عجز هيكليّ:
أسباب تخوف الأفارقة من شبكات إيران الاقتصادية

عجز هيكليّ:

أسباب تخوف الأفارقة من شبكات إيران الاقتصادية



مع تسلّم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي “الحكم” من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، في 3 أغسطس (2021)، عبر عن ملامح استراتيجية جديدة للحكم والتي تنطلق من وجهة نظر مفادها أن إيران عليها الاستمرار في مقاومة الدول الغربية والعقوبات المفروضة عليها بدلًا من التفاوض من أجل رفع العقوبات. عبر تنوع المصالح مع دول الجنوب وتعزيز العلاقات مع الدول غير الغربية على غرار دول القارة الإفريقية؛ حيث صرَّح “رئيسي” مؤخرًا قائلًا “في الإدارة الجديدة، سيتم تفعيل جميع قدرات إيران لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية بصورة جدية”. وهو الأمر الذي يثير التساؤلات حول الأدوات التي قد تستخدمها إيران لدعم علاقتها مع دول القارة الإفريقية، ومعوقات تحقيق الأهداف الإيرانية داخل القارة الإفريقية.

الأدوات المتعددة

وفي هذا السياق، سعت إيران لبناء شبكة اقتصادية تحقق لها أجندتها داخل القارة الإفريقية، وتحفظ لها مصالحها في مناطق متفرقة من بينها خليج عدن واليمن. ويمكن بلورة أهم ملامح الشبكات الاقتصادية الإيرانية داخل إفريقيا من خلال ما يلي:

1- شبكة الأعمال الإيرانية AYAN: تعتمد إيران على أعضاء تلك الشبكة المكونة من ثلاثة أجهزة تتمثل في: فيلق القدس، وحزب الله اللبناني، ووزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية. وتوظف تلك الأجهزة المنظمات الحكومية وغير الحكومية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية داخل القارة الإفريقية الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تُقدر ثرواتها الطبيعية بأكثر من 13,5 تريليون دولار.

وتعمل تلك الشبكة على نشر الفكر الشيعي كما حدث سابقًا بسوريا والعراق واليمن ولبنان. وبيع الأسلحة الإيرانية للميليشيات الجهادية داخل عدد من الدول الإفريقية بما فيها تشاد والسودان والنيجر ونيجيريا، مما يهدد استقرار الدول الإفريقية، ويُمكِّن إيران من استهداف منشآت أمريكية وإسرائيلية داخل القارة.

2- زيادة حجم التبادلات الاقتصادية: وقّعت إيران عقود تبادل تجارية مع الدول الإفريقية وذلك لتبادل الخبرات في بعض الصناعات. فمثلًا تستورد إيران الشاي من كينيا، في حين تستورد كينيا المنتجات الجلدية والمنسوجات ومواد البناء والنفط منها.

وعلى الرغم من أن حجم التبادلات التجارية بين إيران وإفريقيا لا يزال ضئيلًا، لكنه مكّنها من لعب دور سياسي أكبر، حيث افتتحت إيران نحو 30 سفارة داخل القارة، أغلبية سفرائها من الحرس الثوري، وبهذا تتمكن إيران من زرع المذهب الشيعي داخل القارة الإفريقية.

3- توظيف الجمعيات الخيرية الإيرانية: تعتبر إحدى أذرع النظام الإيراني الاقتصادي داخل القارة الإفريقية، حيث تستغل إيران العمليات الخيرية التي تقوم بها تلك الجمعيات لمساعدة المناطق الضعيفة والفقيرة لتقوم لاحقًا بنشر المذهب الشيعي الإيراني، الذي يفتح لها الطريق إزاء السيطرة على سياسة الدولة.

وتُعتبر “شبكة الآغا خان للتنمية” التي تتواجد بدول إفريقيا جنوب الصحراء، وتبلغ ميزانيتها نحو 500 مليون دولار، من أشكال تلك الجمعيات التي تهدف في ظاهرها لتحسين الظروف الاقتصادية التنموية للسكان الأفارقة، ولكنها في باطن الأمر تحقق مصالح إيران. وداخل نيجيريا ذات الحظ الأوفر من النفط والموارد الطبيعية، تلجأ الأسر الفقيرة لإرسال أبنائها إلى المدارس المدعومة من قبل الجمعيات الخيرية الإيرانية، والتي يتلقى من خلالها الأطفال العقيدة الشيعية واللغة الفارسية. وبذلك يحدث تغلغل إيراني عبر الجمعيات الخيرية الموجودة بالقارة الإفريقية.

