يمر الشرق الأوسط حالياً بمرحلة إعادة تشكيل لأسباب متعددة، ويشهد العديد من المؤشرات المقلقة، وفي نفس الوقت الكثير من الدلالات الإيجابية. تناقضات فرقت المراقبين وحيرتهم بين التشاؤم المبالغ فيه والتفاؤل المفرط في سياق من الاضطرابات والتغيرات الدولية المؤسسية دفعتني لوصفها بأنها “عاصفة مكتملة”.
ومن أهم سمات الشرق الأوسط الآن وما يؤكد أنها في مرحلة تحول وتغيير أن أكثر من 65 في المئة من مواطنيها من الشباب، الذين لا يتجاوز عمرهم الـ30 عاماً، ومهما كانت صلابة وعمق جذورهم الوطنية والإقليمية فتجاربهم وشخصياتهم تم تشكيلها وارتبطت بأحداث العقود الثلاثة الماضية، التي لم تكن في مصلحة العالم العربي عامة أو الدول العربية الاستراتيجية التقليدية بشكل خاص، وهؤلاء الشباب الذين يشكلون الغالبية ترعرعوا في ظل نظام دولي مضطرب وغير مستقر بين هيمنة القطبين أو القطب الأوحد أو التعددية الدولية.
لم يشهد هؤلاء عملية سلام عربية – إسرائيلية جادة، وتابعوا تعدد الانفلاتات والنزاعات في ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن وانتشار الإرهاب والتطرف، وتحول النزاعات بين الدول إلى حروب أهلية وتصدع مجتمعي وطائفي. فضلاً عن إحباط عام من فشل جهود الإصلاح العربي وتنامي الضغوط الاقتصادية لاعتبارات بعضها خارجي وأغلبها إقليمية ومحلية.
أي أن غالبية شعوب المنطقة شكلت شخصيتها خلال مرحلة دولية وإقليمية مضطربة وبائسة، بل عاصرت تطورات عالمية علمية وتكنولوجية تاريخية هائلة، وضعت قدرات وإمكانيات فريدة أمامهم، بما في ذلك قدرات حسابية واتصالات في متناول أيديهم عبر أجهزة المحمول تفوق القدرات الحسابية للصواريخ الأولى التي أطلقت إلى القمر، وهو ما خلق لديهم شعوراً بالثقة في النفس، متطلعين إلى الإسهام في اتخاذ القرارات وتحديد الطريق، واهتماماً بالإنجاز السريع، ومن هنا تجاوزت طموحات الكثير منهم نظائرها التقليدية لشعوب المنطقة.
هذا التباين من أسباب الحيرة السائدة في المنطقة بين المتشائمين القلقين من الاضطرابات الإقليمية، المتخفين من أنهم لن يستطيعوا مواكبة قطار التطور نحو مستقبل أفضل، وبين الأكثر ثقة في أنهم يستطيعون تحريك الدفة وفتح الطريق إلى الأمام ويستعجلون التحرك والإنجاز السريع.
وأنظر بإيجابية للتركيبة الديموغرافية الشبابية العربية والمصرية، وكذلك إلى انخفاض متوسط سن القادة السياسيين في الشرق الأوسط كثيراً خلال العقدين الماضيين، وإن كان يعيب على المنطقة غياب القادة السياسيين من النساء، وينطبق الشيء نفسه بالنسبة للقطاع الاقتصادي الذي ظهرت فيه قيادات شابة عديدة شهد نسبة متنامية بل ضعيفة من النساء.
وإيجاباً شهدنا خلال الأشهر الأخيرة تقدماً وتطورات إقليمية عدة، أغلبها على أثر جهود إقليمية ذاتية في الأساس منها وقف إطلاق النار في اليمن، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والاتفاق السعودي الإيراني، وبوادر الإيجابية في العلاقات المصرية التركية ومع إيران، وتطورات إيجابية في العراق، وقمم عربية متميزة مع الصين وأميركا وغير ذلك، وأحاديث متكررة عن تطورات اقتصادية واجتماعية متميزة في عدد من الدول العربية خصوصاً السعودية، واستضافة مصر والإمارات للقمم المناخية المتتالية 27 و28، واشتراك السعودية والإمارات في برامج فضائية. كلها أسباب ومصادر التفاؤل في الشرق الأوسط والعالم العربي.
نقلا عن اندبندنت عربية