نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في استهداف زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، في عملية استخباراتية نفذت في 30 يوليو الفائت، وأعلن عنها الرئيس جو بايدن في أول أغسطس الجاري. ومن دون شك، فإن أهمية هذه الخطوة تعود في المقام الأول إلى أن الظواهري تولى قيادة التنظيم بعد نجاح إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في قتل أسامة بن لادن في ٢ مايو ٢٠١١. وتعد العملية أول ضربة قوية تقوم بتنفيذها الولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحاب قواتها من أفغانستان في ٣١ أغسطس الماضي قبل حلول الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر 2001، والتي أثارت العديد من الانتقادات داخل الولايات المتحدة الأمريكية لرفض بايدن نصائح كبار مستشاريه ببقاء قوات أمريكية على الأرض في أفغانستان لمنع تحولها إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية.
مكاسب سياسية
حاولت الإدارة الأمريكية توظيفَ العملية الاستخباراتية الناجحة لاستهداف زعيم تنظيم “القاعدة” لتحقيق العديد من المكاسب السياسية في وقت تواجه فيه العديد من التحديات، في حين وظفها معارضو بايدن لتوجيه المزيد من الانتقادات له. وتتمثل أبرز مكاسب الإدارة الحالية من مقتل الظواهري فيما يلي:
١- دعم شعبية الرئيس بايدن: تأتي عملية استهداف زعيم تنظيم “القاعدة” في وقت تتراجع فيه شعبية الرئيس جو بايدن إلى مستويات لم يحققها الرؤساء الأمريكيون الجمهوريون والديمقراطيون السابقون خلال الفترة ذاتها التي قضاها بايدن في السلطة. فوفقاً لنتائج استطلاع لمؤسسة “جالوب” صدرت في ٢٩ يوليو الفائت-أى قبل قتل الظواهري بيوم واحد- انخفض معدل شعبية بايدن إلى ٣٨٪ لأول مرة منذ بداية رئاسته. يضاف إلى ذلك الإخفاقات المتعددة للرئيس في التعامل مع بعض الأزمات الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية راهناً، ومواجهة تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على الناخبين الأمريكيين، بينما ترتفع معدلات التضخم لمستويات غير معهودة منذ أربعة عقود، والتي من شأنها التأثير على فرض حزبه (الحزب الديمقراطي) في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر لها في نوفمبر المقبل، وهو ما دفع بعض الديمقراطيين إلى حثه على عدم الترشح للانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤. ولهذا، من المتوقع أن تساعد العملية في تعزيز شعبية الرئيس، وإثبات قدرته، وهو في العزل الصحي لإصابته للمرة الثانية بفيروس كورونا، على القيام بمهام منصبه رغم تقدم سنه، ووفائه بالتزاماته بحماية الأمريكيين والمصالح والأهداف الأمريكية حول العالم من تهديدات التنظيمات الإرهابية. وبينما هناك انقسام حزبي حول بعض الخطط التشريعية للرئيس بايدن، فإن توجيهه باستهداف الظواهري لاقى تأييداً من بعض المشرّعين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
بيد أن الخبرة التاريخية تُشير إلى أن نجاح الرؤساء الأمريكيين الديمقراطيين والجمهوريين في استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية لم يُضف الكثير سياسياً لهم، حيث لم تُحْدِث الغارات الناجحة لقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، والقائد السابق لـ”فليق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فرقاً ملموساً في شعبية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وحتى مقتل الزعيم السابق لتنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، لم يسفر إلا عن زيادة مؤقتة في شعبية الرئيس الأسبق باراك أوباما وفقاً لاستطلاعات الرأى.
٢- تأكيد نجاح استراتيجية مكافحة الإرهاب: بعد الانسحاب الكامل للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، تعهد الرئيس بايدن بمواصلة العمل على التصدي للتهديدات الإرهابية من أفغانستان وحول العالم. وبالفعل، نجحت الإدارة الأمريكية في استهداف العديد من قيادات التنظيمات الإرهابية. ففي فبراير الماضي، تم استهداف الزعيم الثاني لتنظيم “داعش” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. وفي يوليو الفائت، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في اغتيال ماهر العقال زعيم تنظيم “داعش” في سوريا. ولكن استهداف الظواهري يُعد نصراً كبيراً للإدارة الأمريكية لتاريخه الإرهابي. وقد ركز بايدن في كلمته للإعلان عن مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” على دوره في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي أدت إلى مقتل ٢٩٧٧ شخصاً على الأراضي الأمريكية، ووقوفه وراء الهجمات ضد الأمريكيين بما في ذلك تفجير المدمرة الأمريكية كول في عام ٢٠٠٠ والذي أسفر عن مقتل ١٧ بحاراً أمريكياً وجرح العشرات، ودوره الرئيسي في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا والذي أودى بحياة ٢٢٤ وإصابة أكثر من ٤٥٠٠. وأضاف بايدن أن “الظواهري من مخبئه في العاصمة الأفغانية كان يقوم بتنسيق فروع القاعدة في جميع أنحاء العالم لشن هجمات ضد أهداف أمريكية، أو كان الدافع وراءها”.
