اهتمام بارز:
الشرق الأوسط في قانون تفويض الدفاع السنوي الأمريكي لعام ٢٠٢٣

اهتمام بارز:

الشرق الأوسط في قانون تفويض الدفاع السنوي الأمريكي لعام ٢٠٢٣



توصل مجلسا الكونجرس الأمريكي، النواب والشيوخ، في ٦ ديسمبر الجاري، إلى اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية ٢٠٢٣، والذي يخصص ميزانية تصل إلى ٨٥٧,٩ مليار دولار، وسيتم إرساله للرئيس الأمريكي جو بايدن، للتوقيع عليه ليصبح قانوناً. وقد تضمن مشروع القانون بعض البنود التي توضح كيفية تعامل الإدارة الأمريكية خلال العام القادم مع التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط.

قضايا رئيسية

ركزت بنود مشروع القانون عند مناقشتها لقضايا منطقة الشرق الأوسط على كيفية تعزيز الدور الأمريكي في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وشركاءها في المنطقة، وتقييم الإجراءات التي اتخذتها لمعالجة أوجه القصور في سياسات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتتمثل أبرز القضايا التي ركز عليها مشروع القانون فيما يلي:

1- تقييم الجهود الأمريكية في الصومال: في تراجع عن قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 5 ديسمبر ٢٠٢٠، بسحب ٧٠٠ جندي أمريكي من الصومال، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ١٦ مايو الماضي، على طلب لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لإعادة تأسيس وجود مستمر للقوات الأمريكية في الصومال، من أجل التصدي للتهديد الإرهابي المتزايد الذي تمثله حركة “شباب المجاهدين” الصومالية.

وستقدم القوات الأمريكية المشورة للصوماليين في قتالهم ضد حركة “شباب المجاهدين”، لكنها لن تشارك في العمليات القتالية البرية ضد الحركة، بل قد تشن عدداً صغيراً من الغارات الجوية ضدها، مع تقديم المساعدة للصوماليين وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال أثناء عمليات مكافحة الإرهاب وقتالهم ضد الحركة.

ومع تزايد العمليات الإرهابية التي تشنها الحركة، طالب مشروع القانون بتقييم مستقل لجهود وزارة الدفاع لتدريب القوات العسكرية الصومالية، وتقديم المشورة لها، ومساعدتها، وتجهيزها لمواجهة التنظيمات الإرهابية. وطالب وزارة الخارجية بتقديم تقرير سنوي للكونجرس عن المساعدة الأمريكية لأرض الصومال، فضلاً عن جدوى إقامة شراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصومال، بما في ذلك فرص التعاون بشأن قضايا الأمن الإقليمي.

2- مراقبة القدرات النووية الإيرانية ودعم الإرهاب: أشار مشروع القانون إلى السياسات التي تنفذها إيران مباشرة أو من خلال وكلائها المسلحين في المنطقة، لتقويض أمنها واستقرارها، وإلى مساعيها لامتلاك قدرات نووية وصاروخية متقدمة، وهو ما يمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي الأمريكي ولإسرائيل والحلفاء في المنطقة.

ولذلك تضمن مشروع القانون التزاماً بعدم حصول إيران على قدرات تمكنها من امتلاك أسلحة نووية، والحماية من الهجمات الإيرانية بواسطة الصواريخ والطائرات من دون طيار، ومكافحة الإرهاب الإقليمي والعالمي لإيران. وتضمن المشروع أيضاً إنشاء فرقة عمل تقودها وزارة الخارجية الأمريكية لرصد وتقديم تقارير منتظمة إلى الكونجرس فيما يتعلق بالأسلحة النووية والقدرات الصاروخية الإيرانية.

3- التعاون الدفاعي لمواجهة التحديات الإيرانية: مع تكثيف إيران جهودها لتطوير وإنتاج طائرات من دون طيار محلية، والتي تستخدمها ووكلاؤها في المنطقة ضد أهداف مدنية لتهديد أمن واستقرار حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك ضد القواعد العسكرية الأمريكية والجنود الأمريكيين في العراق وسوريا، طلب مشروع القانون من وزير الدفاع الأمريكي، بالتشاور مع وزير الخارجية الأمريكي ومدير الاستخبارات الوطنية، تقديم استراتيجية لزيادة التعاون مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط بشأن إمكانية تحسين مستوى التعاون الدفاعي الجوي والصاروخي المتكامل لمواجهة التهديدات التي تفرضها طهران والمليشيات العسكرية المرتبطة بها.

