التكامل الاقتصادي العربي والتنافس الدولي – الحائط العربي
التكامل الاقتصادي العربي والتنافس الدولي

التكامل الاقتصادي العربي والتنافس الدولي



إن قضية التكامل الاقتصادي تعد من أهم القضايا التي تواجه العمل العربي المشترك، والتي يجب أن ينتبه العالم العربي إليها في ظل التطورات الاقتصادية الدولية، والتكتلات الاقتصادية الدولية، إذ إن هناك ربطاً جدلياً بين السياسة والاقتصاد، فكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، والأثر الإيجابي للاقتصاد على السياسة أكبر من الأثر الإيجابي للسياسة على الاقتصاد، فعندما تكون هناك مصالح اقتصادية وتجارية، فإنها تؤثر إيجابياً على العلاقات السياسية بين الدول، ناهيك بالآثار السلبية للتداعيات السياسية على الاقتصاد، في هذه السانحة يدخل موضوع التكامل الاقتصادي العربي والتنافس الدولي على المصالح في ظل أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية والتقنيات النظيفة والإبقاء على درجة حرارة الأرض وفق المستويات التي حددتها اتفاقية باريس وأهميتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، كما جاء في قمة جدة للأمن والتنمية (قمة جدة 2022).
للتكامل الاقتصادي بُعدان أساسيان؛ الأول اقتصادي لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وإحياء فرص التكامل التنموي إلى جانب التعاون الاجتماعي والثقافي وغيرها، والثاني سياسي لتوفير الأمن والاستقرار، حيث تشكّل الدول أحياناً تكتلات لأسباب غير اقتصادية مثل الأمن القومي والسلام، وهذه الأمور من غير المحتمل أن تكون متوفرة بدرجة كافية في ظل غياب شكل معين من التدخل مثل إقامة منطقة جوار أو اتفاقية تكامل إقليمي، إذ إن التجارة والاستثمار يمكن أن يكونان قوة مهمة لتكوين وتدعيم العلاقات السياسية بين الدول.
تتوافر في الوطن العربي جميع مقومات التكامل الاقتصادي، مما يجعل التكامل ليس فقط ممكناً بل متميزاً عن سواه من تجارب الدول الأخرى وذا خصوصية، إذ يعد الوطن العربي من أغنى مناطق العالم في احتياطي البترول الخام، إذ تشكل حصة الدول العربية من إجمالي الاحتياطي المؤكد العالمي 55.7 في المائة، وتشكل حصته 26.5 في المائة من إجمالي الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي عام 2020. كما بلغت مساحة الأراضي القابلة للزراعة في الدول العربية نحو 197 مليون هكتار، ويشكل إجمالي مساحة المراعي الطبيعية نحو 375.9 مليون هكتار، بينما قدرت مساحة الغابات بنحو 37.4 مليون هكتار، ويعد الوطن العربي سوقاً واسعة قوامها 361 مليون نسمة، وهي سوق مؤهلة لتحقيق التكامل الاقتصادي، وناتج محلي إجمالي للدول العربية بلغ 2.43 تريليون دولار أميركي عام 2020 (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2021).
القوة الناعمة مصطلح أبرزه وقدمه وحاول تأصيله المفكر الأميركي جوزيف ناي (2004)، وله كتاب معروف في هذا الشأن عنوانه وموضوعه «القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية»، ويقول في كتابه هذا إن القوة الناعمة لدولة ما أو لمجموعة متجانسة كالعالم العربي، ترتكز على ثلاثة موارد هي: ثقافته، وقيمه السياسية، وسياسته الخارجية. وتستطيع أن تضيف التجارة والاقتصاد والاستثمار، والنفط والغاز العربي.
