ربما تفرض عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري تداعيات مباشرة يتمثل أبرزها في ارتفاع مستوى التصعيد في البؤر الأضعف مثل سوريا ولبنان، والتلويح بخيار فتح جبهات جديدة على غرار الضفة الغربية، وتكليف وكلاء إيران بتوسيع نطاق المواجهات “المنضبطة” مع إسرائيل، وتزايد احتمالات تحرك الأخيرة من أجل استهداف قيادات حماس في دول أخرى.
يمكن القول إن إسرائيل بدأت المرحلة الثالثة من الحرب في قطاع غزة بالضربة العسكرية التي شنتها في 2 يناير 2024، وأسفرت عن اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري وقياديين آخرين في “كتائب القسام” (الذراع العسكرية لحركة حماس) في الضاحية الجنوبية لبيروت.
إذ يعني ذلك في المقام الأول أن إسرائيل سوف تمنح الأولوية خلال المرحلة القادمة، بالتوازي مع استمرار عملياتها العسكرية في القطاع وبعض بؤر التوتر مع وكلاء إيران، لمحاولة تصفية بعض قيادات الصف الأول، سواء الميدانيين في قطاع غزة على غرار يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي للحركة في القطاع، أو السياسيين الموجودين في عواصم مختلفة. وقد اكتسبت عملية اغتيال العاروري تحديداً أهمية خاصة في ضوء الدور البارز الذي يقوم به داخل حماس وفي إطار علاقاته مع العديد من الأطراف الإقليمية، على نحو يمكن أن يفسر جانباً من ردود الفعل المتشددة التي أبدتها حماس وإيران والمليشيات الموالية لها إزاء ذلك.
انعكاسات متوقّعة
يبدو أن الضربة العسكرية التي وجّهتها إسرائيل في ضاحية بيروت الجنوبية سوف تفرض انعكاسات محتملة يتمثل أبرزها في:
1- التركيز على البؤر الأضعف في لبنان وسوريا: كان لافتاً أن هذه العملية وقعت في العاصمة اللبنانية، ويعني ذلك أن إسرائيل ما زالت حتى الوقت الحالي تركز على البؤر الأضعف، من الناحيتين السياسية والأمنية، والتي يتواجد بها بعض القيادات سواء التي تنتمي إلى الفصائل والمليشيات المسلحة أو التي تنتمي إلى إيران.
وقد جاءت عملية اغتيال العاروري بعد نحو أسبوع من اغتيال القيادي في الحرس الثوري رضا موسوي في العاصمة السورية دمشق، في 25 ديسمبر الفائت، بما يعني أن إسرائيل ربما تركز على سوريا ولبنان لاستهداف مزيد من القيادات المحسوبة على المليشيات أو على إيران، باعتبار أن الدولتين تواجهان أزمات عديدة على المستويين السياسي والأمني، تجعل من العمليات الاستخباراتية التي تقوم بها إسرائيل أسهل إلى حد ما، ويستطيع جهاز الموساد أن يجند مزيداً من العناصر التي يمكن استخدامها في تنفيذ عمليات أمنية جديدة ونوعية.
2- احتمال استهداف قيادات حماس في دول أخرى: ربما تحاول إسرائيل في المرحلة القادمة استهداف قيادات من حركة حماس في دول أخرى، وذلك في إطار سعيها إلى إجبار حماس على دفع كلفة باهظة لعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “كتائب القسام” التابعة لها. وقد كان لافتاً في هذا السياق أيضاً أن مكتب مكافحة الإرهاب التابع لمكتب النائب العام في إسطنبول أعلن في اليوم نفسه الذي قامت إسرائيل فيه باغتيال العاروري، عن اعتقال خلية مكونة من 33 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم في أنشطة تجسس لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي، مضيفاً أن البحث مستمر لاعتقال 13 شخصاً آخرين.
هنا، ثمّة تساؤل مهم يفرض نفسه عن احتمال إقدام إسرائيل على تنفيذ عمليات مماثلة في قطر التي تستضيف القيادات السياسية في حركة حماس، على غرار رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وما إذا كانت هناك تفاهمات توصلت إليها الدولتان يمكن أن تؤدي إلى امتناع إسرائيل عن تنفيذ عمليات في هذا السياق، لا سيما وأن ذلك قد يؤثر بشكل عام على التعاون الثنائي بين الدوحة وتل أبيب خلال المرحلة القادمة، خاصة أن الدوحة تُعد أحد الوسطاء الإقليميين، إلى جانب القاهرة، الذين ساهموا في التوصل إلى التهدئة السابقة، وقد يكون لهم دور في الوصول إلى تسوية في النهاية تؤدي إلى وقف لإطلاق النار.