4- إزالة شرط بيع أسلحة أمريكية لتركيا: ألغى مشروع قانون تفويض الدفاع السنوي الشروط التقييدية التي وضعها بعض المشرعين على شراء تركيا للمقاتلة الأمريكية من طراز “إف ١٦” كبديل عن مقاتلات “إف ٣٥” التي تمتنع الولايات المتحدة الأمريكية عن تزويد أنقرة بها في أعقاب إتمامها صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي “إس ٤٠٠”، وخضوعها لعقوبات بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا).

ومن شأن ذلك إتمام صفقة سابقة تقدمت بها تركيا في أكتوبر ٢٠٢١ لتحديث قوتها الجوية بشراء ٤٠ مقاتلة “إف ١٦” و٨٠ من معدات التحديث للطائرات العاملة في الجيش التركي من الطراز ذاته، مقابل مبلغ ١,٤ مليار دولار دفعته كمقدم للحصول على ١٠٠ مقاتلة من طراز “إف ٣٥”، وهي الصفقة التي كانت ستتراجع عنها أنقرة إذا كانت ستخضع لشروط أمريكية. ولكن صفقة مبيعات الأسلحة قد تواجه معضلة داخل الكونجرس في حال استمرار التوتر بين تركيا واليونان، وتخوف المشرعين من استخدامها في التحليق غير القانوني ضد الأراضي اليونانية، والسياسات التركية التي يعتبرونها انتهاكاً لاستقرار المنطقة.

5- تقديم المساعدات للدول العربية لمواجهة الإرهاب: في إطار الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط القائمة على عدم انخراط القوات الأمريكية مباشرة في العمليات العسكرية البرية لاستهداف البؤر الإرهابية، ودعم القوات المسلحة للدول العربية وتقديم الاستشارات لها لتكون قادرة على القيام بواجباتها لاستهداف التنظيمات الإرهابية التي تنشط على أراضيها، تضمن مشروع القانون التأكيد على مواصلة الولايات المتحدة الأمريكية الدعم العسكري لشركائها في العراق وسوريا لمحاربة تنظيم “داعش”، وتوسيع نطاق السلطة والتمويل لمكتب التعاون الأمني في العراق، وتمديد سلطة وزارة الدفاع للتعاون مع إسرائيل في تطوير تكنولوجيا استهداف الطائرات من دون طيار، وزيادة تمويلها المصرح به، مع تقييم وزارة الدفاع قدرات مكافحة الطائرات من دون طيار والدفاع الجوي لشركاء الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وتقديم توصيات بالخطوات اللازمة لزيادة تلك القدرات.

6- حظر نقل معتقلي جوانتانامو إلى دول عربية: أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن لأول مرة عزمه إغلاق معتقل جوانتانامو في 13 فبراير ٢٠٢١ بحلول نهاية فترته الرئاسية الأولى. وفي إطار جهودها لإغلاق المعتقل عينت الإدارة لأول مرة دبلوماسياً كبيراً للإشراف على نقل المعتقلين من جوانتانامو، حيث لا يزال هناك حوالي ٣٦ شخصاً به، وفقاً لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” في ١٧ سبتمبر الماضي، عقب إعادة المئات من المحتجزين إلى دولهم أو إعادة توطينهم في دولة ثالثة خلال إدارتي جورج دبليو بوش وباراك أوباما.

ويلقى هذا القرار معارضة من جانب عدد كبير من المشرعين بالكونجرس الأمريكي، ولذلك نص مشروع قانون تفويض الدفاع السنوي على حظر استخدام أموال وزارة الدفاع لنقل معتقلي جوانتانامو إلى ليبيا والصومال وسوريا واليمن، وقد أضاف أفغانستان إلى قائمة تلك البلدان المحظورة.

سياسة مستقرة

يمثل طرح هذا المشروع مؤشراً جديداً على أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت متمسكة بالمقاربة التي سبق أن تبنتها في التعامل مع الأزمات الإقليمية المختلفة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي تقوم في الأساس على تقليل الانخراط المباشر فيها، مقابل تقديم الدعم للشركاء، مع تقييم تلك الجهود، ومعالجة أوجه القصور بها، والتركيز على التحديات غير التقليدية على غرار التحدي النووي والصاروخي الإيراني.