وتعد عملية استهداف زعيم تنظيم “القاعدة” انتصاراً لاستراتيجية الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب بعد ١١ شهراً من مغادرة القوات الأمريكية أفغانستان وإنهاء حرب استمرت لعقدين ضد تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان”، والتي لاقت معارضة من بعض القيادات العسكرية الأمريكية. إذ تدعم العملية رؤية الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على مواجهة الإرهاب وحماية أمنها من الإرهابيين الذين يسعون لاستهداف مصالحها بدون وجود قوات أمريكية على الأرض في الدول والمناطق التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية.
٣- تجنب أخطاء استهداف المدنيين: كثيراً ما وُجِّهت انتقادات للإدارة الأمريكية الحالية، وكذلك للإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة، لأن عملياتها العسكرية لمكافحة التنظيمات الإرهابية وقياداتها كانت تسفر عن قتل وإصابة مدنيين. ولكن عملية استهداف الظواهري، بحسب كلمة الرئيس بايدن، تم التخطيط لها بعناية، وتم تقليل خطر إلحاق الأذى بالمدنيين بشكل صارم، حيث لم يصب أي من أفراد عائلته ولم تقع إصابات بين المدنيين.
4- تعزيز الضغوط على حركة “طالبان”: أشارت تقارير عديدة، نقلاً عن مسئول استخباراتي أمريكي، إلى أن المنزل الذي كان يختفي فيه أيمن الظواهري بوسط كابول كان مملوكاً لأحد كبار مساعدي وزير داخلية حركة “طالبان” سراج الدين حقاني، وهو ما يكشف عن انتهاك الحركة لاتفاق الدوحة باستضافتها زعيم تنظيم “القاعدة”، وهو الاتفاق الذي بموجبه انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان بشكل كامل في ٣١ أغسطس الماضي، والذي كان يتضمن تعهد “طالبان” بعدم تحول أراضي أفغانستان إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية واستخدامها لتهديد أمن الدول الأخرى. ولذلك، فإن مقتل الظواهري سيفرض مزيداً من الضغوط الأمريكية على الحركة بالتوازي مع إمكانية العمل على عزلها دولياً، وتقويض جهودها للحصول على الاعتراف الدولي بحكم أفغانستان في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية، ووقف المساعدات الأمريكية والدولية التي تبدو في أمسّ الحاجة إليها، والاكتفاء بتقديم المساعدات الإنسانية.
تجدد الانتقادات
رغم بعض الإشادات الجمهورية والديمقراطية بنجاح إدارة الرئيس جو بايدن في استهداف زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، فإن العملية أعادت تجديد الانتقادات لعملية الانسحاب العسكري من أفغانستان، وللرئيس الأمريكي، الذي هيأ قراره بسحب كل القوات الأمريكية من أفغانستان، وفقاً للذين يوجهون هذه الانتقادات، الظروف التي سمحت للإرهابي الأكثر طلباً في العالم بالانتقال إلى وسط العاصمة الأفغانية كابول، والقيام بعمليات في مدينة تم تحريرها من تنظيم “القاعدة” وحلفائه من “طالبان” بتكلفة بشرية ومالية تحملها دافعو الضرائب الأمريكيون. وتذهب الانتقادات إلى أنه لو كان الرئيس قد استمع إلى مستشاريه العسكريين بالإبقاء على قوات أمريكية في أفغانستان لما كان الظواهري قد وصل إلى كابول. وقد ذهب بعض المشرعين الجمهوريين، مثل السيناتور جيمس إينهوف العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إلى أن “حقيقة أن زعيم تنظيم القاعدة كان في أفغانستان يعكس الفشل التام لسياسة إدارة بايدن تجاه ذلك البلد”.
ويدعم من هذا الرأى تحذير منظمة الأمم المتحدة، في تقرير صدر في ربيع هذا العام، من أن التنظيم في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يتمتع بحرية عمل متزايدة، وأن التصعيد الملحوظ في تصريحات الظواهري يؤشر إلى أنه كان قادراً على القيادة بشكل أكثر فاعلية بعد استيلاء “طالبان” على السلطة. وفي النهاية، يمكن القول إن تنظيم “القاعدة” يواجه بعد مقتل زعيمه أيمن الظواهري اختباراً صعباً، على نحو سوف يكون له تأثيرات مباشرة على نشاطه وموقعه داخل خريطة التنظيمات الإرهابية خلال المرحلة القادمة.