عزز تطبيق “تيك توك” الصيني الشهير للفيديوهات القصيرة مكانته بين عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط. فرغم نشأته الحديثة نسبياً مقارنة بنظرائه: “فيسبوك” و”يوتيوب” و”انستجرام”، فإنه تفوق عليهم من حيث عدد مرات التحميل على الهواتف الذكية. ويتوقع أن يواصل تدعيم مكانته العالمية وفي المنطقة من خلال استقطابه لمعدلات أكبر من أموال المعلنين.
وقد أظهر استطلاع “أصداء بي سي دبليو” (bcw) السنوي الرابع عشر لرأي الشباب العربي ٢٠٢٢ في ١٧ دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الفترة من ١٣ مايو إلى ٧ يونيو 2022 ارتفاع نسبة استخدام تطبيق “تيك توك” خلال آخر ثلاثة أعوام بأكثر من الضعف، في مقابل تراجع نسبة استخدام منصتي “فيسبوك” و”تويتر”، حيث ارتفع استخدام “تيك توك” من ٢١٪ في عام ٢٠٢٠ إلى ٥٠٪ في عام ٢٠٢٢، بينما انخفض عدد مستخدمي تطبيق “تويتر” من الشباب العربي من ٤٢٪ في عام ٢٠٢٠ إلى ٣٣٪ في عام 2022، وكذلك “فيسبوك” من ٨٥٪ في عام ٢٠٢٠ إلى ٧٢٪ في عام ٢٠٢٢.
أنماط متعددة
تكشف متابعة استخدامات الشباب العربي، ولا سيما جيل “z”، للتطبيق أنها ليست مقصورة على نشر المرح والفكاهة، وتحقيق عوائد مالية لمستخدميها، ولكن تزايد توظيفهم للتطبيق سياسياً، للتعامل مع التحديات والأزمات التي تواجهها دولهم، أو للدفاع عن قضايا سياسية، وحشد الأنصار والمتابعين، وممارسة الضغوط على الأنظمة السياسية. وتتمثل أبرز صور التوظيف السياسي للتطبيق فيما يلي:
1- تصعيد الاحتجاجات ضد النظام الإيراني: على الرغم من القيود العديدة التي يفرضها النظام الإيراني على منصات التواصل الاجتماعي، فقد استخدم الشباب والنشطاء الإيرانيون تطبيق “تيك توك” في الدعوة لاستمرار الاحتجاجات التي بدأت إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، في ١٦ سبتمبر الماضي، ونشر مقاطع فيديو تُظهر معارضتهم للنظام، مثل تمزيق صفحات كتب مدرسية تتضمن صوراً للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي ومقاطع فيديو أخرى يدوس فيها شباب وشابات إيرانيات على صورهما، بجانب مقاطع أخرى للتظاهرات في الشوارع الإيرانية، ورسائل دعم للشباب الذين يحكم عليه النظام الإيراني بالإعدام، فضلاً عن بعض رسائل المناشدة للدول الغربية لدفعها إلى ممارسة مزيدٍ من الضغوط على النظام الإيراني للتوقف عن استخدام الآلة القمعية في التعامل مع المحتجين.
وقد دعا ناشطون إيرانيون على تطبيق “تيك توك” المستخدمين لترشيح أغنية “براي” للمغني الإيراني شروين حاجي بور، التي تُعبّر عن رغبة الشباب الإيراني في حياة طبيعية، للفوز بجائزة “جرامي”. وقد قالت الأكاديمية الوطنية لتسجيل الفنون والعلوم التي تُقدم جوائز “جرامي”، إنها تلقت ٩٥ ألف طلب بترشيح الأغنية، بنسبة ٨٣% من إجمالي الطلبات المقدمة، والبالغة ١١٥ ألف طلب. وبالفعل حصلت الأغنية على الجائزة العالمية عن أفضل أغنية للتغيير الاجتماعي.
2- دعم المتضررين من زلزال تركيا وسوريا: استغل العديدُ من النشطاء والمؤثرين والفنانين السوريين والأتراك والعرب، وحول العالم، تطبيق “تيك توك”، لتخفيف الآلام عن المتضررين من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في ٦ فبراير الجاري، ولجمع الأموال والمساعدات لضحايا الزلزال، من خلال البث المباشر للتضامن مع المتضررين، والحديث عن الكارثة وآثارها الاجتماعية. وفي المقابل، كانت هناك تحذيرات من خبراء أمنيين من استغلال المحتالين للزلزال؛ لمحاولة خداع من يرغبون في التبرع للمتضررين من الكارثة، وبدلاً من مساعدة المحتاجين يقوم المحتالون بتحويل التبرعات لحساباتهم الخاصة، ومحافظ العملات المشفرة التي يمتلكونها.
