التأسيس لجمهوريات جديدة – الحائط العربي
التأسيس لجمهوريات جديدة

التأسيس لجمهوريات جديدة



يبدو جليّاً أنّ كلمة السرّ في كل من الجزائر وتونس ومصر، هي «الجمهورية الجديدة». وبالرغم من أنّ تغيّب تنظيرات حقيقية لمفهوم هذه الجمهوريات الجديدة، إلاّ أنّه يتبيّن لنا على الأقلّ عنصر أساسي وهو استعادة الدولة لدورها الفاعل والقويّ.
 ليس ضرورياً أن تكون التجارب مستنسخة عن بعضها، ولكن هناك قواسم مشتركة، اتفق الفاعلون في هذه «الجمهوريات الجديدة» على تنفيذها واختيارها نهجاً للحكم ولضبط علاقة الدولة بالمجتمع. ويمكن أن نعدد في ما يلي بعض ميزات هذه الجمهوريات الجديدة وذلك من خلال:
 – تنشأ هذه الجمهوريات «الحالة / النمط» السياسي الجديد من رحم خيبات ما سمي ب«الربيع العربي»، والذي بلغت معه هذه الدول مستويات من التراجع الاقتصادي والفشل في إدارة شؤون المجتمع. كما تنبعث هذه الجمهوريات الجديدة من رحم المخاطر التي أحدقت بها من كل جانب وخاصة مع وصول الإسلاميين للحكم، حيث بات شبح الانقسام يخيّم على المجتمع، عندما عمل الإسلاميون على تقسيم المجتمع إلى «علمانيين» معادين للإسلام، و«أنصار الإسلام» الذين رفعوا شعارات من قبيل «الإسلام في خطر» و «الشعب مسلم ولن يستسلم» وهؤلاء تمظهروا في تجمعات كانت أبرز صورها تنظيم «داعش».
 – إنّ الدافع إلى هذه الجمهوريات الجديدة، هي مساعي إمبراطوريات الفساد للتمكن من مفاصل الدولة، في مصر والجزائر وتونس، ونجحت فعلاً في مراحل معينة ما بعد 2011، في شلّ حركة الاقتصاد، وفي ظهور طبقة أثرياء الحرب/ أثرياء انهيار الدولة الوطنية. وفي ذات الوقت تم إغراق الدولة في المديونية وفي المطالب الاجتماعيّة المتصاعدة، وهكذا صارت هذه الطبقة هي المتحكمة فعليا في مفاصل الاقتصاد وتؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاجتماعي. وقد شنت الجزائر حملة واسعة ظهرت في محاكمة عشرات الأسماء التي كانت تشكل بارونات فساد، وذات الأمر فعلته مصر، أما تونس فهي بصدد وضع خطوات ملموسة لسحب البساط من بارونات الفساد وتبدو الحرب غير بسيطة.
 إنّ «الجمهوريات الجديدة» تعمل بشكل شبه متناسق على رسم طريق واضح تستعيد من خلاله الدولة أدوارها الاقتصادية والاجتماعيّة وإحياء جوانب من أدوار الدولة التي نهضت بالمجتمع خلال العقدين اللذين تبعا استقلال هذه الدولة وتم فيهما ترسيخ المؤسسات السياسية والاقتصادية التي نجحت في تغيير المجتمع في تلك الدول. ويمكن أن نرسم ملامح هذه النظام السياسي المحقق لفاعلية الدّولة:
 – تعمل الدولة في الجمهورية الجديدة على استعادة دورها الاقتصادي والتنموي بشراكة مع القطاع الخاصّ، دون إيلاء أهمّية للانتقادات التي توجه لها من هذا الطرف أو ذاك.
 – يقع بصورة واضحة تحجيم دور الأحزاب السياسية، دون أن يتمّ منعها. ولكن يتم تغليب منطق الدولة ومصلحتها العليا على المنطق الحزبي الضيق ومصالح أتباع الحزب الضيقة. فهذه الأحزاب هي التي كانت وراء كلّ الأزمات التي عاشتها الدول خلال العشرية السوداء.
 – يتمّ في إطار الجمهورية الجديدة التعويل على القدرات التنموية الهائلة لمؤسسة الجيش في كل من مصر والجزائر في تنفيذ المشروعات الضخمة، وذلك للحد من الكلفة وثانياً للحد من الفساد في الصفقات العمومية. كما كلف الرئيس قيس سعيّد مؤسسة الجيش التونسي بإنجاز دراسات المدينة الطبية وهي أحد أضخم المشاريع الصحية في شمال إفريقيا، وفعلاً كان الجيش في المستوى المأمول وتمت الدراسات في وقت وجيز.
 – تعمل الجمهوريات الجديدة على معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية اعتماداً على الكوادر العليا للدول والتي تمتلك مهارات التخطيط والتنفيذ بعيداً عن الغوغائية الحزبية التي فشلت في تقديم أية منجزات حقيقية خلال العشر سنوات الماضية.
 ومن غير المتوقع أن تظهر نتائج هذه التوجهات السياسيّة الجديدة ويشعر المواطن بتحسن في مستوى معيشته بعد عشر سنوات من الخراب. ولكن على الأقل عملية إعادة البناء انطلقت وإن قطعت أشواطاً مهمة في مصر، فإنّ الوضع في الجزائر يتحسن بخطى بطيئة، ولكن عامل «الطاقة» سيكون له دور حاسم في رفد عملية البناء. وتبقى التجربة التونسية، معتمدة على القدرات الذاتية، ولكن التونسيين أثبتوا أنهم في كل مرة قادرين على صنع المعجزات رغم قلة الموارد.

نقلا عن الخليج