إشكاليات الدور:
التحديات القائمة أمام البعثة الأممية للدعم في ليبيا

إشكاليات الدور:

التحديات القائمة أمام البعثة الأممية للدعم في ليبيا



في أوضاع مضطربة يسودها الانقسام السياسي والتوتر الأمني، غادرت الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز موقعها كـ”مستشارة خاصة” للأمين العام للأمم المتحدة في البعثة الأممية لدى ليبيا، دون أن تنجز البلاد أي خطوة متقدمة باتجاه المسار الانتخابي، مخلفة بذلك تحديات قائمة أمام محاولات حلحلة هذه الأزمة. إلا أن موافقة مجلس الأمن على تمديد ولاية البعثة الأممية لمدة ثلاثة أشهر قادمة تؤشر إلى تركز الجهود الدولية والأممية على دعم المسار الدستوري للإعداد للانتخابات، كخطوة في الاتجاه الصحيح لحل الأزمة.

رغم العديد من المسارات التفاوضية الليبية التي لا تزال جارية، أعلنت الأمم المتحدة مغادرة ستيفاني ويليامز منصبها كـ”مستشارة خاصة” للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، في 31 يوليو الفائت، دون تعيين بديل لها، واستمرار القائم بأعمال رئيس البعثة رايزيدون زينينغا، في منصبه، مع استمرار الخلاف داخل مجلس الأمن على تسمية رئيس جديد لبعثة المنظمة الدولية.

وكان مجلس الأمن الدولي قد قرر، في 28 من الشهر نفسه، تمديد ولاية البعثة الأممية لمدة ثلاثة أشهر، بعد تعذر تسمية مبعوث أممي بديل ليان كوبيتش، الذي استقال من منصبه في نوفمبر الماضي. وتعد هذه المرة الرابعة التي يُجدد فيها مجلس الأمن تمديد ولاية البعثة، دون تسمية مبعوث أممي جديد لقيادتها، بسبب خلافات بين الدول الأعضاء خصوصاً روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

اختلافات دولية

منذ ذلك الحين، أي منذ استقالة يان كوبيتش من منصبه، لم يحدث التوافق داخل مجلس الأمن على خلف له، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش لتعيين الأمريكية ستيفاني ويليامز مستشارة خاصة له للشأن الليبي، في خطوة لاقت معارضة كبيرة بسبب الاختلافات بين الدول الأعضاء. وقد تمثلت أهم هذه الاختلافات فيما يلي:

1- التباين حول قصر مدة تمديد الولاية: رغم تمديد مجلس الأمن تفويض البعثة الأممية في ليبيا ثلاثة أشهر إضافية، بعدما تعذر إصدار قرار بتمديد الولاية 12 شهراً، بسبب معارضة موسكو التي تطالب بتعيين رئيس جديد للبعثة؛ فقد صوت على قرار التمديد 12 عضواً فقط، وامتنعت المجموعة الأفريقية، التي تضم كينيا والجابون وغانا، عن التصويت بسبب قصر مدة الولاية.

إلا أن القائم بأعمال الممثل الدائم لروسيا استنكر المدة القانونية الطويلة، قائلاً: “ليس من الطبيعي أن تكون بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مقطوعة الرأس لفترة طويلة، مما يحد من الأدوات المتاحة لها لدعم الحوار الليبي”.

2- الخلاف حول مدى حيادية ستيفاني ويليامز: توسعت المناكفات السياسية بين موسكو وواشنطن بشأن القضايا الليبية الراهنة، وانتقلت من حيز الاعتراضات على وجود المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وكيفية إخراجهم من البلاد، إلى وضعية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وقد وصل الخلاف داخل مجلس الأمن إلى أشده بينهما بعد تجديد روسيا اعتراضها على استمرار تولي مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة مسئولية البعثة. وكانت روسيا قد منعت مرتين متتاليتين قراراً بتكليف الدبلوماسية الأمريكية السابقة ويليامز بمدة قانونية طويلة؛ بسبب أنها -حسب الرؤية الروسية- “طرف غير محايد”، يعمل من أجل صالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفيذ أجندتها في ليبيا، وهو الأمر الذي نفته واشنطن.

3- النزاع على تعيين رئيس جديد للبعثة الأممية: دفعت التعقيدات التي واجهها غوتيرش من بعض الدول المعترضة على تعيين مبعوث جديد لليبيا، في ظل تعدد الرغبات وتقاطعها بين واشنطن وموسكو؛ إلى محاولة تجاوز ذلك عبر تعيين ستيفاني ويليامز تحت اسم “مستشارة خاصة للأمين العام”، وهو الاسم الذي لم يسبق للبعثة اعتماده في ليبيا من قبل.

اتهامات متبادلة

اللافت للنظر أن ستيفاني ويليامز لم تشأ أن تغادر منصبها دون الإدلاء بتصريح مثير للجدل، انتقدت فيه السياسيين الليبيين الذين وجهوا بدورهم انتقادات لها حول أداء البعثة الأممية للدعم في ليبيا. ففي آخر تصريح لها، في 30 يوليو الفائت، تحدثت ويليامز عن علاقتها بالنخبة السياسية الليبية، قائلة: “حذرت الجميع بعد إلغاء الانتخابات نهاية العام الماضي، من أن الطبقة السياسية ستلعب لعبة الكراسي الموسيقية”. وأكدت ويليامز على أن “بعض الأشخاص اختطفوا المستقبل السياسي في ليبيا”، وأضافت: “خلال مدة عملي على الملف الليبي، منذ 4 سنوات ونصف سنة، أستطيع أن أصف الطبقة السياسية في ليبيا بأنها انتهازية وتتبع مصالحها الخاصة”، حسب وصفها.