4- تفعيل دور الجالية اللبنانية: وفقًا لبعض التقارير الإعلامية، وصل عدد الشيعة داخل دول غرب إفريقيا في عام 2010 إلى أكثر من سبعة ملايين شيعي، من بينهم اللبنانيين الذين يعملون داخل نيجيريا في تجارة الجلود والمنسوجات والبلاستيك. ويتم استغلال هؤلاء اللبنانيين، الذين يكونون على صلة بحزب الله اللبناني، لفتح أسواق تجارية إيرانية داخل نيجيريا وغيرها من الدول الإفريقية التي ينتشرون بها بشكل عام. إلا أن بعض الدول الإفريقية مثل غامبيا، اكتشفت قيام رجال الأعمال اللبنانيين بتشغيل شبكة أعمال إفريقية تساهم في الإضرار بالاقتصاد الوطني داخل الدول الإفريقية، كما في سيراليون وأنغولا والكونغو الديمقراطية لصالح طهران، لذلك قامت غامبيا بغلق الشركات المملوكة لهم.

5- دعم الحكومات الضعيفة اقتصاديًا: وتقدم إيران الرشاوى للمسؤولين الحكوميين. كما أنها تحرص على تقوية العلاقات المالية المصرفية بينها وبين الدول الإفريقية المختلفة لتسهيل عمليات التبادل التجاري لاحقًا، وللتهرب من العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الحكومة الأمريكية على طهران. وكذا لضمان امتلاك داعمين لطهران بالأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.

6- إنشاء المشروعات التنموية: تُساعد إيران على إنشاء المشروعات التنموية الاقتصادية داخل القارة الإفريقية، مما يمكّنها لاحقًا من بناء علاقات وطيدة مع قادة الدول الإفريقية. ففي أكتوبر 2017، أكد الرئيس الإيراني “حسن روحاني” سعيَ إيران لعمل مشروعات تنموية داخل تنزانيا وغيرها من الدول الإفريقية التي تمثل مدخلًا هامًا للقارة الإفريقية، وسوقًا ممتازة للمنتجات الإيرانية.

7- تعزيز دور شبكة تاجكو: تُعرف بـ”الشبكة المالية الإيرانية” في إفريقيا، وتضخ ملايين الدولارات سنويًا لدعم التنظيمات الإرهابية في إفريقيا وخارجها. وقد نجحت تلك الشبكة -وفقًا لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية- في تأسيس شركات تعمل بمختلف المجالات الاستثمارية داخل إفريقيا. فمثلًا في الكونغو الديمقراطية أنشأت شركة “الكونغو فوتور” لبيع المنتجات الغذائية ظاهريًا، ولكنها في واقع الحال عمدت لبيع وتهريب “ماس الحروب” الذي يتم استخراجه من أماكن النزاعات. وفي أنغولا قررت الحكومة تجميد أنشطة شركة “قولفريت” المملوكة لشركة “أولفيس التجارية” التي تقع تحت مظلة شبكة تاجكو بعدما رأت أنها أضرّت بالاقتصاد الوطني.

معضلة التأثير

بالرغم من هذا الانتشار الإيراني، فإنه من الممكن القول إن التأثير الإيراني داخل القارة الإفريقية لا يزال محدودًا نسبيًا، حيث تتعارض توجهات وزارة الخارجية الإيرانية مع قوات الحرس الثوري الإيراني. ففي حين أرادت الأولى أن تظهر بمظهر الدولة المحافظة التي تعتمد على العلاقات المباشرة الرسمية، ولا تتدخل في شئون الدول الداخلية، وتبني علاقات اقتصادية وثقافية مستدامة تحقق المصالح الاستراتيجية الإيرانية؛ فإنّ قوات الحرس الثوري تحرص على بناء روابط وعلاقات مع الفصائل المتنازعة غير الرسمية داخل الدول الإفريقية، بصورة قد تزيد اضطراب الدول الإفريقية، ولذلك يظهر “عجز هيكلي” بالسياسة الإيرانية يحول دون تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية بشكل كلي، كما أنه يعوق عملية بناء شراكات مستقرة ومستدامة مع دول القارة الإفريقية.

ولكن بخلاف ذلك، لا تزال العلاقات الإيرانية-الإفريقية على المستوى الاقتصادي تبعث القلق، خصوصًا أن إيران تنتهج نهجًا براجماتيًا يحقق لها مصالحها ولا تتحرك وفقًا لعقيدتها الدينية العقائدية فقط. وبالتالي فالشبكات الاقتصادية التي يتم تكوينها داخل القارة الإفريقية مع المليشيات الإرهابية قد يتم استخدامها مستقبلًا تجاه الدول ذات الأغلبية المسلمة نفسها. كما أنها قد تقوض المصالح العربية والغربية داخل القارة الإفريقية.


الكلمات المفتاحية: