اتّجاهات مختلفة:
الرسائل السياسية لعمليات التهريب عبر حدود الدول العربية

اتّجاهات مختلفة:

الرسائل السياسية لعمليات التهريب عبر حدود الدول العربية



تعد عمليات أو محاولات تهريب المخدرات والوقود والبشر عبر حدود الدول العربية، مرآة عاكسة لما تشهده تلك الدول في الثلث الأول لعام 2022، وخاصة الأبعاد السياسية منها، والتي تمثلت في إحكام الرقابة الجمركية على واردات وصادرات المملكة العربية السعودية، وتصدي الجيش اليمني لتجارة الحوثيين في المخدرات منعاً لتوظيفها في المجهود الحربي، واتّباع هيئة الجمارك العراقية إجراءات جديدة للحدّ من عمليات التهريب عبر إدخال المكون التكنولوجي، وكثافة اقتصاديات تجارة الكبتاجون على الحدود السورية- اللبنانية، وإحباط الأردن محاولات لترويج المخدرات من سوريا عبر الطائرات المسيرة وفي حماية المجموعات المسلحة، وانتقام تنظيم “داعش” من تحركات الجيش الليبي الداعمة لتثبيت الأمن والاستقرار بالجنوب، والتصدي للمليشيات المسلحة والجماعات الإجرامية التي تتخذ من التهريب مغذياً لمواردها المالية.

هناك عدة رسائل رئيسية يُمكن استخلاصها من عمليات التهريب التي تجري عبر حدود دول المنطقة، والجهود التي تبذلها المؤسسات الأمنية والعسكرية للحد منها، خلال الثلث الأول من عام 2022، وذلك على النحو التالي:

ضبط المنافذ

1- إحكام الرقابة الجمركية على واردات وصادرات المملكة العربية السعودية: كشفت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية، في 15 أبريل الجاري، عن ضبطها أكثر من 6 ملايين و400 ألف من الحبوب المخدرة، بالإضافة إلى ضبط أكثر من 35 ألف كلجم من المخدرات الأخرى كالهيروين والحشيش والكوكايين وغيرها خلال الربع الأول من العام الجاري. وأضافت الجمارك في بيان صادر عنها أن طرق وأساليب تهريب هذه الممنوعات تنوعت من استغلال الإرساليات الواردة عبر المنافذ، أو وسائط النقل عبر المنافذ البرية، وكذلك التهريب مع الأشخاص عبر الأحشاء، مشيرة إلى أن أبرز المنافذ الجمركية التي تم فيها إحباط المحاولات ترتكز على ميناء جدة الإسلامي، ومنفذ الحديثة، ومطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، ومطار الملك فهد بالدمام.

وفي موضع آخر، شددت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك على أنها “ماضية في إحكام الرقابة الجمركية على واردات وصادرات السعودية، وتقف بالمرصاد أمام محاولات أرباب التهريب”. ودعت الهيئة الجميع إلى “الإسهام في مكافحة التهريب لحماية المجتمع والاقتصاد الوطني، من خلال التواصل معها”، مؤكدة أنها “تقوم من خلال هذه القنوات باستقبال البلاغات المرتبطة بجرائم التهريب ومخالفات أحكام نظام الجمارك الموحد وذلك بسرية تامة، مع منح مكافأة مالية للمبلّغ في حال صحة معلومات البلاغ”. ولعل هذا البيان يعبر في مجمله عن تحركات متسارعة تقوم بها إدارات المنافذ السعودية المختلفة لمنع محاولات التهريب إليها.

