بدأ يوم الجمعة الماضى واستمر حتى الأحد مؤتمر ميونخ للأمن، المؤتمر يعقد بشكل سنوى فى مدينة ميونخ الألمانية، ويعد أهم مؤتمر على مستوى العالم يناقش القضايا المتعلقة بالأمن بمفهومه الواسع.
أهمية المؤتمر تعود أيضا إلى أنه يجمع فى جلساته خليطا من الرسميين من قادة الدول والحكومات، بالإضافة إلى الخبراء وقادة الرأى العام.
مؤتمر هذا العام كانت له دلالة كبيرة حيث حظى بحضور كبير وعلى مستوى رفيع ضم حوالى ٤٠ رئيس دولة وحكومة، بما فى ذلك المستشار الألمانى، والرئيس الفرنسى ورئيس الوزراء البريطانى، ونائبة رئيس الولايات المتحدة وغيرهم من قادة الدول الغربية. بالإضافة إلى سياسيين وخبراء من حوالى ١٠٠ دولة.
هذا الحضور المتميز اختلف عن الحضور فى منتدى دافوس والذى عقد هذا العام بحضور ضعيف واهتمام منخفض، وهو ما يؤكد أن قضايا الأمن أصبحت تحتل الأولوية فى اهتمامات العالم، وليس قضايا العولمة الاقتصادية التى يناقشها منتدى دافوس.
جلسات المؤتمر أذيعت على الهواء عبر قنوات تليفزيونية ومنصات على الإنترنت، ولاتزال متاحة لمن يريد أن يستفيد من هذه الوجبة الغنية بالمعلومات والتحليل. ورغم تعدد القضايا المطروحة فى أجندة المؤتمر، إلا أن التركيز هذا العام كان على الحرب الأوكرانية، حيث انعقد المؤتمر بعد عام تقريبًا من بدء الحرب. وكان مؤتمر العام الماضى قد افتتح قبل أيام من الغزو الروسى لأوكرانيا، وطالب المشاركون وقتها الرئيس بوتين بعدم مهاجمة أوكرانيا، وحذروا من عواقب الحرب.
الاهتمام هذا العام بأوكرانيا ظهر فى طلاء مبنى الفندق الذى أقيم به المؤتمر بألوان العلم الأوكرانى، ولأول مرة، ومنذ عقدين من الزمن، لم يدع المؤتمر مسؤولين روسا للمشاركة.
مناقشات المؤتمر، خاصة ما يتعلق بأوكرانيا يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:
أولا: تصميم الغرب على عدم السماح لبوتين بالانتصار فى الحرب، حيث ذكر الرئيس الفرنسى ماكرون: «روسيا لا ينبغى لها أن تكسب هذه الحرب.. العدوان الروسى يجب أن يفشل» وتحدثت نائبة الرئيس الأمريكى كاميلا هاريس عن أن انتصار بوتين يعنى انتصار منطق استخدام القوة فى العالم، وإذا نجح ذلك فى أوروبا اليوم فسوف يمتد إلى آسيا فى الغد، وكنت تقصد بذلك الصين وعلاقتها بتايوان، وأن الولايات المتحدة لها مصلحة استراتيجية فى عدم حدوث ذلك.
ثانيا: التعهد بالاستمرار فى تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وذكر المستشار الألمانى أولاف شولتز أن الحرب يمكن أن تستمر «لعدة سنوات»، وأن شحنات الأسلحة الغربية لأوكرانيا ليست هى التى تطيل أمد الحرب، بل إن العكس هو الصحيح، ووفقا له «كلما أسرع الرئيس بوتين فى إدراك أن أهدافه لن تتحقق، زادت فرصة انسحاب قوات الاحتلال»، وتفاخر شولتز بأن بلاده لم تعد مترددة فى تقديم الدبابات لأوكرانيا، ومنحتها أكثر من ١٢ مليار يورو فى عام ٢٠٢٢، ورحبت بأكثر من مليون لاجئ أوكرانى، وسوف تقدم المزيد.
ثالثا: يرى الغرب أن هذا ليس وقت الحوار مع روسيا. ووفقا للرئيس ماكرون فإن «مقاومة الشعب والجيش الأوكرانيين والسماح لهم بتنفيذ هجوم مضاد هو الذى سيتيح مفاوضات ذات مصداقية ووفقا للشروط التى تختارها أوكرانيا».
رابعا: لا يوجد تصور واحد للسلام لدى الدول الغربية، فالبعض يرى أن السلام مرتبط بانسحاب روسيا من كل الأراضى الأوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم التى ضمتها من قبل، فى حين أن البعض الآخر يترك مسألة شروط السلام كى تحددها الحكومة الأوكرانية وحدها. الرئيس الفرنسى ماكرون قدم موقفا متوازنا، حيث قال «لن يغير أى منا الجغرافيا، وستبقى روسيا دائمًا فى القارة الأوروبية»، لذلك لا يمكن أن يكون هناك «سلام دائم وكامل فى القارة دون التعامل مع المسألة الروسية»، وردا على من يقولون إن السلام لن يتحقق طالما ظل فلاديمير بوتين فى السلطة، ذكر ماكرون أنه لا يؤمن بسياسة «تغيير النظم».
خامسا: أشار العديد من قادة الدول الغربية إلى أن الحياد فى الحرب الأوكرانية ليس خيارا، خاصة ما يتعلق بتأييد الغزو، وانتهاك سيادة دولة مستقلة، ولم تحظ الأفكار التى طرحها بعض الساسة من دول الجنوب والمشاركين فى المؤتمر باهتمام كبير، خاصة من الذين أشاروا إلى أنهم يرفضون الغزو والاحتلال، لكنهم فى نفس الوقت يريدون تكثيف الجهود للتوصل لاتفاق سلام، ولا يريدون أن تفرض عليهم ضغوط للاختيار بين روسيا أو الغرب.
باختصار، مؤتمر ميونخ للأمن يتعامل مع الحرب الأوكرانية على أنها القضية الأساسية فى العالم، وتحدث قادة الغرب من خلاله عن التصعيد ضد روسيا وأن هذا ليس وقت الحوار معها للتوصل لاتفاق سلام، أو كما ذكر الرئيس ماكرون فنحن بصدد صراع ممتد، وبالتالى لا أحد يعلم متى سينتهى، وبأى شكل.
نقلا عن المصري اليوم