تدلُ عبارةُ العائدين من أوكرانيا في الوقت الراهن على مواطني دولٍ عدة كانوا قد ذهبوا إليها لعملٍ أو دراسة، ونجوا بأنفسهم من ويلاتِ الحرب بعد اندلاعها. لكن العبارة نفسها ربما تُستخدمُ بعد أشهرٍ للدلالة على معنى مختلفٍ تماماً، إذا حدث السيناريو الأسوأُ نتيجة ذهاب «متطوعين» للقتال إلى جانب قوات أوكرانية أو روسية. واجه العربُ، وآخرون في العالم، تهديداً ترتب على حرب أفغانستان في الثمانينيات. وما زالت عبارةُ العائدين من أفغانستان تحملُ معنى خطر الإرهاب حتى الآن. وحدث مثلُ ذلك، بدرجةٍ أقل، بشأن العائدين من البوسنة وألبانيا أيضاً.
فهل يُعادُ إنتاجُ هذا الخطر بعد أن دعا كلٌّ من طرفي الحرب في أوكرانيا إلى التطوع لدعم قواته؟ سؤالٌ يحسنُ ألاَّ يغيب عن اهتمامنا رغم الانشغال بأسئلةٍ أخرى تُثيرها الحرب.
بدأ التطورُ في اتجاه جلب «متطوعين» عندما دعت الحكومةُ الأوكرانيةُ في أول مارس الجاري «الراغبين في مساندتها على صد القوات الروسية للاتصال ببعثاتها الديبلوماسية في بلادهم لترتيب نقلهم». ولم تمض أيامٌ، حتى وافق الرئيسُ بوتين على اقتراحٍ عرضه وزيرُ دفاعه بشأن «مساعدة المتطوعين في الشرق الأوسط على الوصول إلى منطقة دونباس للمشاركة في الأعمال القتالية».
وبدأ فعلاً عدد من هؤلاء وأولئك في الوصول إلى أوكرانيا. وأُجريت مقابلاتٌ صحفيةٌ مع عدد من «المتطوعين» لمساندة أوكرانيا لدى وصولهم إلى حدودها مع بولندا. كما تفيدُ تقارير إعلامية بوصول «متطوعين» سوريين إلى روسيا. والمتوقعُ أن يزداد عددُ الذاهبين للقتال هنا وهناك كلما طال أمدُ الحرب. وليس متصوراً بالتأكيد أن يتحول هؤلاء كلُهم إلى إرهابيين، وخاصةً أن السلطات الروسية لن تُغامر بنقل مقاتلين مشكوك في انتماءاتهم. لكن يكفي أن يتسلل بضعُ مئاتٍ من الإرهابيين إلى مناطق القتال. ولا يمكن استبعاد أن يندس شباب سوريون لديهم استعداد للتطرف، أو كانوا متطرفين وتراجعوا، وسط الذاهبين للقتال. ويتعذرُ أيضاً استبعادُ أن يسعى أعضاءُ في «خلايا نائمة» في بلدانٍ أوروبيةٍ وأفريقيةٍ إلى التسلل وسط الذاهبين إلى أوكرانيا، وخاصةً إذا لم تكن لهم سوابق أمنية.
وربما يحدثُ تساهلٌ في إجراءات السفر في مطار أوروبي أو آخر نتيجةَ تعاطف بعض الموظفين فيه مع أوكرانيا، ورغبتهم في أن يذهب أكبرُ عددٍ ممكنٍ لمساندتها. كما أن بعض «المتطوعين» لا يُقيمون في بلدهم، الأمر الذي يجعلُ التدقيق الأمني أصعب، مثل ستيفن أوكسلي الذي أجرت إحدى الوكالات مقابلةً معه لدى وصوله بلدة بشيميل على الحدود البولندية استعداداً لدخول أوكرانيا، فهو بريطاني، لكنه قادمُ من هولندا، وكان ينتقل بين عدة دولٍ حسب قوله.
الخطرُ، إذن، ليس مُتخيلاً. ويحسنُ عدم إغفاله، وخاصةً في منطقتنا التي ما زال لتنظيمي «داعش» و«القاعدة» حضورٌ في بعض بلدانها. وقد يجذبان بعض العائدين من أوكرانيا بعد الحرب.. فلنعط هذا الموضوع الاهتمامَ اللازم، ونتابع على الأقل حركة الشباب العرب الذين يذهبون سواء إلى روسيا أو أوكرانيا، بمقدار ما يتيسرُ ذلك.
نقلا عن الأهرام