شهدت المنظومة الإقليمية في الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة تغيرات متسارعة، وظهرت حالة من الزخم في العلاقات الثنائية من الزيارات والقمم الثنائية والثلاثية جمعت بين دول الخليج ومصر والأردن والعراق وإسرائيل وتركيا.
وبرزت على الساحة تحالفات إقليمية ودولية مستجدة وظهر ما يشبه إطار للترتيبات العربية الشرق أوسطية يتشكل بفعل المتغيرات الدولية والإقليمية. ففي إطار ما يمكن اعتباره تنافسَاً بين المحاور على المنطقة في سياق دولي، زار الرئيس الأميركي جو بايدن منطقة الشرق يوم 16 يوليو الماضي أملاً في بناء جبهة متراصة ضد إيران، وفي وجه روسيا، وليبحث قضايا الطاقة والعقوبات، ضمن زيارة استهلها بإسرائيل والضفة الغربية ثم إلى السعودية.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد توجه إلى إيران لحضور قمة ثلاثية تجمعه بنظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان ضمن إطار «عملية أستانا للسلام» الرامية لإنهاء النزاع السوري. والبحث في ملفات مفتوحة مثل العملية الروسية في أوكرانيا ومشكلات الطاقة والغذاء ومساعي إحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني لتعود من جديد سياسية المحاور والتحالفات لتؤسس إطاراً لفهم وتحليل السياسيات في الشرق الأوسط.
خلال ما يقارب العقد بعد اندلاع ثورات ما عُرف «الربيع العربي» تحول الشرق الأوسط إلى ساحه اضطراب وصراع في دول اجتاحتها الاضطرابات الشعبية والاقتتال الداخلي ومحاور واستقطابات حكومات وشعوب، فظهرت محاور الاستقطاب جلية وبدا اصطفاف الدول في منظومة مع أو ضد واضحاً للعيان، وبدت مواقف الدول جلية ولا تحتمل التأويل، فانهارت أنظمة عربية، وسقطت دول في حروب أهلية، وشهدت عمليات التحول السياسي عنفاً غير مسبوق. وطوال السنوات العشرة الماضية، أثقل صراع المحاور والقوى في المشرق كاهل الدول والشعوب. وظهرت مجموعة من التحالفات والاصطفافات الجديدة في الشرق الأوسط، انقطعت العلاقات المصرية-التركية بصورة كلية، واستقبلت تركيا المعارضة المصرية وبدا جلياً الدعم التركي للإخوان، إيران اتسع نطاق نفوذها ليشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأخذ يهدد الاستقرار في البحرين.
لكن مسار المصالحات الثنائية والجماعية انطلق بين الفرقاء استجابة لمتغيرات إقليمية ودولية ولأسباب ثنائية كانت محصلتها حركة تصالح وتهدئة وزياراتٍ دبلوماسية واتفاقات ثنائية وقمماً ثلاثية ورباعية تقود المنطقة لبداية مرحلة جديدة من التهدئة والاستقرار بعد عقد من الصراع والحروب، خاصة وأن زخم التهدئة شمل الفعالين الرئيسيين في المنطقة كدولة الإمارات والسعودية مصر وإيران وتركيا وإسرائيل، فما هي مآلات المصالحات والتحالفات المحتملة، وتأثيراتها على المنطقة في الفترة القادمة؟ اليوم أصبحت فيه فكرة تراجع الدور الأميركي في المنطقة حقيقة قائمة في الوقت الذي ستخلق فيه فرص ذهبية لقوى منافسة للولايات المتحدة، ستقفز بخطوات أوسع للمنطقة.
وبالنسبة للدول الخليجية ظهر جلياً بأن واشنطن لن تتراجع عن استراتيجيتها الرامية إلى الانسحاب من المنطقة، مما يعنى أن على هذه الدول التأسيس على البدائل وخلق الفرص السياسية ببناء الشراكات وتأسيس التحالفات الإقليمية والدولية لتحقيق الأمن الاستراتيجي للمنطقة وتحقيق مصالحها. ولكن لا يزال من الصعب رؤية بناء منظومة دبلوماسية وأمنية قادرة على إرساء استقرار متين في المنطقة، فخفض التصعيد ليس انفراجاً، ولا تزال محركات الصراع والمنافسة حاضرة وقوية.
نقلا عن الاتحاد