الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا – الحائط العربي
الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا

الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا



تجرى فى الشرق الأوسط، مياه كثيرة، إما أن تقوده إلى المزيد من التمزق وإما إلى التقارب والتكامل، وتلك هى خلاصة تداعيات زلزال أوكرانيا، الذى وقع بفعل التدخل الروسى فيها يوم 24 فبراير 2022م.

فالإقليم إجمالا.. يكاد يبتعد عن أمريكا وأوروبا، ويقترب من روسيا والصين. ويبدو أن الإقليم يتصرف إجمالا على خلفية المصالح أولاً، والانتماء للشرق ثانيًا. فالشرق الأوسط كله هو الأقرب للشرق الأقصى على وجه الخصوص وهو جزء أصيل فى حضارته العميقة الضاربة فى التاريخ. فقد رأينا دولاً خليجية تنتمى إلى الإقليم العربي، ترفض الرد التليفونى على مكالمة للرئيس الأمريكى (جو بايدن)!، ورأينا أيضًا زيارة لرئيس وزراء بريطانيا لدولتين خليجيتين أيضًا، يحثهما على زيادة حصة إنتاج النفط لتعويض أوروبا وأمريكا عن النفط الروسي، الذى فرض عقوبات على روسيا بالمقاطعة! إلا أنهما ترفضان الاستجابة. فى ذات الوقت وافقت دولة خليجية أخرى على التعهد بزيادة إنتاج الغاز.

كما رأينا إعلانًا خليجيًا غير رسمى أنه سيتم بيع النفط والغاز العربى بالعملة الصينية والروسية!! إلا أنه قد صدر تحفظ غربى على ذلك، لأن ذلك يصب فى ضرب الدولار الأمريكى والجنيه الاسترلينى الإنجليزى، واليورو الأوروبي، الأمر الذى أدى إلى تكذيب هذا التصريح، والذى اعتبر أنه غير رسمى.

فى ذات الوقت تتسارع وتيرة المحادثات والمفاوضات بين دول خليجية مع إيران، فى ظل الاستعداد لمرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووى الذى تم الانتهاء منه، ولا يتبقى سوى التوقيع، فضلاً عن ضرورة احتواء أزمات الإقليم عبر إيران، بطبيعة الحال.

كما أنه من المفاجآت فى المشهد زيارة الرئيس السورى بشار الأسد، للإمارات والالتقاء بكبار الشخصيات فى الدولة، وخاصة ولى العهد محمد بن زايد، وأحدثت دويًا هائلاً، لاتزال آثاره وتداعياته مستمرة حتى الآن. إلا أن الغريب فى الأمر أن يصدر تصريح رسمى للإدارة الأمريكية يتضمن، أن هذه الزيارة تمت دون علمها، وأنها فوجئت بها!.

فبغض النظر عن الزيارة وأهدافها وتداعياتها، إلا أن مثل هذه الزيارة التى تتم خارج الإرادة الإقليمية أو بتنسيق مسبق، يكشف عن حالة التغير ويؤكد استقلالية قرار دول المنطقة فى اتخاذ ما يتلاءم مع مصالحها الوطنية بعيدا عن حسابات القوى الكبرى. إضافة إلى ذلك، تلاحظ إقبال خليجيً للإسهام فى حل المسألة اللبنانية، وعودة الخليج إلى لبنان مرة أخرى، فى سياق التهدئة والاستعجال بالاستقرار فى لبنان والإقليم.

ولاشك أن التفاعلات الإقليمية تتسارع، والمواقف الظاهرية تشير إلى حالة ابتعاد عن القطب الأمريكي، وأن هناك توجها، إقليميا، نحو روسيا والصين والشرق عمومًا، وذلك على خلفية زلزال أوكرانيا. فهل ستسكت أمريكا على ذلك، وتبلع ما يجرى ولو مؤقتًا، أم أن هناك ردود فعل أمريكية، قد تحرك زلزالاً إقليميًا غير معروف توجهاته حتى الآن؟

وهل سيتحمل الإقليم زلزالا قادمًا، فقدرات الإقليم وإمكانياته ضخمة، فهل ستتوافر إرادة ذاتية إقليمية لترجمة الحالة الوسطية التى يفرضها الظرف والموقع الجيواستراتيجي؟ تلك هى التساؤلات التى ستأتى الإجابات عنها من الأطراف الفاعلة بالإقليم، والتى قد تؤدى بالإقليم إلى المزيد من التكامل؟ أو تؤدى به إلى حالة من الاستقرار. الأيام القادمة سوف تفصح عن الكثير.

نقلا عن الأهرام