الاقتصاد الحوثي

2- تصدي الجيش اليمني لتجارة الحوثيين في المخدرات: أعلنت قوات الجيش اليمني عبر المركز الإعلامي للمنطقة العسكرية الخامسة، في 4 مارس الفائت، أن قوات الجيش أتلفت 1158 كلجم من مادة الحشيش المخدرة و7700 قرص مخدر تم ضبطها، لدى مهربين مرتبطين بمليشيا الحوثي، حيث تقوم عصابات مرتبطة بالمليشيا بالاتّجار في الممنوعات كمصدر تمويل لمجهودها الحربي، مشيرةً إلى يقظة قوات المنطقة العسكرية الخامسة في ملاحقة وضبط مهربي الحشيش والمخدرات في المحافظة. وقد جاء ذلك بعد أربعة أشهر من إتلاف أكثر من ألف كلجم من مادة الحشيش وثمانية وأربعين ألف قرص مخدر في أكتوبر 2021، ليبلغ إجمالي الحشيش الذي تم إتلافه منذ ثلاثة أعوام أكثر من أربعة أطنان من المادة المخدرة.

أتمتة الجمارك

3- اتّباع هيئة الجمارك العراقية إجراءات جديدة للحدّ من عمليات التهريب: بدأت هيئة الجمارك العراقية العمل بـ”التصريحة الجمركية الإلكترونية”، بما يؤدي إلى الحد من عمليات التهريب التي تتمّ من قبل بعض الشخصيات النافذة داخل مؤسسات الدولة للتحايل من ناحية، ورفع واردات الدولة المالية من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار، قال مدير عام الهيئة شاكر الزبيدي لإحدى القنوات الفضائية العربية، في 11 أبريل الجاري، أن “الهيئة بدأت منذ الشهر الماضي بالعمل بالجمركة الإلكترونية، وهي آلية جديدة وحديثة يُمكنها أن تمنع عمليات التهريب والتلاعب بالوصولات، فضلاً عن تسريع العمل بين المنافذ الجمركية والمقر العام”. وأضاف أن “هذه الآلية ستحد من المتهربين من دفع التعريفة الجمركية، فضلاً عن تسهيل الإجراءات لأصحاب العلاقة، وإنهاء أيّ تأخر في إكمال معاملاتهم”.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يمنح اهتماماً لمكافحة الفساد وملاحقة المتورطين في عمليات التهريب منذ توليه المسئولية في عام 2020. ومع إعلان الحكومة العراقية، في أبريل الجاري، عن فتح الباب لاستيراد المواد الغذائية كافة لمدة ثلاثة أشهر، بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية؛ تصبح هناك هواجس بشأن استغلال بعض أصحاب المناصب العامة لنفوذهم، بحيث بدأت الهيئة العامة للجمارك في اتخاذ جملة من الإجراءات، التي تتمثل في تنشيط عمل التحريات في كافة المديريات ومكافحة التهريب بإجراءات دقيقة ومشددة، وفحص التصاريح الجمركية، فضلاً عن متابعة التصاريح المزورة. كما تزامن مع ذلك اتخاذ هيئة الجمارك إجراءات جديدة لتسهيل دخول البضائع الزراعية، بعد أن أصدرت تعليمات فورية إلى المراكز الجمركية كافة بتسهيل إجراءات دخول البضائع الزراعية لتأمين حاجة السوق المحلية، وتزويدها بما تحتاج لمنع الزيادة في أسعار تلك المنتجات تماشياً مع الظروف الراهنة.

مواجهة العقوبات

4- كثافة اقتصاديات تجارة الكبتاجون على الحدود السورية- اللبنانية: يُشير اتجاه رئيسي في أدبيات مراكز الأبحاث الغربية إلى أن لبنان يُعتبر بمثابة امتداد لتجارة الكبتاجون السوري، ونقطة عبور رئيسية لتدفقاته، وتستفيد شخصيات مرتبطة بالنظام السوري من مجموعات مسلّحة متنوعة تنشط على الأراضي السورية لتنظيم تجارة الكبتاجون، ومن بين هذه المجموعات حزب الله اللبناني، إذ تضطلع بعض المناطق، التي يحظى الحزب فيها بنفوذ وبينها قرى حدودية بين لبنان وسوريا، بدور أساسي في عمليات التهريب. ويلعب الحزب دوراً مهمّاً في تلك التجارة غير المشروعة، عبر عمليات التهريب. وقد عمل النظام السوري على التكيف مع العقوبات الدولية المفروضة عليه من خلال استخدام تجارة الكبتاجون كوسيلة للبقاء سياسياً.

