معضلة الفراغ:
التداعيات المحتملة لانسحاب قوة “أتميس” من الصومال

معضلة الفراغ:

التداعيات المحتملة لانسحاب قوة “أتميس” من الصومال



أعلن وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، خلال رئاسته اجتماعاً لمناقشة بدء المرحلة الأولى من سحب قوة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال “أتميس”، في 11 يونيو الجاري، أن الجزء الأول من هذه القوات وقوامها نحو 2000 جندي، سيغادر البلاد في نهاية يونيو الجاري، وسينقل مسئولياته إلى الجيش الصومالي. ومن دون شك، فإن هذه الخطوة سوف تفرض تداعيات مباشرة ليس فقط داخل الصومال، وإنما في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، على نحو سوف يدفع بعض دول الجوار إلى إجراء تغيير في مقاربتها تجاه المسارات المحتملة للأزمة في الصومال.

استعداد مبكر

من المتوقع أن تنسحب قوة “أتميس” على أربعة مراحل رئيسية، وهو ما دفع الصومال إلى محاولة الاستعداد مسبقاً لذلك، عبر رفع مستوى وقدرات قواتها تدريجياً إلى حوالي 24000 جندي لتتولى زمام الأمور عندما تقوم البعثة بسحب قواتها بالكامل بحلول موعد خروجها في 31 ديسمبر 2024.

وتُشير تقارير عديدة إلى أن الحكومة الصومالية تعمل على إعداد قوات مدربة لتحل محل هذه القوات ولتقوم بمهامها، وتسعى بالفعل إلى تجهيز 15 ألف جندي بحلول عام 2023، وقد أرسلت آلاف من الجنود للتدريب في بعض الدول.

وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، أن القوات المسلحة اليوم كافية لتولي المسئولية الأمنية من قوات “أتميس”، مضيفاً أن خطة التسلم الأمني ستستمر كما هو مخطط لها حتى يغادر آخر جندي البلاد بحلول نهاية ديسمبر 2024. فيما يرى فريق من المراقبين أن هناك دوراً متنامياً لقوات الجيش الصومالي في مواجهة حركة “شباب المجاهدين” بما يؤهلها لتحمل مسئوليات أكبر، وملء أي فراغ سوف تتركه قوات “أتميس”، وخاصة بعد انضمام كتائب متعددة تم تدريبها في خارج الصومال، كما سبقت الإشارة.

تحديات مختلفة

مع ذلك، تواجه خطة انسحاب القوات الأفريقية ونقل مهامها لقوات الجيش الصومالي العديد من التحديات، التي يتمثل أهمها في:

1- الانقسامات والانتماءات العشائرية داخل الجيش: رغم أن الجيش الوطني لم يتعرض للانقسام حتى مع تصاعد حدة الصراع بين الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو وعشائر المعارضة والسياسيين، إلا أن الخصومات السياسية والعشائرية لم تختفِ داخله، كما أن العلاقات بين الرئيس الحالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء حمزة عبدي بري اللذين يمثلان عشائر مختلفة، لا تزال تتسم بالتوتر، وهو ما سعت حركة “الشباب” إلى استغلاله في الفترة الماضية من أجل تقليص حدة الضغوط التي تفرضها العمليات العسكرية التي تشنها القوات الحكومية ضدها.

2- افتقاد القوات الصومالية للقدرات النوعية: تُشير العديد من التقارير إلى أنه رغم جهود الحكومة الصومالية لإرسال عدد كبير من القوات للتدريب بالخارج، لكنها تواجه تحديات لوجيستية ترتبط بالحاجة إلى المزيد من المعدات والأسلحة، بينما لا تزال تطالب المجتمع الدولي برفع الحظر المفروض على استيرادها للسلاح من الخارج. ويبدو أن قوات الجيش أقل تسليحاً من القوات الأفريقية لأنها تفتقر إلى المعدات الكافية، ولا سيما معدات مكافحة العبوات الناسفة والمركبات المقاومة للعبوات الناسفة، وهى الآليات التي تستخدمها حركة “الشباب” في تنفيذ هجماتها. ومن دون شك، فإن هذا النقص يقلص من قدرة وحدات الجيش الصومالي على القيام بمهامها.

3- قدرة حركة “الشباب” على التعايش: شنت القوات الحكومية، والأطراف الداعمة لها، هجمات متتالية ضد مواقع وقيادات حركة “الشباب”، وهو ما دفع الحركة إلى سحب عناصرها من العديد من المدن والمناطق في وسط الصومال؛ إلا أن الأخيرة كانت حريصة على توجيه رسائل بأنها ما زالت قادرة على شن هجمات مضادة، تستهدف من خلالها القوات الحكومية تحديداً.

لذا، فإن ثمة مخاوف من أن يؤدي انسحاب الآلاف من جنود “أتميس” بحلول نهاية يونيو الجاري إلى حدوث ثغرات أمنية ربما تتمكن الحركة من استغلالها لمواصلة تلك العمليات خلال المرحلة القادمة.

انعكاسات عديدة

على ضوء ذلك، يمكن القول إن عملية انسحاب قوة “أتميس” من الصومال سوف تفرض ارتدادات عديدة، هى:

1- دخول قوات أفريقية من دول الجوار: قد تدفع تلك التطورات بعض دول الجوار إلى التدخل عسكرياً عبر إرسال قوات إلى الصومال، خاصة أنها تتوقع أن تسعى حركة “الشباب” إلى استغلال ذلك لتوجيه تهديدات مباشرة لها. وربما تكون دول مثل أثيوبيا وكينيا في مقدمة الدول التي سوف تتبنى هذا الخيار خلال المرحلة القادمة، خاصة أن الأخيرة تعرضت بالفعل لعمليات عديدة نفذتها الحركة، كان آخرها في 14 يونيو الجاري.

2- اتساع نطاق الدور الروسي: تسعى روسيا إلى تعزيز علاقاتها الأمنية والعسكرية مع الصومال بما يمكن أن يساعد في توسيع نطاق حضورها داخل الصومال وفي منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، وخاصة بعد تعثر محاولات بناء قاعدة عسكرية لها في السودان على البحر الأحمر، في الوقت الذي تحتاج فيه الصومال إلى دعم جهودها في مكافحة الإرهاب، سواء كان ذلك من خلال تدريب القوات الصومالية أو عبر تقديم الأسلحة أو دعم الجهود المبذولة لرفع الحظر المفروض على تسليح قواتها.

3- تزايد الحضور العسكري الأمريكي: ربما يكون عرقلة جهود روسيا لتعزيز دورها في الصومال، أحد الأسباب التي يمكن أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغيير سياستها إزاء التعامل مع الأزمة الصومالية، عبر إرسال مزيد من القوات إلى الصومال. وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد أعادت بالفعل، في 16 مايو 2022، نشر قوات الأمريكية في الصومال، حيث تعمل هذه القوات في الوقت الحاضر على التنسيق مع الجيش الصومالي بشأن خروج قوة “أتميس” بشكل تدريجي، ومواجهة العمليات الإرهابية التي تقوم حركة “الشباب” بتنفيذها، حيث توفر القوات الأمريكية غطاء جوياً للعمليات العسكرية التي تشنها القوات الحكومية ضد الحركة، كما تقوم بتدريب عناصر وكتائب من القوات الخاصة الصومالية.

4- تصاعد استهداف القوات الأفريقية: لا يمكن استبعاد أن تتجه حركة “الشباب” إلى زيادة هجماتها العسكرية ضد القوات الأفريقية، أو القوات التي يمكن أن تقوم بعض دول الجوار بإرسالها لدعم عمليات الجيش الصومالي، وذلك لدفع هذه الدول لسحب قواتها، لا سيما أثيوبيا وكينيا، وهو ما أكده هجوم الحركة على القوات الأثيوبية في 7 يونيو الجاري، حيث أعلنت الحركة مسئوليتها عن استهداف القوات الأثيوبية في بلدة دولو التي تقع بالقرب من الحدود بين أثيوبيا والصومال.

اختبار صعب على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن عملية انسحاب القوات الأفريقية “أتميس” من الصومال ربما تضع الأخيرة أمام اختبار صعب، خاصة في ظل المواجهة العسكرية التي تخوضها القوات الحكومية مع حركة “الشباب” التي تسعى في الوقت الحالي إلى تصعيد حدة عملياتها الإرهابية داخل الصومال وفي دول الجوار، على نحو سوف يدفع تلك الدول، في الغالب، إلى توسيع نطاق التنسيق فيما بينها على المستوى الأمني لمواجهة هذا التحدي خلال المرحلة القادمة.