3- ساحة حرب افتراضية بين الفلسطينيين وإسرائيل: استخدم بعض النشطاء الفلسطينيين تطبيق “تيك توك” لنشر لقطات للاشتباكات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، ومقاطع فيديو للتظاهرات والمسيرات الفلسطينية ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية، والتي تصل إلى نسبة كبيرة من المشاهدين دون شرط أن يكونوا متابعين لصاحب الحساب، أو الموقع الجغرافي للمستخدم والمتلقي.
ويفضل الفلسطينيون التطبيق لكونه لا يلتزم بالقيود التي تضعها التطبيقات الأمريكية، مثل “فيسبوك”، و”تويتر”، على المحتوى الفلسطيني. وقد أضحى “تيك توك” منصة رئيسية لمشاركة الأخبار عن تطورات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وطرح الفلسطينيين لروايتهم عن الصراع في مواجهة السردية الإسرائيلية، للتأثير على الرأى العام العالمي.
4- استخدام التطبيق للحصول على تبرعات: استفاد آلاف اللاجئين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في مخيمات اللاجئين من خدمة البث المباشر التي توفّرها الشركة الصينية المالكة للتطبيق لعرض ظروفهم السيئة للعالم الخارجي؛ للحصول على الأموال من المانحين عبر الإنترنت من خلال “هدايا افتراضية” أو “هدايا رقمية”، بدءاً من “الورود الرقمية” التي تُساوي بضعة سنتات، إلى “الأسود الافتراضية” التي تساوي ٥٠٠ دولار، والتي يجري تحويلها بنكياً عن طريق التطبيق لصاحب الحساب. لكن تقريراً استقصائياً لشبكة “بي بي سي نيوز”، في 11 أكتوبر الماضي، كشف عن أن اللاجئين السوريين يحصلون فقط على 30٪ من عائدات التبرعات عبر التطبيق.
آليتان رئيسيتان
في ظل تزايد مستخدمي تطبيق “تيك توك” في منطقة الشرق الأوسط، بدأت بعض الحكومات العربية تنتهج سياستين للتعامل مع التطبيق: تتمثل الأولى، في الاعتماد عليه لنشر التوعية بين المواطنين للاستخدام الآمن لشبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت. ففي هذا السياق، عقد الدكتور راشد النعيمي المدير التنفيذي لمكتب تنظيم الإعلام التابع لوزارة الثقافة والشباب الإماراتية، في 20 مايو الماضي، اجتماعاً مع جولي دي بيليينكورت رئيس الفريق الدولي لسياسة المنتجات في شركة “تيك توك”، لمناقشة تشجيع نشر المحتوى الإيجابي على المنصة، وتعزيز آليات تطبيق معايير المحتوى الإعلامي المعمول بها في الدولة، على جميع ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي. كما وقعت وزارة الشباب والرياضة المصرية، في 27 سبتمبر الماضي، عقداً مع تطبيق “تيك توك” لإطلاق برنامج TikTok Creator Hub الذي يهدف لمساعدة الشباب المصري على بناء المهارات والمعارف الصحيحة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الوعى بالقضايا التي تهم المجتمع وطرح أفكار وابتكارات للقضايا التي تهتم بالشأن العام.
وتنصرف الثانية، إلى حظر التطبيق، وبحث إصدار قوانين وتشريعات تفرض مزيداً من القيود على مستخدميه استناداً إلى مبررات مثل “تهديد قيم المجتمع العربي” و”بث مقاطع فيديو تشجع على نشر الفوضى والكراهية”. ولذلك حظرت الأردن التطبيق، في ١٦ ديسمبر الماضي، بعد نشر فيديوهات تحرض على القتل والفوضى خلال الاحتجاجات التي شهدتها المملكة، في الشهر نفسه، على ارتفاع أسعار المحروقات، حيث أعلنت وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام الأردنية في بيان لها أن “تطبيق تيك توك لم يتعامل مع إساءة استخدامه من قبل مستخدميه، سواء بتمجيد ونشر أعمال العنف أو دعوات الفوضى، والاعتداء على أجهزة إنفاذ القانون والممتلكات وقطع الطرق، بل إنه ساهم في ترويج فيديوهات من خارج المملكة وتزويرها للتأثير على مشاعر المواطنين، ودفعهم للاحتجاج”. وقد أعلن التطبيق، في 17 يناير الفائت، أنه يجري محادثات مع السلطات الأردنية من أجل وقف العمل بالقرار السابق، مؤكداً إزالة المحتوى المخالف في الأردن بشكل صارم واستباقي.