إن الاعتداءالإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة وموقف جامعة الدول العربية ودولها الأعضاء الداعم للشعب الفلسطينى فى تلك المحنة الإنسانية يذكرنا بأن القضية الفلسطينية قد احتلت على الدوام مكان الصدارة ضمن اهتمامات الجامعة وأولويات العمل العربى المشترك . فعند إنشاء الجامعة عام ١٩٤٥ أفرد لها الميثاق ملحقا خاصا، ثم تم إنشاء أجهزة رئيسية للدفاع عنها وتنسيق سياسات الدول الأعضاء تجاهها كجهاز المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل عام 1952 وجهاز الإعلام عام 1953. وقد ساندت الجامعة قضية الشعب الفلسطينى من كل جوانبها وذلك بتبنى حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم ، ودعمت قيام الكيان الفلسطينى وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 ، وأطلقت مبادرة السلام العربية فى قمة بيروت عام 2002، وقد ساندت الجامعة فلسطين فى المحافل الدولية مما أسفر عن توسيع دائرة الاعتراف الدولى بها من قبل الأمم المتحدة بصفة دولة مراقب، كما ساندتها قانونيا أمام محكمة العدل الدولية فى قضية بناء إسرائيل جدارا عازلا فى الأرض الفلسطينية المحتلة ثم فى القضية المطروحة على المحكمة حاليا حول عدم شرعية الاحتلال، هذا فضلا عن دعم مطالبة فلسطين بإدانة المحكمة الجنائية الدولية جرائم إسرائيل التى استنكرها المدعى العام للمحكمة مؤخرا – ويتضح من ذلك أنه رغم تعدد التحديات الداخلية والخارجية التى واجهت الدول العربية فقد ظلت فلسطين هى قضية العرب المركزية الأولى.
وقد أدركت خلال رئاستى بعثة الجامعة العربية فى كل من نيويورك وواشنطن مدى أهمية الدور الذى يمكن للجامعة الاضطلاع به فى مجال دعم القضية الفلسطينية دوليا. ففى الأمم المتحدة أسهمت بعثتها مع مجموعة الوفود العربية فى الدفاع عن القضية وطرح الموقف الجماعى العربى إزاءها أمام مختلف أجهزة الأمم المتحدة مما أكسبها تأييدًا وتقديرًا ، حيث تجلى ذلك مؤخرًا فى موافقة الجمعية العامة على قرار يطالب بهدنة إنسانية فورية ومستدامة فى غزة بعد إعلان الجيش الإسرائيلى توسيع عملياته البرية فى القطاع – كما نجحت المجموعة العربية فى إصدار قرارات دولية بوقف الاستيطان وتوفير الحماية للشعب الفلسطينى والحفاظ على وضع المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس الشريف وتنفيذ حل الدولتين. أما فى واشنطن فقد نجحت بعثة الجامعة فى إقامة تعاون وثيق مع المنظمات العربية الأمريكية دعما لدورها على الساحة السياسية الأمريكية فى مواجهة نشاط اللوبى الإسرائيلي. كما أسهم عمل البعثة الإعلامى والثقافى فى توضيح الحقائق حول تاريخ القضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطينى من أجل حقه فى تقرير المصير وإنشاء دولته المستقلة.
هذا وقد اتضح لى من خلال وجودى فى واشنطن مدى الحاجة إلى تنوير الأمريكيين وتثقيفهم من أجل إقناعهم بعدالة القضية الفلسطينية، وهى مسئولية الاعلام العربى متى توافرت له الخبرات والإمكانيات المادية المطلوبة.
وقد لعب كل الأمناء العامين للجامعة العربية دورا مهما فى دعم القضية الفلسطينية وتنسيق جهود الدول العربية الأعضاء إزاءها، ويتضح ذلك من خلال ما يقوم به أمين عام الجامعة الحالى الأخ أحمد أبو الغيط من تحرك فى أزمة غزة سواء على الصعيد العربى أو الدولى بإدانة الجرائم الإسرائيلية على السكان المدنيين الأبرياء. وفى هذا السياق يمكننا ذكر مبادرة الأمين العام السابق المرحوم عبد الخالق حسونة حينما التقى الرئيس دوايت إيزنهاور فى البيت الأبيض فى واشنطن عام ١٩٥٣ حيث أشار إلى مواقف إدارة الرئيس هارى ترومان السابقة المناهضة لقضايا العرب وفى مقدمتها قضية فلسطين وطالب بألا تتحيز الولايات المتحدة لإسرائيل حفاظًا على مصالحها مع العرب، فاستجاب إيزنهاور مؤكدا أن إدارته تتجنب التحيز وتحرص على صداقة البلاد العربية وما يربطها معها من صلات تاريخية. وبعد سنوات عدة عندما تعرضت مصر لعدوان ثلاثى من قبل إسرائيل وبريطانيا وفرنسا عام 1956 عارض إيزنهاور هذا الاعتداء وساند قرار الأمم المتحدة بضرورة الانسحاب الفورى للجيوش المعتدية.
ومن المؤسف أن الإدارة الأمريكية انتهجت اليوم موقفًا مغايرا لموقف إدارة إيزنهاور حيث ساندت إسرائيل ولم تعارض اعتداءها على قطاع غزة أو تطالب بانسحاب قواتها منه. وإزاء هذا التحدى اتخذت القمة العربية الإسلامية فى الرياض موقفا جماعيا موحدا يدين جرائم إسرائيل وسعيها لتصفية القضية الفلسطينية ويطالب بتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تحقيقًا للسلام العادل والشامل فى الشرق الأوسط. ونحن على يقين بأنه من خلال مساندة الدول العربية والإسلامية وشعوبها ستظل القضية الفلسطينية حية حتى ينال الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة.
نقلا عن الأهرام