في حين حمَّل سياسيون ليبيون كثيرون البعثة الأممية، وعلى رأسها ويليامز، مسئولية “تعقيد القضية” الليبية من خلال ترحيل الأزمة. ورغم أن ويليامز تولت منصبها في إثر مؤتمر دولي وضع مسارات واضحة للحل في ليبيا؛ فإن الليبيين اتهموها بالتحيز وعدم القدرة على إدارة الملف الليبي.

ومن بين الاتهامات الموجهة إليها محاولة استبدال المؤسسة التشريعية الليبية (البرلمان) من خلال إنشاء ما يُعرف بالملتقى السياسي الليبي في تونس، ورغم ذلك فقد وافقت الأطراف الليبية على خارطة الطريق المنبثقة عنه. فضلاً عن ذلك، انتقد الليبيون البعثة لسماحها بترشح عدة أشخاص للانتخابات الرئاسية، رغم تعهدهم بعدم الترشح، مما تسبب في إعلان “القوة القاهرة” وتعذر إجراء الاستحقاق؛ إلى جانب عدم إحراز أي تقدم في المسار الاقتصادي، وتعثر مساعي توحيد المصرف المركزي والمؤسسات السيادية.

كما ساءت الأمور أكثر وعاد الملف الليبي إلى المربع الأول بعودة الانقسام السياسي بين حكومتين متوازيتين، والاشتباكات بين المليشيات؛ وذلك بعد إعلان ويليامز فشلها في التوصل إلى اتفاق على النقاط الجوهرية بخصوص المسار الدستوري، بعد عدة جولات بين الفرقاء الليبيين في القاهرة.

عقبات رئيسية

نتيجة التعثر الواضح في إدارة الملف الليبي من جانب البعثة الأممية للدعم في ليبيا، تظل التحديات قائمة في اتجاه محاولة حلحلة هذه الأزمة الممتدة لسنوات طويلة. وتتمثل أبرز هذه التحديات فيما يلي:

1- الانقسام السياسي بين حكومتين متوازيتين: رغم أن حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة قد انتهت ولايتها “محلياً” بانتخاب حكومة فتحي باشاغا من قبل مجلس النواب، و”دولياً” بانتهاء اتفاق جنيف، في 21 يونيو الماضي، وفق خريطة الطريق التي تولى بموجبها عبد الحميد الدبيبة حكومة الوحدة الوطنية؛ إلا أن الأخير رفض التخلي عن السلطة لحكومة باشاغا، التي تحاول ممارسة مهامها من مدينة سرت، بعد تأكيد الدبيبة أنه لن يسلم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات.

وفي ظل هذا الانقسام السياسي، تجد ليبيا نفسها من جديد أمام مشهد مشابه لما كان الحال عليه عام 2015، أي حكومتان على الأرض لكل منهما جناح عسكري؛ وهو ما يدفع إلى التأزم والاحتقان، خاصة بعد فشل محادثات القاهرة في التوصل إلى قاعدة دستورية توافقية، تعبر بالبلاد إلى ضفة التحول الديمقراطي، عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

2- فوضى السلاح وانتشار المليشيات المسلحة: في ظل هشاشة النظام الأمني، وانقسام أجهزة الدولة، تعد قضية المليشيات المسلحة وفوضى السلاح في عموم ليبيا من المشكلات التي تعوق الحلول السلمية هناك. بل إن الحكومة المنتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة لم تقم بدورها المنوط بها في تدعيم المؤسسات الرسمية في البلاد، ومحاولة استعادتها وهيكلتها، كما كان يُفترض بها؛ ولكن على العكس قامت بدعم المليشيات والاستقواء بها، وما الاشتباكات التي دارت بين أنصار الدبيبة وداعمي باشاغا عندما حاول الأخير دخول العاصمة طرابلس لممارسة حكومته -التي حصلت على تكليف من البرلمان- مهامها، إلا مجرد مثال.

تقاطع السياسات

في هذا السياق، يبدو أن موافقة مجلس الأمن على تمديد ولاية البعثة الأممية لمدة ثلاثة أشهر تؤشر إلى أن الجهود الدولية والأممية سوف تتركز على دعم المسار الدستوري الذي تحتضنه القاهرة للإعداد للانتخابات، التي تُمثل أهم الخطوات ذات الاتجاه الصحيح في محاولات حلحلة الأزمة الليبية.

إلا أن الانقسام السياسي الحاصل على الساحة الليبية، مع انتشار المليشيات المسلحة بهذا الشكل الذي يعوق المسار السياسي، يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام إدارة دولية للأزمة الليبية، سواء بتدخل مباشر لبعض الدول صاحبة القرار، والمتنفذة في تفاعلات الساحة الليبية، أو عبر آليات دولية مختلفة، أو من خلال تنشيط دور المجلس الرئاسي ليتخذ خطوات تشريعية وتنفيذية؛ وهو ما يعني أن الملامح الرئيسية للمرحلة القادمة تتسم بما يمكن أن يطلق عليه “تقاطع السياسات” بخصوص حلحلة هذه الأزمة.