تأتي أول زيارة للرئيس الأمريكي جو بايدن منذ توليه السلطة في ٢٠ يناير من العام الماضي، إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من ١٣ إلى ١٦ يوليو الجاري، مدفوعة، إلى حد كبير، بالأزمات الداخلية التي تواجهها إدارته قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر لها في نوفمبر المقبل، والتي من شأن استمرارها تقويض فرص الحزب الديمقراطي في الحفاظ على أغلبيته الهشة بمجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ)، بالتوازي مع تصاعد حدة التأثيرات المتعددة لاستمرار الحرب الروسية-الأوكرانية منذ ٢٤ فبراير الماضي على الداخل الأمريكي.
أهداف عديدة
تهدف زيارة الرئيس بايدن إلى كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية، حيث سيعقد قمة بمدينة جدة تضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن والعراق، بعد ١٨ شهراً من تراجع اهتمام إدارته بالأزمات والصراعات التي تشهدها المنطقة، لتحقيق عددٍ من الأهداف الداخلية، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:
1- مواجهة ارتفاع أسعار الوقود: تسببت العقوبات الأمريكية والغربية التي فُرضت على روسيا في أعقاب عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية ووصولها إلى مستويات غير معهودة منذ عام ٢٠٠٨، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الداخل الأمريكي، حيث أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الوقود، إذ وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من ٥ دولارات للجالون في وقت بلغ فيه معدل التضخم حوالي ٨,٦٪، وهو أعلى مستوى له منذ أربعة عقود، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف المعيشة الآخذة في التزايد بشكل حاد.
ومن دون شك، فإن هذا الوضع الاقتصادي المتأزم يعزز من فرص فوز الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي سوف تُجرَى في نوفمبر المقبل. ولذلك، فإن قضية زيادة إمدادات الطاقة بمعدلات من شأنها تهدئة الأسعار في السوق العالمية، ومن ثم أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة قبل نوفمبر المقبل؛ تمثل أولوية على أجندة الرئيس الأمريكي خلال زيارته للمنطقة، ولقائه بالحلفاء والشركاء في جدة.
2- مخاطبة الرأى العام الأمريكي: في مسعى لتعزيز شعبيته المتراجعة بين الناخبين الأمريكيين الرافضين لسياسات الإدارة الأمريكية داخلياً وخارجياً بعد عملية الانسحاب الفوضوي من أفغانستان قبل حلول الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وتصاعد حدة الجدل الأمريكي ولا سيما داخل الحزب الديمقراطي حول أهمية الزيارة، وما إذا كانت ستتضمن تغييرات في مقاربة الإدارة تجاه المنطقة بما يعود بالنفع على المواطنين الأمريكيين والأمن والمصالح الأمريكية؛ كتب الرئيس الأمريكي مقال رأى بصحيفة “واشنطن بوست” في ٩ يوليو الجاري بعنوان “لماذا سأذهب إلى السعودية؟”، لتوضيح أسباب زيارته للمنطقة، والفوائد التي ستعود على الناخبين الأمريكيين، حيث شدد فيه على أن الأمريكيين سيستفيدون بطرق عدة من شرق أوسط أكثر أماناً واندماجاً نظراً لوجود الممرات المائية الضرورية لحركة التجارة، وموارد الطاقة الضرورية لتخفيف تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وذكر أن الزيارة ستدفع قدماً بمصالح أمريكية مهمة.