حماية الدرونز

5- إحباط الأردن محاولات لترويج المخدرات من سوريا عبر طائرات مسيرة: أعلن الجيش الأردني، في 17 فبراير الماضي، أن محاولات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية-الأردنية التي أُحبط عدد كبير منها خلال الأشهر الأخيرة، بعد منع دخول أكثر من 16 مليون حبة كبتاجون، أي ما يساوي الكمية التي تم ضبطها طيلة عام 2021؛ باتت منظمة وتستعين بالطائرات المسيّرة، وتحظى بحماية مجموعات مسلحة، وربما تكون هناك صلات مع شخصيات تابعة للنظام السوري بتقديم تسهيلات وحماية لها، وهو ما عبّر عنه مدير الإعلام العسكري العقيد مصطفى الحياري خلال جولة لوسائل الإعلام على الحدود قائلاً إن “الأردن تخوض حرباً غير معلنة مع تجار المخدرات، ومن يقف خلفهم”.

الرد المضاد

6- انتقام تنظيم “داعش” من تحركات الجيش الليبي لتثبيت الأمن والاستقرار بالجنوب: تستغل جماعات الجريمة المنظمة بالتعاون مع العناصر الإرهابية الانقسام السياسي والفراغ الأمني في بعض مناطق ليبيا، وبشكل خاص في الخاصرة الجنوبية. ففي 18 أبريل الجاري، أعلن الجيش الليبي عن استهداف معسكر “أم الأرانب” التابع لقوة “طارق بن زياد” جنوب شرقي سبها، في الجنوب الليبي، بسيارة مفخخة تسببت في تدمير بوابة المعسكر ووقوع العديد من الإصابات. وقد أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عن الهجوم في اليوم التالي لوقوعه، الأمر الذي يمكن تفسيره باعتباره نوعاً من الرد الانتقامي على مقتل عناصر التنظيم على يد جنود الجيش الليبي الذين يسعون لاستهداف الأوكار الإرهابية وعصابات الهجرة غير الشرعية التي تتركز في الجنوب الليبي، وتعمل على استدامة الفوضى في تلك المنطقة بالتحالف مع المهربين على التخوم الليبية-التشادية.

وفي هذا السياق، تُشير العديد من الكتابات إلى أن القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية تمنح أهمية مركزية لتأمين الحدود الليبية مع دول جوارها، بل وتأمين دول جوارها مع الدول المجاورة، فيما يطلق عليه “جوار الجوار”، والتصدي للعصابات الإجرامية والمليشيات المسلحة عبر نصب بوابات وفرض رسوم عبور. ويتزامن ذلك مع محاولات تنظيم “داعش” للتعافي والعودة إلى مناطق نفوذه التقليدية في سوريا والعراق. ولم تكن العملية الإرهابية التي قام بها “داعش” في ليبيا هي الأولى أو الأخيرة؛ إذ أعلن التنظيم مسئوليته عن عمليتين في 18 و26 يناير الماضي، نتج عنهما مقتل وإصابة عناصر من الجيش، وتحديداً في معسكر “شهداء أم الأرانب”. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة بالجنوب الليبي تحولت إلى ممر لتهريب الأسلحة والمخدرات والأفراد إلى أوروبا.

حملة ممتدة

خلاصة القول، إن التهريب عبر الحدود والمنافذ في المنطقة العربية صار يبعث برسائل في اتجاهات متعددة، ومنها تزايد الطلب على تفعيل دور مؤسسات الدولة الوطنية، وخاصة الأمنية والعسكرية، للحد من التهديدات التي تمثلها جماعات الجريمة المنظمة والمليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وتستخدم طائرات مسيرة وتسندها مجموعات نظامية، مما يتطلب زيادة التعاون الأمني الحدودي بين الدول العربية، لأنّ تفكيك شبكات التهريب لا يمكن القضاء عليه بأسلوب الضربة القاضية وإنما الحملة طويلة المدى.