تطورت العلاقات بين الصين والدول العربية كثيراً على مدى السنوات الماضية لأسباب عديدة، أهمها أن الصين شريك حقيقي ليست له أي مطامع سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية، فهو يقيم العلاقات مع الدول على أساس من الشراكة والاحترام المتبادل. وقد نجحت الصين على مدى أكثر من عقد من الزمن في نسج علاقات تعاون اقتصادي وتجاري واسع مع مختلف الدول العربية، على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة وتنويع أشكال التنمية المشتركة، ومنها المملكة العربية السعودية التي تسعى إلى تغليب سياسة المصلحة على سياسة الأحلاف والمحاور، بهدف تلافي الخسائر نتيجة الصدام بين المحاور المتصارعة، كما حصل أيام الحرب الباردة.
لكن الواقع العالمي الحالي لم يعد يحتمل البقاء على نفس السياسة؛ لأن الصراع السابق كان صراع أيديولوجيات، بمعنى أن كلاً من القطبين كان يسعى إلى نشر فكره في العالم.
أما اليوم فالقوى المتصارعة لا تتبنّى أيديولوجيات متعارضة؛ بل كلها تتبنى اقتصاد السوق والليبرالية والابتعاد عن سياسة القسر والإكراه، وحتى الصين الشعبية تخلت عن أفكار نشر الشيوعية، ولم تعد معنية سوى بزيادة إنتاجها وزيادة قدراتها الاقتصادية، ومن ثم لعب أدوار عالمية، بهدف ضمان الأمن والاستقرار في مختلف البلاد.
وقد نمت العلاقات الصينية السعودية منذ عام 1990، وشهدت قوة دفع كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث زاد التقارب في وجهات النظر في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كما أن التجارة المتبادلة بين الدولتين سارت بنسق تصاعدي؛ إذ احتلت المملكة المركز الأول كوجهة للاستثمارات الصينية الخارجية في النصف الأول من هذا العام، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة. وتتبنّى المملكة مبدأ «الصين الواحدة»، وهو المبدأ الذي يحقق هدف الصين في ضم تايوان إليها. كما تسعى الدولتان إلى تعميق العلاقات بينهما، وتعزيز رؤية عالم متعدد الأقطاب.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول حصار الصين قدر الإمكان، وتحاول منع الدول الصديقة لها من الاقتراب منها، فإن المصالح السعودية تتطلب الدفع بالعلاقات السعودية الصينية نحو الأمام، بما يحقق مصالح المملكة.
وفي سياق التواصل المستمر بين الدولتين تأتي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، وعقده مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قمة مشتركة تركزت على تطوير التعاون وتوطيد العلاقات التجارية والأمن الإقليمي. وتم خلال هذه الزيارة أيضاً، عقد قمتين أخريين، حيث انعقدت قمة صينية خليجية، إضافة إلى قمة عربية صينية، بمشاركة عدد كبير من الزعماء العرب.
ووقّع الوفد الصيني على عشرات من الاتفاقات ومذكرات التفاهم مع دول الخليج، ودول عربية أخرى في مجالات تشمل الطاقة، والأمن والاستثمارات. ولا شك في أن للصين مصالح كبيرة في المنطقة العربية، نظراً لأن هذه المنطقة مصدر مهم للطاقة في العالم، كما أنها سوق كبير للاستهلاك مع وجود أكثر من 350 مليون عربي من الخليج إلى المحيط. وقد شهدت العلاقات العربية الصينية قفزة نوعية تزامناً مع إطلاق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» عام 2013، والمبادرة هي في الأساس استراتيجية تنموية تتمحور حول التواصل والتعاون بين الدول، وخصوصاً بين الصين ودول «أوراسيا»، بما فيها الدول العربية، وهي تتضمن فرعين رئيسيين هما: «حزام طريق الحرير الاقتصادي» البري، و«طريق الحرير البحري».
وتتضمن المبادرة إنفاق الصين مليارات الدولارات عن طريق استثمارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن خلال انعقاد الاجتماع الوزاري الصيني العربي في بكين العام الماضي، أن «الصين ستقدم قروضاً للتنمية الاقتصادية بقيمة 20 مليار دولار لدول عربية»، وأن هذه «القروض ستخصص لمشاريع ستوفر فرص عمل جيدة، وسيكون لها تأثير اجتماعي إيجابي في دول عربية لديها حاجات لإعادة الإعمار». ولفت إلى أن القروض المقدمة هي جزء من برنامج صيني خاص لإعادة الهيكلة الاقتصادية وتحفيز الصناعات.
ولا شك في أن الصين تعتبر اليوم، فرصة للدول العربية الراغبة في تنويع شراكاتها الاستراتيجية مع القوى الدولية المؤثرة؛ لأنها قوة عظمى ودولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم مما تمتلكه من قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، فإنها دائماً تنتهج السبل السياسية والدبلوماسية لتسوية نزاعاتها مع الدول الأخرى، وهي معروفة بسياساتها المساندة للشعوب النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما أنها تقيم علاقاتها مع مختلف الدول على أساس مبادئ الحوار والتعاون، والابتعاد عن الهيمنة وفرض الأمر الواقع.
نقلا عن الخليج