الشرق الأوسط على فوهة بركان – الحائط العربي
الشرق الأوسط على فوهة بركان

الشرق الأوسط على فوهة بركان



استعير عنوان هذا المقال من أول كتاب للأستاذ محمد حسنين هيكل الصادر عام 1951 بعنوان ” إيران فوق بركان”. جاء الكِتاب فى سياق قيام رئيس الوزراء محمد مصدق بتأميم شركة النفط البريطانية، والذى أدى إلى مواجهة بين الحكومة والشاه، انتهت بمُغادرة الشاه للبلاد ثُم بمؤامرة دبرتها المُخابرات الأمريكية أطاحت بمصدق وأعادت الشاه.

يشير تعبير “البركان” إلى التفاعلات التى تحدث فى باطن الأرض، وما يترتب عليها من حمم ورماد وغازات وأبخرة تندفع للخروج من خلال تشققات أو فوهات، فتلقى بحممها الملتهبة على ما يحيط بها. وعندما ننقل هذا المعنى لفهم التطورات السياسية من حولنا، فإنه يُشير إلى أن التقلصات والتوترات المتراكمة على مدى فترة ممتدة من الزمان فى الشرق الأوسط، أفصحت عن نفسها فى شكل انفجارات تثير القلق، وتحدث مناخا من عدم الاستقرار والخوف من امتداد الصراعات جغرافيا، أو تصعيدها نوعيا.

تتنوع صراعات المنطقة وتترابط. يقع فى قلبها الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، والذى يثير مشاعر عميقة لا تقتصر على العرب والمسلمين، وإنما امتدت إلى أغلب شعوب العالم التى قامت بمظاهرات احتجاجًا على العدوان الإسرائيلى على غزة، ودفاعًا عن الحقوق الفلسطينية. وكان من تداعيات هذا الصِراع، اشتعال جبهات أخرى شملت: حزب الله ومنطقة الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وإطلاق صواريخ وقذائف من سوريا والعراق ضد إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية فى البلدين، وهجمات جماعة أنصار الله المعروفة باسم الحوثيين على السفن فى البحر الأحمر. وفى المقابل، فإن إسرائيل لم تقف ساكنة فقامت بتوسيع ساحات الحرب، أطلقت الصواريخ والطائرات المسيرة ضد خصومها فى لبنان وسوريا، ونفذت عددا من الاغتيالات السياسية لقادة حزب الله والحرس الثورى الإيراني. واتبعت أمريكا نفس المسلك، فهاجمت مقرات عسكرية تابعة للحشد الشعبى فى بغداد، وقامت- مع بريطانيا- بعدد من العمليات العسكرية ضد الحوثيين فى اليمن، وأعلنت إنشاء تحالف دولى لهذا الغرض، وأعادت اعتبار “الحوثي” منظمة إرهابية عالمية.

فى هذه الظروف، استخدمت إيران وتركيا القوة المسلحة لتحقيق أهدافهما. تدخلت إيران بشكل غير مباشر من خلال الأحزاب والتنظيمات الموالية لها فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتدخلت بشكل مُباشر فأرسلت فى أول يناير المُدمرة الحربية “البرز” إلى منطقة باب المندب، ووجهت ضربة بالصواريخ الباليستية لأربيل بكردستان العراق، وأُخرى ضد منطقة تليتا بمحافظة إدلب السورية، بدعوى معاقبة عناصر من تنظيم داعش والحزب الإسلامى التركستانى المتهمين بتدبير انفجارى كرمان فى 3 يناير 2024 جنوب طهران. ووجهت ضربة أخرى فى العمق الباكستانى ضد أنصار حزب بلوشستان الانفصالي، والذى ردت عليه باكستان فورا بضربة ضد أنصار هذا الحزب فى داخل إيران.