وربما لا ينفصل ذلك عن إعلان وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، في 12 يوليو الجاري، عن قتل زعيم تنظيم “داعش” في سوريا ماهر العكال، حيث استهدفته طائرة أمريكية من دون طيار. وأشارت مراجعة أوّلية إلى عدم وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وهنا، فإن توقيت الإقدام على تلك الخطوة، بالتزامن مع زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة، يوحي بأن واشنطن سعت عبرها إلى تحقيق أهداف عديدة، يتصل جانب منها باعتبارات داخلية، حيث إن قتل زعيم “داعش” في سوريا يضفي وجاهة وزخماً خاصاً على تأكيد الرئيس الأمريكي بأن إدارته تعمل على أن يكون الشرق الأوسط أكثر أماناً. كما أن عدم وقوع ضحايا مدنيين في العملية، حسب المراجعة الأوّلية، يوحي بأن الإدارة أيضاً كانت حريصة على تجنب الانتقادات الداخلية التي تعرضت لها في المرحلة الماضية، بسبب وقوع ضحايا مدنيين خلال عمليات تعقب وقتل قيادات في التنظيمات الإرهابية.
3- الرد على انتقادات التيار التقدمي: في ردٍ على انتقادات التيار التقدمي الصاعد داخل الحزب الديمقراطي الذي يعارض العديد من سياسات الإدارة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في ظل تراجع عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية على أجندة الإدارة الأمريكية، أشار الرئيس بايدن في مقاله السابق الإشارة إليه إلى دعم إدارته للقضية الفلسطينية، وحرصها على إحداث تحول في سياسات الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بالتأكيد على الالتزام الأمريكي بحل الدولتين، وكذلك تجاه الفلسطينيين، حيث تُشير تقارير عديدة إلى أن بايدن خلال زيارته للضفة الغربية سيعلن عن مساعدات بمقدار ١٠٠ مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية. ويتوازى ذلك مع التأكيد على اهتمامه بالقضية اليمنية عبر تعيينه مبعوثاً للسلام في اليمن هو الدبلوماسي تيم ليندركينج، وانخراطه مع قادة المنطقة لوضع أسس لهدنة في اليمن، لتصبح الأشهر الماضية في اليمن، حسب رؤيته، هى الأكثر هدوءاً في السنوات السبع الأخيرة.
4- دعم حكومة إسرائيلية موالية للديمقراطيين: تأتي زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل بعد انهيار حكومة نفتالي بينت التي كان بايدن يراهن عليها، حيث تجنب الضغط عليها بشأن المستوطنات والعلاقات مع روسيا التي تشن عمليات عسكرية ضد أوكرانيا، ليتولى يائير لابيد رئاسة الوزراء بشكل مؤقت، حتى إجراء انتخابات جديدة في نوفمبر المقبل. وقد تتضمن الزيارة دعماً للأخير الذي يقود حزباً وسطياً أكثر انحيازاً لبايدن، وهو ما يحتاجه لتعزيز نفوذه السياسي خوفاً من اختيار الناخبين الإسرائيليين عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو، الذي أبدى رغبته في العودة إلى السلطة مجدداً، لكونه قريباً من الحزب الجمهوري وتعاون معه لمعارضة سياسات إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط ولا سيما إزاء إيران، ولاصطدامه مع بايدن حول بعض القضايا في الفترة الماضية.
موازنة الخيارات
كشفت تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تحظى بأهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما يفرض على الإدارة الأمريكية الموازنة بين خياراتها الاستراتيجية بالتركيز على أوروبا، التي تشهد أسوأ نزاع مسلح منذ الحرب العالمية الثانية، والتوجه تجاه آسيا لمواجهة الصعود الصيني، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط على نحو يعود بالفائدة على المصالح القومية الأمريكية والشعب الأمريكي وفقاً لما ذكره الرئيس الأمريكي في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست”، وأكده مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، الذي قال خلال إفادة صحفية في البيت الأبيض في ١١ يوليو الجاري، إن واشنطن بحاجة إلى أن تظل منخرطة بشكل مكثف في الشرق الأوسط لأن المنطقة متشابكة بعمق مع بقية العالم. ومع ذلك، فإن الرئيس بايدن سوف يتجنب -في الغالب- خلال زيارته الأولى للمنطقة، تقديم التزامات محددة بشأن الخطوات التي يمكن أن تتخذها واشنطن إزاء الأزمات والصراعات القائمة على الأقل لسنوات قادمة.