على رغم رمزية الخطوة، فإن العودة الرسمية لسوريا إلى شغل مقعدها في جامعة الدول العربية، يطوي من حيث الشكل قراراً اتخذته الجامعة قبل 12 عاماً، وتبين أنه لم يقدم أو يؤخر في مسار الأزمة السورية، بينما من المفترض أن يؤسس قرار العودة لمرحلة من الانخراط الإيجابي المتبادل بين دمشق والدول العربية.
العودة تحصل في بيئة جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط، سهل ولادتها اتفاق بكين في العاشر من آذار (مارس) الماضي بين الرياض وطهران الذي فتح فصلاً جديداً في العلاقات السعودية – الإيرانية، وطوى صفحة العداوة التي أفرزت حروباً وأزمات بالوكالة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.
ويمكن القول أيضاً إن البيئة المتغيرة في الشرق الأوسط، بدأت تتبلور، بعد الحرب الروسية – الأوكرانية. وعلى سبيل المثال، لم تنضم دول الخليج العربية إلى نظام العقوبات الغربي على موسكو، وحافظت على الشراكة مع روسيا في تحالف “أوبك+” على رغم الضغوط الأميركية لفك عرى هذا التحالف، في وقت كانت أوروبا تحتاج إلى ضخ المزيد من النفط، تعويضاً عن انفطامها عن موارد الطاقة الروسية عقب الحرب.
لم تلبِ الدول الخليجية المطلب الأميركي بزيادة الإنتاج، لا بل اتخذت قرارات بخفض الإنتاج أكثر من مرة العام الماضي وهذا العام، كي تحافظ على توازن السوق والحؤول دون تدهور دراماتيكي في الأسعار.
الانفتاح الخليجي على سوريا الذي بدأ منذ سنوات على رغم الاعتراضات الأميركية، هو نتاج الاختلاف في الرؤى للقضايا الإقليمية والدولية مع الولايات المتحدة. وليس زلزال السادس من شباط (فبراير)، هو العامل الذي دفع الدول العربية إلى تبني نهج مختلف مع سوريا، بل إن ثمة أموراً أعمق بكثير، حملت هذه الدول على اتخاذ مواقف متمايزة عن واشنطن.
إلى أين يقودنا هذا الاستطراد؟ بالدرجة الأولى إلى تفصيل أوفى للوقائع في الشرق الأوسط. نعم، أحدث اتفاق بكين انعكاساً إيجابياً على العلاقات العربية – السورية، تماماً كذاك الوقع الذي أحدثه زلزال 6 شباط. لكن هذين الحدثين وحدهما على أهميتهما، لا يوفران الشروط الكافية للتحولات السياسية الكبرى الجارية الآن.
التحولات بدأت مع افتراق الرؤى بين الخليج والولايات المتحدة. ونتيجة هذا الافتراق حدثت النقلة النوعية في العلاقات مع الصين وروسيا، ومن ثم أرسى نظرة مختلفة إلى الأزمة السورية.
ماذا استفاد العرب من الخروج من سوريا؟ لا شيء. إيران هي التي استفادت وملأت الفراغ. والسياسة الأميركية حيال سوريا اليوم قائمة على حالة “اللاحرب واللاسلم” مع دمشق والرهان على العقوبات للضغط على النظام. لكن مسألة العقوبات تطاول السوريين العاديين وتزيد معاناتهم معاناة، ولا تحمل النظام على تغيير مواقفه. وهذه مسألة تطيل أمد الأزمة السورية ولا تقدم حلولاً لها.
تركيا هي الأخرى، أدركت أنه لا يمكنها الاستمرار أكثر في معاداة الحكومة السورية، بينما مسألة ملايين اللاجئين السوريين في تركيا بدأت تتحول مسألة خلافية في الداخل التركي. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اختار أن يجرب الحوار مع دمشق، تخفيفاً لأزماته الاقتصادية، أكثر من استجابته للضغوط الروسية بالانفتاح على سوريا.
وسط هذه البيئة السياسية المتغيرة، لماذا يبقى العرب غائبين عن سوريا. عودة العرب إلى بغداد غيّرت في المشهد العراقي على رغم الحضور الإيراني الواسع هناك. والعودة إلى دمشق لا بد أنها ستغير في المشهد السوري على رغم أن إيران تمضي في تعزيز حضورها في سوريا في أكثر من مجال، كما بيّنت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق، على مسافة أيام من قرار الجامعة العربية الذي فتح الطريق أمام سوريا لحضور القمة العربية في الرياض في 19 أيار (مايو) الجاري.
وعلى أهمية ما تحقق حتى الآن، فإن ذلك لا يعدو كونه مجرد بداية، بينما المسؤولية متبادلة بين الدول العربية ودمشق في البناء على الإيجابيات الحاصلة، من أجل إيجاد حل واقعي للأزمة السورية.
نقلا عن النهار العربي