استخدمت تركيا أيضا الأداة العسكرية فى العراق وسوريا. نفذ الجيش التركى هجمات جوية على مناطق مختلفة من إقليم كردستان العراق بدعوى أنها معاقل لقوات حزب العمال الكردستانى الذى تصنفه تركيا بأنه منظمة إرهابية وتتهمه بمسئولية تنفيذ التفجيرات التى تحدث فى تركيا. وقامت كذلك بتوجيه ضربة ضد مناطق الأكراد فى شمال غرب سوريا، وتوعد الرئيس أردوغان بتدمير قوات “قسد” الكردية فى المنطقة الممتدة من تل رفعت إلى عين العرب ومن الحسكة إلى منبج، منتقدا أمريكا وروسيا على عدم الوفاء بالالتزامات التى تعهدتا بها بشأن تأمين الحدود التركية السورية. وهناك استخدامات أخرى للقوة المسلحة لا تركز عليها أجهزة الأعلام بنفس القدر، كتلك الحادثة على الحدود بين الأردن وسوريا، فقام الجيش الأردنى بأكثر من غارة جوية لضرب مزارع وأوكار تجارة المخدرات فى قرى ملح وعرمان بجنوب السويداء فى سوريا، وفى إحدى المرات تمت مداهمة برية لهذه الأوكار والقبض على عدد من العاملين فى زراعة وتصنيع وبيع المخدرات. جاء التدخل العسكرى الأردنى بعد استنفاذ الطُرق الدبلوماسية مع دِمشق لمنع هذه التجارة.

وهناك حروب داخلية أو أهلية مستمرة من عقد من الزمان أو ما يزيد، كما هو الحال فى سوريا واليمن وليبيا، والقتال الدائر فى السودان منذ 15 أبريل 2023 بين قوات الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وعدم قدرة الأطراف العربية والدولية على الوصول إلى تسوية سلمية لها. أضف إلى ذلك، وجود توترات سياسية فى داخل الدولة كحالة لُبنان وبين دولتين كالخلاف الجزائرى المغربي، أو بين عدة دول كالتوتر بشأن اللاجئين السوريين. ففى تركيا، تزداد المطالبات الحزبية بضرورة اتخاذ الإجراءات لإعادتهم إلى بلدهم. وفى لبنان، دعا بعض نواب البرلمان المواطنين إلى استخدام موقع “بلغ” ومناشدتهم الإبلاغ عن أى لاجئين دخلوا لبنان بطريقة غير شرعية. وطالب وزير خارجية قبرص الاتحاد الأوروبى بإعادة تقييم الأوضاع الأمنية فى سوريا بهدف تحديد مناطق فيها كمناطق آمنة تمهيدا لإعادة اللاجئين، مشيرا إلى أن قبرص تواجه أكبر مشكلة هجرة فى الاتحاد الأوروبي. وكأن كل ما تقدم لا يكفي، فنشأ صراع جديد بعد إعلان الحكومة الإثيوبية فى أول يناير 2024 اتفاقا مع رئيس إقليم أرض الصومال الانفصالى لتأجير منطقة بالقُرب من ميناء بربرة تبلُغ مساحتها عشرين كيلومترا مُربعا لمدة خمسين سنة لإقامة ميناء إثيوبى على البحر الأحمر. وهو اتفاق ينتهك ميثاق الاتحاد الإفريقى الذى يحترم حدود الدول الإفريقية ويمنع الاعتراض أو التعامل مع الكيانات الانفصالية، مثّل هذا الاتفاق تهديدا أمنيا للصومال. أوجد هذا الاتفاق بؤرة للتوتر فى منطقة القرن الإفريقي، ومثل تهديدًا مُباشرًا لأمن الصومال القومى ووحدة أراضيه، فدفع رئيسه لزيارة مصر وطلب دعمها العسكرى والأمنى

فماذا تقول لنا هذه الأحداث؟ وإلى ماذا تشير من المنظورين الإقليمى والدولي؟ هذا ما سوف نناقشه فى مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله.