معادلة جديدة:
الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة وتأثيراتها على الاستقرار الإقليمي

معادلة جديدة:

الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة وتأثيراتها على الاستقرار الإقليمي



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 10 أكتوبر 2023، حلقة نقاش بعنوان “الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وتأثيراتها على الاستقرار الإقليمي”، واستضاف المركز الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، والأستاذ سعيد عكاشة الخبير المشارك في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (كمتحدثين رئيسيين في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ علي عاطف، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين المهدي.

معادلة صفرية

يرى الدكتور سمير غطاس أن إسرائيل تعرضت لصدمة استخباراتية بعد هجوم حماس على المستوطنات في غلاف غزة، وتطرق إلى بعض الأبعاد الرئيسية للهجوم وما تبعه من عمليات قصف إسرائيلية، وأبرزها:

1- التقليل من تقدير قدرات حماس: السبب في الصدمة الاستخباراتية هو رعاية إسرائيل لحماس، إذ نشأت وفقاً لاستراتيجية إسرائيلية، ورعى هذا المشروع وطوره بنيامين نتنياهو، لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، والسماح بمرور أموال بملايين الدولارات عبر تل أبيب إلى الحركة.

فكان التقدير أن الأمر لا يخلو من اشتباكات محسوبة، وهو ما أعطىانطباعاً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن حماس كل مطالبها زيادة عدد العمال في إسرائيل، ومفاوضات لزيادة العدد إلى 20 ألفاً، ودعم ذلك اقتصار مطالبات حماس على أمور معيشية، مثل زيادة مساحة الصيد البحري، وتخفيف إجراءات الحصار.

2- إغفاء في نوبة الحراسة: بناء على الاستراتيجية الإسرائيلية والتقدير لقدرات حماس،حتى مع إجراء مناورات مع حركة الجهاد، قبل فترة من هجوم الحركة الأخير على المستوطنات، إذ كانت بإطلاق مجموعة من الصواريخ في البحر، ولكن تم اختيار توقيت الهجوم لإعادة ما حدث في 73، فلم تتمكن إسرائيل من مواجهة الهجوم.

وبخلاف ذلك، فإن إسرائيل واجهت فشلاً بعدم إصدار الجدار الفاصل بين المستوطنات وغزة إنذاراً لهذا الهجوم، رغم القدرات التكنولوجية، وهو ما يُعرف في الشؤون العسكرية بـ”إغفاء في نوبة الحراسة”.

3- صدمة أكبر من حرب 73: تعرّضت إسرائيل لصدمة أكبر من تلك التي حدثت في حرب أكتوبر 1973، وشعرت بإهانة غير مسبوقة، خاصة مع أسر الجنود الإسرائيليين، وما يضاعف من قيمة الإهانة، أن المشهد الحالي يُعتبر بالنسبة للأجيال الجديدة بمثابة “هولوكوست جديد”.

4- تغير جذري في المعادلة: الوضع الحالي مختلف عن ذي قبل، إذ تغيرت المعادلة تماماً، من خلال عمليات لحركة حماس، وترد إسرائيل بعمليات قصف، ثم الشروع في هدنة، ولكن يبدو أن الأمر بات معادلة صفرية بالنسبة لإسرائيل بعد هجوم الحركة الأخير، إما وجود إسرائيل أو حماس.

ومن واقع تغير المعادلة، قد تستعد إسرائيل لتنفيذ عملية برية واجتياح لقطاع غزة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن تركيز إسرائيل في الأيام الأولى عقب هجوم حماس، على تطهير مستوطنات غلاف غزة.

شرق أوسط جديد

يطرح غطاس تساؤلاً مركّزاً فيما يتعلق بتداعيات الحرب بين إسرائيل والحركات الفلسطينية، وهو: “ماذا سيحدث بعد أن تصمت المدافع؟”، ويشير إلى جملة من التحولات، كالتالي:

1- تشكيل شرق أوسط جديد: تسعى أمريكا إلى تشكيل شرق أوسط جديد، وهو ما ظهر من خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى السعودية، ولقاء ولي العهد السعودي، لأجل تشكيل علاقات جديدة في الشرق الأوسط، ولكن المشروع المطروح يختلف عن الطرح القديم للشرق الأوسط.

ومن أحد أسباب هذا التوجه الأمريكي، ما بدأ مع الرئيس السابق باراك أوباما، الذي ركّزت استراتيجيته على تحويل مركز الثقل الأمريكي إلى آسيا، بدلاً من الشرق الأوسط، والانسحاب التدريجي من تلك المنطقة، لأن الصين هي التهديد الرئيسي للولايات المتحدة.

ولكن مع تزايد قدرات الصين على المستويات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، بدأت في الاتجاه إلى الشرق الأوسط، وفتحت السعودية المجال لها عقب التوترات مع أمريكا، خاصة مع وجود فوائض مالية لدى السعودية، وإحباط ولي العهد من المشروع الأمريكي للأمن الإقليمي، وأدخل وليُّ العهد السعودي الصينَ للشرق الأوسط، وأسفر ذلك عن الاتفاق بين السعودية وإيران.

وأمام هذه التحولات، توصّلت الولايات المتحدة إلى رؤية لمشروع جديد للشرق الأوسط، عبر تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، بهدف كبح تطور نمو العلاقات الصينية العربية، ومصلحة بايدن لتعزيز حظوظه في الانتخابات، وتحجيم الوجود الروسي في سوريا، وضمان ألا تتمدد خارجها.

2- اتجاه السعودية للتطبيع مع إسرائيل: وفي سياق الحديث عن تشكيل الشرق الأوسط الجديد، فإن السعودية اتّجهت إلى إعادة دفع مبالغ مالية للسلطة الفلسطينية، وتعيين سفير في الضفة الغربية، وهو ما سيتم بالتأكيد على إسرائيل، وتسعى السعودية لتحقيق توازن من خلال استقبال وزراء إسرائيليين، وهي محاولات لجعل الناس تعتاد على تطبيع واقعي بين السعودية وإسرائيل.

وأصبحت الرسالة للفلسطينيين والسلطة الفلسطينية: “ليس أمامكم سوى الركوب في القطار”، وستتجه أمريكا للضغط على إسرائيل لتقديم ثمن معقول لتبرير السعودية التطبيع مع إسرائيل، خاصة وأن إسرائيل باتت مدينة لأمريكا بعد تقديم الدعم لها، في حين كان الاتجاه السابق أن إسرائيل لا تحتاج لأمريكا.

3- تغيير الحكومة الإسرائيلية: يحكم إسرائيلحكومة يمينية متطرفة، ورفض بايدن مقابلة نتنياهو، ولكن استقبله على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال لنتنياهو، يمكن الفصل بين القضية الفلسطينية والتطبيع مع السعودية، وطلب بايدن تجميد الاستيطان.

ولكنّ هذه الحرب أنهتمستقبل نتنياهو السياسي، ولم يعد له مستقبل، وخرجت مظاهرات ضده لتحميله المسؤولية، وسيتم تشكيل لجنة تحقيق في هجوم حماس، وستُنهي الحرب الحكومة اليمينية، وذلك في مصلحة أمريكا، لصالح المعارضة مثل يائير لابيد وغانتس.

ويمكن أن يقدم لابيد وغانتس ثمناً ما، خاصةً أن غانتس لأول مرة يفوز على نتنياهو، في استطلاعات الرأي الداخلية في إسرائيل.

عملية انتحارية

من جانبه، اتفق سعيد عكاشة، الباحث في الشأن الإسرائيلي، مع غطاس، حول الصدمة التي تعرضت لها إسرائيل، جراء هجوم حركة حماس على المستوطنات في غلاف قطاع غزة، وحدد بعض الملاحظات حول الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، منها:

1- هجوم حماس عملية انتحارية: يمثل الهجوم الأخير على مستوطنات غلاف غزة، عملية انتحارية، وليست عملاً عسكرياً بالمعنى المفهوم، ولكنه -في الوقت ذاته- أدى إلى تغيير في الرؤية، خاصة وأن السائد كان أن أقصى عمليات لحماس هي إطلاق الصواريخ، وهي مشكلة بالنسبة لإسرائيل، ولكن لم يكن في الحسبان احتمالات عملية برية.

2- دهشة وصدمة المجتمع الإسرائيلي: كما أن الهجوم كان صادماً للمجتمع الإسرائيلي، بقدر الدهشة من كيفية تنفيذ حماس لهذا الهجوم، والطرف الملام بشكل أكبر في إسرائيل هي “الشاباك”، باعتبار هذه المؤسسة المسؤولة رقم واحد عن المسائل المتعلقة بقطاع غزة، بخلاف الوضع بالنسبة لـ”الموساد” و”أمان”.