3- فتح جبهة جديدة في الضفة الغربية: ربما تؤدي هذه العملية التي تمثل ضربة قوية لحركة حماس إلى فتح جبهة جديدة للتصعيد بين إسرائيل وعناصر الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية. صحيح أن مواجهات وقعت خلال الفترة الماضية داخل الضفة، لكنها لم تصل إلى مستوى تصعيد عالٍ، لكن إقدام إسرائيل على استهداف قيادات الصف الأول في الحركة يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق التصعيد بين الطرفين في الضفة خلال المرحلة القادمة.
وقد ألمح الحرس الثوري الإيراني إلى هذا الخيار تحديداً في سياق رد فعله إزاء العملية التي أسفرت عن اغتيال العاروري، حيث أصدر بياناً أشار فيه إلى أن “هذا الاغتيال سوف يجعل المقاتلين الفلسطينيين في كل مكان من هذه الأرض، وخاصة في الضفة الغربية، يدخلون ميدان الجهاد ضد إسرائيل”. ومن الجدير بالذكر في هذا الإطار، أن تقارير عديدة أشارت في فترات سابقة إلى أن إيران سعت إلى تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية عن طريق سوريا ثم الأردن، من أجل توسيع نطاق خياراتها في إدارة التصعيد مع إسرائيل وعدم اقتصاره على جبهة قطاع غزة.
4- رفع مستوى التصعيد مع الوكلاء ضد إسرائيل: قد يؤدي إقدام إسرائيل على اغتيال العاروري في العاصمة اللبنانية بيروت إلى رفع مستوى التصعيد بين إسرائيل ووكلاء إيران، سواء حزب الله، أو الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان وسوريا، أو المليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
ومع ذلك، فإن مستوى التصعيد قد لا يصل إلى مرحلة يمكن أن تؤدي إلى توسيع نطاق الصراع الحالي. وهنا، فإن إيران تبدو بدورها معنية بمحاولة ضبط ردود فعل وكلائها، بحيث لا تجازف بالانخراط مباشرة في هذا الصراع.
ولا ينفصل ذلك من دون شك عن ردّ فعلها بعد اغتيال رضا موسوي، إذ إنها اعتبرت أن هذه العملية كان الهدف منها هو جر إيران للانخراط في الصراع، وبالتالي توسيع نطاق الحرب الحالية لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً التي لن تتوانى عن التدخل في حالة ما إذا اتخذت إيران قراراً بالتحول إلى طرف مباشر في تلك الحرب.
وقد عكس بيان الحرس الثوري المشار إليه هذه المقاربة، عندما أشار إلى أن “الصبر الاستراتيجي للمقاومة وحزب الله تحت تأثير الآمال والأحلام المشؤومة لإسرائيل وداعميها، لن يخرج عن فلك العقلانية والمنطق والنظر إلى متطلبات إسرائيل”. ويعني ذلك أن إيران ترى أن توسيع نطاق التصعيد مع إسرائيل يمنحها الفرصة التي تريدها، وهو ما لا يبدو أنه يتسامح مع حسابات إيران في الوقت الحالي.
ضربات متبادلة
في ضوء ذلك، يبدو أن المرحلة القادمة سوف تشهد محاولات لتسديد ضربات أمنية متبادلة، سواء عبر محاولة إسرائيل استهداف مزيد من القيادات الرئيسية لحركة حماس، أو من خلال محاولة الفصائل الفلسطينية توجيه ضربات نوعية داخل إسرائيل نفسها أو في الضفة الغربية، بالتوازي مع استمرار التصعيد بين تل أبيب والمليشيات الموالية لإيران عبر سوريا ولبنان والعراق خلال المرحلة القادمة.
ومن دون شك، فإن التفجيرات التي وقعت في مدينة كرمان الإيرانية أمام ضريح القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني، أياً كانت الجهة المسؤولة عنها، قد تدفع إيران إلى التحرك من أجل رفع كلفة العمليات التي تشنها إسرائيل ضدها وضد حلفائها، دون أن تجازف في الوقت نفسه بالانخراط مباشرة في الصراع الحالي.