البُعد العربى وحده ينقذ لبنان – الحائط العربي
البُعد العربى وحده ينقذ لبنان

البُعد العربى وحده ينقذ لبنان



الكتابة عن لبنان ليست سهلة، وربما تكون أصعب لمَن عمل سفيرًا لبلاده هناك، واقترب من شعبها وعمّق من صداقاته وصلاته بناسه وقياداته، وفى كل مرة أتردد، وأكتب أحيانًا بعد إلحاح أو عندما يتزايد قلقى بشأن مستقبل هذا البلد الشقيق، ومع امتداد الأزمة التى تتفاقم منذ أعوام أجدنى مضطرًا لبعض خواطر.

وكلنا نتابع استمرار أزمة تشكيل الحكومة والمقاومة الشديدة التى يواجهها رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريرى، ثم المواجهة التى نشبت بينه وبين الرئيس ميشال عون، وفى نفس الوقت تواصل حكومة تصريف الأعمال المستقيلة، برئاسة حسان دياب، عملها البطىء والمتردد، فهى حتى بحكم القواعد الدستورية مشلولة بكونها حكومة مستقيلة وفقط تصريف للأعمال. والمفروض أن «الحريرى» يريد تشكيل حكومة خبراء وليس حكومة محاصصة، والطرف الآخر أو معسكر الرئيس لا يقتنع بهذا، فعنده أن تكليف شخصية سياسية حزبية، وهو «الحريرى»، سيعنى بالضرورة تشكيل حكومة تقليدية، وهو، أى معسكر الرئيس، يتجاهل هنا أن هذه طبيعة النظام السياسى الطائفى، الذى يفرض رئيسًا سُنيًا مادام رئيس الجمهورية مارونيًا، وأن هذه ضمانة كافية لكل الأطراف لأنه لابد من اختيار أحد طريقين، الأول الطريق التقليدى الذى اعتادت عليه لبنان، والذى وصل إلى طريق مسدود مؤخرًا، وقوامه تشكيل حكومة ائتلافية من أغلب القوى السياسية للحصول على دعم البرلمان، أما الطريق الثانى، الذى طُرح بعد موجة الاحتجاجات الشعبية، فهو تكوين حكومة من الاختصاصيين لإدارة عملية الإصلاح، وقد فشلت هذه المحاولة مع حكومة «دياب» واتّضاح انحيازها إلى معسكر الرئيس «عون».

فى الحقيقة أننى أتفهم المنطق الذى يثيره البعض من أنه لا يوجد إلا قلة فى لبنان خارج منظومة المعادلات السياسية الطائفية، ولكن الشواهد تشير إلى أن هناك تيارات جديدة تتصاعد فى هذا الاتجاه اللاطائفى، وتريد تغيير منظومة الحياة، وأن القول بتهميش هذا التيار المتصاعد غير حكيم، كون هذا سيعقد الحياة أكثر، وستتسع نسبة التهميش والإحباط داخل المجتمع اللبنانى، فقد دخل هذا المجتمع ونظامه السياسى فى نفق معقد، ولا يمكن الاستمرار بلا حدود فى ممارساته التقليدية.

ومن هنا، فنظريًا وعمليًا يستطيع «الحريرى» أن يشكل حكومة أغلبها من الخبراء دون أن يكون هو نفسه من هؤلاء المحايدين، والحياد هنا نسبى فى جميع الأحوال، ويكون التوازن هنا من استمرار شخص الرئيس عون الحزبى، وكذا شخص الرئيس سعد الحريرى الحزبى، دون أن تتواصل العرقلة التى يقوم بها جناح الرئيس لأن الحجة ضد «الحريرى» هى نفسها ضد «عون»، ومن ثَمَّ يعطل القول بها أى إصلاح للنظام السياسى، فليس معقولًا الإصرار على أن يكون رئيس الوزراء غير حزبى، وفى نفس الوقت يستمر الرئيس حزبيًا، هذه المعضلة ببساطة تلخص أزمة التيار الذى يمثله الرئيس، فمن الواضح أن الأزمة الاقتصادية تتفاقم، وتواصل الليرة اللبنانية تدهورها، وكذا الاحتياطى الأجنبى للبلاد، وترتفع نسبة الفقر بشكل غير مسبوق، إلى آخر ما هو معروف عن أزمة هذا الاقتصاد، التى سبق لى هنا عرض تفاصيل أكبر بشأنها وكونه اقتصادًا ريعيًا أكثر مما هو إنتاجى سواء صناعيًا أو زراعيًا.

السؤال الذى يجب أن يطرحه كل لبنانى هو: كيف تخرج لبنان من هذا النفق المظلم وأى سيناريوهات يمكن تطبيقها؟، وفى الحقيقة أن محور التفكير الرشيد هو ببساطة اكتشاف أنه لا مخرج من أزمة لبنان إلا بتأكيد انتمائها العربى، وبدعم عربى حقيقى، والأمر واضح اقتصاديًا، فلا توجد أطراف خارجية ولا إقليمية غير عربية سبق لها فى أى مرحلة تاريخية تقديم دعم اقتصادى أو مالى حقيقى للبنان، والطرف الإقليمى الذى يستخدم ورقة لبنان كأداة تساومية فى حساب الصراعات والتوازن الإقليمى- أى إيران- لا يملك القدرة ولا الرغبة فى دعم جهود لبنان لإنعاش اقتصادها، بل بالعكس يبدو أنه يوظف هذه الورقة لحساباته الاقتصادية كذلك وليس فقط السياسية، كما أن انتعاش قطاع السياحة، الذى كان يعتمد عليه جزء كبير من المجتمع اللبنانى لتشغيل كثير من قطاعاته الخدمية، يعتمد بدرجة كبيرة على السياحة العربية، وهى فى الأساس الخليجية والمصرية، وفى السنوات الأخيرة وقبل أزمة «كوفيد- 19» كان غياب دول الخليج قد دفع بمصر إلى أن تتصدر السياحة إلى لبنان.

وعلى الصعيد السياسى ما يجب تذكُّره دومًا أن صيغة التعايش فى لبنان واستمرارها مرتبطة بقوة الهوية العربية كرابط لأغلب مكونات لبنان الطائفية، ودون هذا الرابط يصبح الكيان اللبنانى مهتزًا ومُشوَّشًا بشدة، بالضبط مثلما أن الحفاظ على لبنان مهم للحفاظ على الهوية العربية ذاتها. المؤسف أن أهم دروس الحرب الأهلية اللبنانية، والتى استوعبها جزء مهم من مارونى لبنان، ينساها اليوم بعض طائفة أخرى- كانت تاريخيًا فى مقدمة المد القومى العربى- وهذه الدروس أن هوية لبنان العربية هى ضمان استمراره.

نقلا عن المصري اليوم.