إن تحقيق التكامل الاقتصادي العربي يجعل العالم العربي قوة اقتصادية كبيرة، وهي تمثل قوة ناعمة مؤثرة فاعلة يُحسب لها في العلاقات السياسية الدولية، وبالتالي تكون عاملاً مهماً لتحقيق الأمن القومي العربي، فرغم التحسن النسبي في الأهمية النسبية للتجارة العربية البينية بالنسبة للتجارة الخارجية للدول العربية فإنها ما زالت دون طموحات الدول العربية، إذ إن إقامة منطقة التجارة الحرة العربية تحقـق فائدة مباشرة أكيدة لكل البلدان العربية المشاركة تتمثل في توحيد الأسواق العربية ما سيؤدي إلى إقامة مشاريع للتنمية الصناعية والزراعية والقطاعات الأخرى المرشحة لمواجهة تحديات اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وسوف تعزز المنطقة عوامل الثقة بين المستثمرين المحليين والأجانب ومن ثم تدفق الاستثمار بين الدول الأعضاء وجذب الاستثمارات المباشرة من الخارج، والاستفادة من كبر حجم الأسواق العربية وقيام استثمارات عربية مشتركة تستقطب مشاريع لنقل التكنولوجيا مما يسهم في عملية النمو والتنمية العربية التي ستؤدي في النهاية إلى تحقيق السوق العربية المشتركة والتكامل الاقتصادي العربي.
ولعل غياب الاستقرار السياسي والأمني في عدد من الدول العربية يوثر على بيئة الأعمال في المنطقة بأثرها، حيث في خضمّ هذه المعطيات يبرز التنافس الدولي على المصالح في المنطقة العربية في ظل الصراع الدولي بين أميركا وأوروبا واليابان وحلفائهما من جهة، والصين وروسيا وحلفائهما من جهة أخرى، وفي مقدمة هذه الخيرات النفط والغاز والمعادن الثمينة وغيرها.
عند تناول هذا الموضوع الحيوي لا بد من الرجوع إلى كلمة السعودية في «قمة جدة للأمن والتنمية» (قمة جدة 6-7-2022)، إذ أكدت أن التحديات الكبرى التي تعرض لها العالم مؤخراً بسبب جائحة «كوفيد – 19» والأوضاع الجيوسياسية تستدعي مزيداً من تضافر الجهود الدولية لتعافي الاقتصاد العالمي وتحقيق الأمن الغذائي والصحي. إن التحديات البيئية التي يواجهها العالم حالياً وعلى رأسها التغير المناخي، وعزم المجتمع الدولي على إبقاء درجة حرارة الأرض وفق المستويات التي حددتها اتفاقية باريس وأهميتها لتحقيق التنمية المستدامة، تقتضي التعامل معها بواقعية ومسؤولية تحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن وانتقال متدرج ومسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة يأخذ في الحسبان الظروف وأولويات كل دولة، آخذين بنظر الاعتبار أن المملكة أكبر اقتصاد عربي وعضو فاعل في مجموعة العشرين وأكبر منتج ومصدر للنفط ودولة مهمة في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي والتي تلعب دوراً فاعلاً في حماية الدول العربية في مرحلة التنافس الدولي على المصالح.
إن موقع الدول العربية من التنافس الدولي على المصالح، الذي أكدته السعودية في قمة جدة للأمن والتنمية، يدل على أن النمو الاقتصادي العالمي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوفرة في العالم، بما فيها الهيدروكربونية مع التحكم في انبعاثاتها من خلال التقنيات النظيفة، مما يعزز إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري في عام 2050 أو ما قبله. ولذلك، تبنت المملكة نهجاً متوازناً للحياد الصفري لانبعاثات الكربون باتباع نهج اقتصادي دائم للكربون بما يتوافق مع خططها التنموية بتمكين تنوعها الاقتصادي دون تأثير في النمو وسلاسل الإمداد مع تطور التقنيات بمشاركة عالمية لمعالجة الانبعاثات من خلال مبادرتي السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر لدعم تلك الجهود المحلية والإقليمية، انطلاقاً من أن مصادر الطاقة النظيفة يشكل تحدياً كبيراً للتكامل الاقتصادي العربي في ظل التنافس الدولي على المصالح. هذه المبادرة التي يجب أن يكون لها دور مهم في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي لمنح الأمة العربية القدرة والديمومة والمنافسة في هذا العالم المضطرب، من خلال تعزيز قدرتها التنافسية والتفاوضية مع الدول العربية الأخرى في إطار التكامل الاقتصادي العربي لمجابهة التنافس الدولي على المصالح.
أخيراً، لا بد من إدماج مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» في مشاريع التكامل الاقتصادي، إذ هما يمثلان القوة الناعمة التي يجب أن نستفيد منها في مرحلة التنافس الدولي على المصالح.

نقلا عن الشق الأوسط