الطريقة المثلى لإدارة الخلافات العربية – الحائط العربي
الطريقة المثلى لإدارة الخلافات العربية

الطريقة المثلى لإدارة الخلافات العربية



حان الوقت لكى نبذل جميعا نحن العرب جهدا مكثفا للبحث عن صيغة حضارية لإدارة الخلافات العربية العربية إذا وجدت، بدلا من تركها للاجتهادات الشخصية ووسائل التواصل الاجتماعى والمتربصين والأعداء، بما يجعل الخلافات البسيطة تكبر وتتفاقم لتتحول إلى معارك بين الشعوب بدلا من حصرها فى خلافات محددة بين الحكومات.
لا أتحدث عن واقعة محددة، لكن أظن أن المتابعين للعلاقات العربية العربية يدركون أنها تعرضت لكثير من الضربات بفعل التعامل العاطفى والشخصى والانفعالى بعيدا عن القواعد الواضحة والمهنية والهادئة التى تركز على مبدأ المصالح المشتركة.
وللموضوعية فإن هذا الداء فى العلاقات العربية ليس وليد اليوم أو حتى الأمس القريب، لكنه يكاد يكون مرضا مزمنا منذ أكثر من ٧٠ عاما، أى إنه لصيق بالصراعات البينية بين الحكومات والأنظمة العربية فى مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الأجنبى والتى بدأت مع أوائل الخمسينيات من القرن الماضى وحتى هذه اللحظة.
نقطة البدء فى الإصلاح وعلاج هذا المرض تتلخص فى الإقرار بأنه لا يوجد مصطلح فى علم السياسة فى أى بلد أو منطقة أو قارة اسمه «التطابق الكامل فى وجهات النظر» هذا مصطلح مضلل لأنه إذا كان لا يحدث تطابق بين الزوج وزوجته والابن وأبنائه فى البيت الواحد، فهل نتوقع أن يحدث بين دولتين؟!
قد يكون هناك تفاهم وتطابق فى نقطة معينة أو بشأن قضية زمنية محددة، لكن التطابق الكامل والدائم أمر لا تعرفه السياسة على أرض الواقع بل ربما لا تعرفه الحياة فى شتى مجالاتها!
وإذا اتفقنا على ذلك، فليس عيبا إطلاقا أن تكون هناك خلافات فى وجهات النظر بين بلدين عربيين بشأن أى قضية. هذا أمر طبيعى جدا، بل ويحدث داخل الحكومة أو النظام الواحد. المهم فى الأمر أن نبحث نحن العرب عن طريقة مهنية ومتحضرة للتعامل مع هذه الخلافات وإدارتها بشكل محترم، بعيدا عن التجاوزات والشتائم والسب والردح بأى صورة من الصور، لأن الطريق الأخير يزيد من تفاقم المشكلة ويعقدها وينقلها إلى مستوى أخطر بحيث تتحول إلى مشكلة بين الشعوب، بدلا من انحصارها فى مجرد خلاف بين الحكومات يفترض حلها إن آجلا أو عاجلا.
قرأنا فى كتب التاريخ والسير والتراجم عن التنابذ بين الشعراء فى الجاهلية أو حتى العصور الأولى بعد ظهور الإسلام، وكل شاعر يفخر بأصله أو قبيلته، ويهجو الآخر بكل الصفات القبيحة، وقرأنا أيضا عن حروب القبائل العربية فى الجاهلية، والهجاء فيما بينها، لكن لا يعقل أن يستمر ذلك حتى الآن سواء بحسن أو سوء نية.
السؤال: هل من حق أى عربى أن يتناول شئون أى بلد عربى آخر بالنقد والتحليل؟
أظن أن الإجابة هى نعم، فإذا كنا، جميعا نقول إننا أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، وتجمعنا العادات والتقاليد والدين واللغة والمصالح المشتركة، فالمفترض أن يكون من حق كل مواطن عربى أن يتناول بالبحث والدراسة والتحليل الأوضاع فى أى بلد عربى آخر، طالما أن ذلك يتم بصوة مهنية وموضوعية وتهدف لإعلاء ما هو مشترك وليس بهدف الهدم والإساءة والتجريح. وأن يكون ذلك واضحا للجميع، بحيث لا نبيحه لأنفسنا حينما ننتقد، ونحرمه على الآخرين حينما ينتقدوننا.
خلاصة الموضوع هو ضرورة البحث فى طرق محددة وواضحة لتحصين الأمة العربية ضد محاولات العبث والتشكيك والهدم.
نريد أن يتفق كل أصحاب الشأن على ما يشبه ميثاق الشرف الذى ينظم تناول العلاقات المشتركة.
طبعا ستظل هناك ثغرات كثيرة تتمثل فى وسائل التواصل الاجتماعى التى يسعى بعضها للتخريب والإساءة والتشكيك، لكن نحن نتحدث عن الجسم الرئيسى لهذه العلاقات.
نحتاج أن ندعم جميعا، خصوصا المسئولين والإعلاميين والنخب وقادة الرأى العرب كل ما هو إيجابى ومهم ويصب فى زاوية تعظيم العلاقات العربية ويجنب كل ما يسىء لها.
حينما تنشب أى مشكلة بين بلدين عربيين فالحكمة تقتضى أن ندرك القواسم المشتركة الكثيرة بينهما ونحصر الخلاف فى القضية أو القضايا الصغيرة، لأنه لا يعقل أن تتسبب هذه المشكلة الصغيرة فى إشعال معارك دون كيشوتية عبثية تؤثر على مجمل العلاقات، وهذا الأمر يحتاج إلى تغيير فى الذهنية العربية وأن نتعلم من الأوروبيين أنهم يختلفون فى الكثير من الأمور، لكن يجمعهم اتحاد يعظم من مصالحهم المشتركة ويدير بهدوء وعقلانية كل خلافاتهم.

نقلا عن الشروق