3- انتهاء المستقبل السياسي لنتنياهو: أنهى هجوم حماس على مستقبل نتنياهو، وشكل حكومة طوارئ، ولكنه يرغب في الخروج بمكسب يُبقيه في التاريخ، ويشبع رغبة المجتمع الإسرائيلي في الانتقام، ويسعى لتجريد حماس والجهاد من السلاح، لعدم العيش تحت هذا الخطر مرة أخر

4- طول أمد الحرب مع عملية برية: قد تنطلق عمليةبرية خلال أيام، خاصة مع تكتيك تقسيم غزة إلى قطاعات، يمكن تمشيطها خلال العملية البرية، ويمكن أن تقدم إسرائيل على ذلك، رغم امتلاك حماس للأسرى، وهذا خطأ في حسابات الحركة، بأنها إذا أخذت أسرى فلن تضرب إسرائيل القطاع أو تستهدف حماس.

ولكن المعادلة تغيرت، خاصة وأن حماس أقدمت على هجوم في عمق الداخل الإسرائيلي، وليس مجرد إطلاق صواريخ، وبحسب إسرائيل فإن الحرب ستأخذ وقتاً. ولأول مرة لا يكترث المجتمع الإسرائيلي للأسرى، وهذا من سوء تقدير حماس.

وفي حين أن الشارع الإسرائيلي يقول دمروهم حتى لو قُتِل الأسرى؛ فإن مظاهرات صغيرة خرجت لمعرفة مصيرهم، ولكن نتنياهو لعب اللعبة المزدوجة، وطلب من أمريكا حلّ مشكلة الأسرى.

مساومة محسوبة

ويحدد “عكاشة” بعض تداعيات الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، والتي ستكون لها انعكاسات عديدة، وأبرزها:

1- مساومة المجتمع الدولي لنزع السلاح: ربما يتجه نتنياهو إلى مساومة المجتمع الدولي، إما تحمل المزيد من المجازر في غزة، أو صدور قرار دولي بنزع سلاح غزة عن طريق قوة دولية، لتفكيك سلاح حماس والجهاد، انطلاقاً من الرغبة في عدم تكرار هجوم حماس، خاصة مع اتباع الحركة خطة خداع، واعتبار المجتمع الإسرائيلي أن ما حدث أشبه بـ”بيرل هاربر” أو “11 سبتمبر”.

2- مضيّ السعودية في مسار التطبيع: خطوة التطبيع بين السعودية وإسرائيل جعلت الإيرانيين متأكدين أن هذا يحدث بالفعل، وبالتالي ترغب في خلط الأوراق بسرعة كبيرة جداً، مع إظهار أن إسرائيل نمر من ورق، وفي يوم واحد أهانت حماس إسرائيل، وهو فشل يضاهي الفشل في حرب أكتوبر 73. ووظفت إيران حركة حماس لوقف التطبيع بين السعودية وإسرائيل، ولأن السعودية ترى أن الهدف هو منعها من التطبيع فستصر عليه.

3- تغيرات في المعادلة بالشرق الأوسط: فكرت أمريكا أنها بالتركيز على آسيا لمواجهة الصين، يمكن عمل محور في الشرق الأوسط، ولذلك تدفع الإدارة الأمريكية لإقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل، ولكن أمريكا ليست متحمسة لإعطاء دور القيادة لإسرائيل، ولكن تظل المنطقة تحت أعين أمريكا ولا أحد يلعب دوراً منفرداً. ولكن إيران ترفض هذا المشروع، وقفزوا على وجوده من خلال الفصائل الفلسطينية، ليس فقط لأن إيران رغبت في ذلك، ولكن حتى لا يتم إخراجهم من المعادلة.

4- تراجع حل الدولتين: وبالحديث عن عدم وجود مستقبل لنتنياهو، فإن غانتس ليس مع حل الدولتين، ولكن يمكن تقديم صفقة بأن يحصل الفلسطينيون على وطن قومي في الأماكن التي يعيشون فيها، مع تراجع طرح حل الدولتين، في إطار صفقة القرن. ومن يحكم في هذا الأمر، فسيكون الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، مع نزع السلاح في قطاع غزة.