI)، من بين 17 دولة ذات أزمة كبيرة فى المياه فى العالم، هناك 12 دولة فى المنطقة العربية وفى أعلى القائمة قطر وفلسطين المحتلة ولبنان، ودخلت كل من إيران والأردن وليبيا والكويت والإمارات والبحرين وعمان فى قائمة الدول ذات الأزمة العالية جدا فى المياه.
هناك 27 دولة أخرى تعانى من نقص مياه حاد بينها اليمن والجزائر وتونس والمغرب والعراق وسوريا ومصر، وحسب الخبراء إن الاحتباس الحرارى يسىء الوضع فى هذه الدول. وتشير بيانات البنك الدولى، بحلول عام 2050، ستتكبد المنطقة أكبر الخسائر الاقتصادية بسبب نقص المياه المتصل بالمناخ، والذى يقدر بما يتراوح بين 6 و14 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى.
تتمتع دول عربية كثيرة بموارد مائية مهمة متمثلة خاصة فى الأنهار ولكن تعانى جلها من وجود منابع هذه الأنهار فى دول أخرى كما هو الحال فى نهر النيل بمنابعه الإثيوبية والأوغندية، وفى نهر دجلة بمنابعه التركية والإيرانية، وفى الفرات بمنابعه التركية أيضا، وأيضا نهر الأردن الذى تسيطر على منابعه الكيان الإسرائيلى المحتل وهذا ما يجعل سياسات هذه الدول المائية مقيدة بتصرفات الدول التى تنبع منها المياه بل قد تمثل هذه النقطة بالذات وسيلة ضغط سياسى على هذه الدول، فمصير أمنها المائى وأيضا الغذائى مرتبط بعلاقاتها مع البلدان التى تنبع منها هذه الأنهار التى تمثل شريان حياة هذه الدول. كان قد سُجل انخفاض فى مياه دجلة والفرات بعد عام 2010، بسبب بناء تركيا وإيران سدين على أراضيهما تسببا فى تقليص إمدادات المياه فى النهرين إلى سوريا والعراق، فى حين تشتد وتتفاقم أزمة سد النهضة بين إثيوبيا ودولتى المصب، مصر والسودان.
بينما نجد دولا فى منطقتنا مثل دول المغرب العربى تعانى نقصا فى الموارد المائية؛ إذ تشكو تونس مثلا شحا مائيا بسبب ندرة الأمطار وتزايد الطلب على الماء فى الزراعة والصناعة والسياحة والاستهلاك اليومى مع التزايد السكانى والتبذير المائى والتغيرات المناخية واستنزاف الموارد المائية السطحية والتحت ــ أرضية والعميقة وغياب استراتيجية صارمة لتعبئة الموارد المائية والتصرف الرشيد فيها، بالإضافة إلى غياب إرادة سياسية واضحة وحوكمة لمعالجة هذه المشكلة، ووضع الماء فى تأزم متواصل وإيجاد الحلول أمر صعب فى ظلّ سوء إدارة الموارد المائية والمالية.
• • •
تعود أسباب مشكلة المياه فى الوطن العربى إلى أكثر من سبب منها مرور أهم مصادر المياه بأكثر دولة ومنها غير عربية، مثل نهر دجلة الموجود فى العراق والذى ينبع من تركيا وإيران ونهر النيل الموجود فى مصر والذى ينبع من الأراضى الإثيوبية والأوغندية، مما يؤدى حتما إلى التقيد فى استخدام المياه كما قد تصبح وسيلة ضد الدول العربية فى حال حدوث خلافات سياسية بين تلك الدول والدول العربية.
تناول مجموعة من الباحثين والباحثات مسألة العلاقة بين العدالة الاجتماعية والبيئية وقضايا المياه فى كتاب «منطقة فى خطر.. العدالة بين الأبعاد البيئية والاقتصادية» وقد صدر هذا الكتاب إثر تعاون جمع بين منتدى البدائل العربى للدراسات فى بيروت ومنظمة جرين بيس مكتب شمال أفريقيا. ويوضح الكتاب أن المشكلة لا تنحصر فى ندرة المياه فقط بل هناك أيضا التوزيع غير المتكافئ للعوائد والمنتجات الزراعية، وسوء استخدام الموارد المائية والتقنيات الزراعية التى تستهلك كميات كبيرة من الماء، وهو ما يؤثر حتما على مسألة الأمن الغذائى فى المنطقة بل إن هناك بلدانا فى المنطقة لا تعانى من ندرة المياه مثل لبنان البلد الغنى بالموارد المائية المتجددة وبثروته الجوفية التى تتغذى سنويا بمعدل يصل إلى 53% من الأمطار فالمشكلة هنا هى سوء إدارة الموارد المائية.
إن مشكلة المياه بالتالى ليست مشكلة اقتصادية ومناخية فقط بل إنها ذات طابع سياسى فالمياه من أخطر الموارد التى تمس حياة الشعوب ومستقبلها وأمنها وتؤكد منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن «ثمانى دول مجاورة للدول العربية تتحكم بأكثر من85 فى المائة من منابع المياه الداخلية»، مشيرة إلى أن تلك المشكلة، بجانب «الزيادة السكانية المطردة التى يقابلها تناقص فى نصيب الفرد من المياه بسبب محدودية مواردها، والتغيرات المناخية وكثرة النزاعات الداخلية»، خاصة فى ليبيا واليمن وسوريا والسودان والعراق من شأنها أن تعمق أزمة هذه الدول فى مواجهة معضلة ندرة المياه.
تُلقى قضية شح المياه على كاهل الدول العربية مسئوليات كثيرة وهو ما يعنى ضرورة وضع استراتيجيات واضحة لحل هذه القضية المرتبطة بقضايا أخرى اقتصادية واجتماعية من خلال قيام جميع الدول بمسح مائى للموارد المائية فى وقت إجراء التعداد العام للسكان، وتحديد معدل النمو السكانى وما يقابله من نمو فى الموارد المائية وذلك لتحديد حصة الفرد السنوى من الموارد المائية، ويجب التأكيد على احترام الأبعاد الحقوقية فى التعامل مع مقاربات التنمية المختلفة لما يضمنه هذا من مشاركة المواطنين والمواطنات بصفة فعالة، وبالتالى تقليص الفجوة بين السياسات العامة التى تتخذها الحكومات وشعوبهم مما يحد من التهميش والحرمان والتدهور البيئى والاجتماعى ويحقق درجة من العدالة المناخية التى تقتضى حصول كل فئات وطبقات المجتمع على نفس الحق دون تمييز؛ أى أن الفقراء والأغنياء فى المدن والأرياف والرجال منهم والنساء يكون لديهم إمكانية الوصول إلى حقهم فى الماء بنفس الدرجة

نقلا عن الشروق