الطريق المطلوب لمجلس التعاون الخليجى – الحائط العربي
الطريق المطلوب لمجلس التعاون الخليجى

الطريق المطلوب لمجلس التعاون الخليجى



تجدر الإشادة بالجهد الذى بذله سمو ولى عهد الشقيقة المملكة العربية السعودية لتنقية أجواء العلاقات فيما بين دول مجلس التعاون الخليجى. وهو جهد قصد به إنجاح مداولات القمة الخليجية التى عقدت منذ يومين فى الرياض وإبعادها عن المشاحنات والتلاسن.

وسواء وفقت القمة فى إخراج المجلس، حتى ولو جزئيا، من الفوضى والمشاحنات التى عاشها عبر الخمس سنوات الماضية أم لم توفق فإن ضرورة إبراز الجوانب المفصلية التى يقوم عليها هذا المجلس قد أصبحت ملحة، وسيحتاج حكام دول المجلس أن يعوها ويأخذوها بعين الاعتبار اليوم وغدا. إنها جوانب يتداولها القسم الأكبر من المواطنين ويبرزها بشتى الوسائل وعلى شتى المنابر.

أولا: بعد اتخاذ بعض دول المجلس قرارات سياسية ــ أمنية كبرى بصورة منفردة، ودون طرح مسبق على مجموع دول المجلس وأخذ رأيها، إن لم تكن موافقتها، وأيضا دون أخذ رأى مواطنيها ومواطناتها ومؤسسات مجتمعاتها المدنية، أصبح من الضرورى مراجعة ميثاق المجلس أو كتابة ملاحق للنظام التأسيسى، وذلك من أجل توضيح حدود وترابط، وما هو مقبول وما هو غير مقبول، ما بين التعايش بين السيادة الوطنية من جهة والسيادة المشتركة الممثلة بالمجلس من جهة أخرى.

ذلك أن ما جرى فى الماضى، وعلى الأخص خلال العشر سنوات الماضية، من ممارسات بعض دول المجلس باسم سيادتها الوطنية، من مثل التطبيع مع الكيان الصهيونى، العدو الوجودى للأمة العربية جمعاء، أو من مثل دعم بعض المجموعات الإسلامية الإرهابية بالمال والعتاد، وبتنسيق تام مع دول استعمارية وجهات استخباراتية أجنبية غير عربية، ومن مثل تحالفات عسكرية ومخابراتية مع هذه الدولة الإقليمية أو تلك وتواجد جيوشها وجواسيسها على الأرض العربية الخليجية، أو من مثل توقيع اتفاقات اقتصادية ومالية وثقافية لا تؤثر على الدولة الموقعة فقط وإنما على كل دول المجلس وعلى كل مشاريعه الوحدوية المستقبلية.. إن ما جرى من تغريب البعض وتشريق البعض فى الجهة المعاكسة، ومن تزوير وافتئات على تاريخ دين الإسلام والمسيحية من أجل دمج الكيان الصهيونى فى الكيان العروبى القومى، ومن الحديث عن تغيير المناهج التعليمية بواسطة مستشارين صهاينة.. إن ما جرى وينتظر أن يجرى من قرارات فردية تمس مشاعر الناس وعقائدهم وهوياتهم القومية العروبية والتزاماتهم الإنسانية وتعتدى على تاريخ نضالهم من أجل الاستقلال الوطنى والنهوض العربى والإسلامى الحضارى.. إن كل ذلك يحتاج أن تجرى مراجعته وتصحيح أخطائه ووضع خطوط حمر تمنع العودة إليه مستقبلا.

ثانيا: يود الناس أن يعود المجلس إلى اقتراح ملك المملكة العربية السعودية الراحل الملك عبدالله، رحمه الله، بشأن الانتقال إلى قيام نوع من الوحدة بين دول المجلس، وأن يعود المجلس إلى مقترح سلطان عمان الراحل، السلطان قابوس، رحمه الله، بشأن توحيد جيوش المجلس فى جيش خليجى واحد.

لقد تعثر الاقتراحان فى الماضى بسبب رفض البعض وتلكؤ البعض. كما أثبتت أحداث العشر سنوات الماضية صدق الرؤيتين الرائعتين للمرحومين.

إذا كان ما يدعيه البعض من رغبة فى الحفاظ على أمن دول المجلس واستقلالها ونموها الاقتصادى والمعرفى والتكنولوجى، وفى الوقوف فى وجه كل الأخطار الإقليمية غير العربية، فإن الطريق واضح: البدء بتطبيق الخطوتين السابقتين، ثم الانتقال إلى خطوات أخرى كثيرة تؤدى إلى وجود كيان خليجى عربى، ملتزم بكل مسئولياته القومية العروبية، متناغم مع بقية أجزاء الوطن العربى فى كل المجالات، مساهم فى تنمية كل أقطار الوطن العربى تنمية شاملة، يؤمن بالمصير العربى الواحد الذى بدونه لن تقوم للخليج العربى قائمة.

ما يهمنا ليس فقط قرارات القمة الحالية التى نرجو أن تكون بمستوى الأهوال والتحديات الخليجية والقومية، وإنما انتقال هذا المجلس إلى نشاط محموم دائم متناغم موحد يلبى طموحات المواطنين والمواطنات هنا وفى كل بلاد العرب.

نقلا عن الشروق