اليوم التالي:
البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب 

اليوم التالي:

البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب 



تنشغل بعض مراكز الفكر في واشنطن وعواصم أوروبية بمستقبل إدارة قطاع غزة بعد سكوت المدافع وانتهاء الحرب الرامية إلى إسقاط حكم حماس والقضاء على بنيتها التسليحية والصاروخية. ومن أبرز السيناريوهات الافتراضية إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وعودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، ووضع غزة تحت إدارة الأمم المتحدة، وإدارة عربية مشتركة بدعم غربي لغزة، وإدارة مدنية فلسطينية مشتركة ومختلطة حيث تتمثل هذه الإدارة المدنية الفلسطينية في ممثلين لسكان غزة، بمن فيهم رؤساء البلديات، مع وجود علاقة وثيقة لهذه الإدارة المدنية مع السلطة الفلسطينية.

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية البحث في مستقبل القطاع، وملامح إدارته، في مرحلة ما بعد الحرب، وهو ما انعكس في تأكيد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، خلال جلسة استماع للجنة المُخصصات بمجلس الشيوخ، في 31 أكتوبر الماضي، على أن “الولايات المتحدة ودولاً أخرى تدرس مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة”، في حال تم عزل حركة حماس من حكمه. وأشار بلينكن إلى أن “الوضع الراهن الذي تتولى فيه حماس المسؤولية في القطاع المكتظ بالسكان، لا يمكن أن يستمر”؛ لافتاً إلى أن الأمر الأكثر منطقية، في مرحلة ما، هو “وجود سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة” تتولى حكم غزة.

وكما يبدو، فقد أشار بلينكن إلى أكثر من احتمال، بخصوص كيفية إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب؛ ففي حال عدم توافر “سلطة فعالة ومتجددة”، فهناك ترتيبات مؤقتة غير ذلك، أكد عليها وزير الخارجية الأمريكي بقوله: “قد تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة، وقد تشمل وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم”.

مشاهد مستقبلية

تتعدد المشاهد المستقبلية، التي تخص مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب لدائرة حالياً. ولعلّ أهم هذه المشاهد يبدو كما يلي: 

1- إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزةحيث يبدو أحد الاحتمالات المستقبلية أن تقوم إسرائيل بالسيطرة المباشرة عسكرياً على كامل قطاع غزة، مثلما قامت به من قبل، في عام 2005. إلا أن هذا الاحتمال، تبعاً لمجريات ما هو دائر حالياً بين إسرائيل وحماس، ينقسم إلى أحد بعدين اثنين: الأول، هو قيام إسرائيل بالاحتلال الكامل للقطاع، في حين يتمثل الآخر في تقسيم غزة إلى نصفين تقريباً بين شمال محتل وجنوب فلسطيني.

وفي كلا الحالين، التقسيم أو الاحتلال الكامل، فإن عودة إسرائيل كـ”قوة احتلال” إلى قطاع غزة هي مهمة صعبة تتطلب إبقاء أعداد كبيرة من القوات في غزة، خلال المستقبل المنظور على الأقل، بما يعنيه ذلك من إشكاليات لا تستطيع إسرائيل تحملها؛ خاصة أن مثل هذه الخطوة سوف تُطلق مقاومة مسلحة جديدة، فضلاً عن آثارها الخطيرة على مسألة “التوازن” الإقليمي في المنطقة. أضف إلى ذلك، ما سوف يظهر من توتر في العلاقة بين إسرائيل وبعض الدول العربية التي أبرمت معها اتفاقيات سلام، أو تلك التي تعتزم القيام بذلك.

2- عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزةوهو الاحتمال الذي يبدو في أُفق مستقبل غزة بعد الحرب، رغم أنه احتمال ينتابه عديد من نقاط الضعف. وتبدو أهم نقاط ضعف هذا الاحتمال فيما أشار إليه وزير الخارجية الأمريكي، من ضرورة وجود “سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة”، وهي إشارة إلى عدم تجدد قيادة السلطة الفلسطينية منذ سنوات طويلة، أي منذ آخر انتخابات أُجريت في عام 2005. هذا، فضلاً عن ضعف محمود عباس الواضح وعدم شعبيته، بل وسلطته المحدودة حتى في المناطق الخاضعة لحكم السلطة الفلسطينية، بسبب ضعف أداء الحكومة. 

ثم إن من أهم نقاط الضعف في هذا الاحتمال أيضاً، دخول السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، في حال انتصرت إسرائيل على حماس، وتمكنها من “تقليم أظافرها”، ففي هذه الحال سوف يُنظر إلى السلطة على أنها منتفعة من الحرب، واستولت على حكم غزة على حساب أرواح الضحايا والشهداء من الفلسطينيين سكان قطاع غزة. ورغم ذلك، يبدو أنه من الضروري أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً مهماً في أية مشاهد مستقبلية تخص مستقبل القطاع، وكيفية إدارة شؤونه.

3- وضع غزة تحت إدارة الأمم المتحدة: ورغم أن هذا يبدو أحد الاحتمالات المرشحة لكيفية إدارة القطاع بعد الحرب الحالية، إلا أنه يبدو أضعف الاحتمالات في إمكانية تحققه، أو تحقيقه. صحيح أن الأمم المتحدة يمكن أن تتولى إدارة منطقة يدور فيها صراع مسلح، في مرحلة ما بعد هزيمة أحد أطراف هذا الصراع، وذلك كما حدث كمثال في كوسوفو أو تيمور الشرقية؛ إلا أنه يبقى من الصحيح أيضاً أن الوضع في قطاع غزة يجعل من هذا الاحتمال غير واقعي، من حيث إن الصراع يأتي في بؤرة الاهتمام الدولي، فضلاً عن انخراط قوى متعددة فيه، دولية وإقليمية، وإن بشكل غير ظاهري.

وربما يتوازى مع هذا الاحتمال، في حال استطاعت إسرائيل إزاحة حماس عن معادلة قطاع غزة، إمكانية وضع “قوة متعددة الجنسيات”، قد تشمل قوات أمريكية. أو يتوازى معه أيضاً إمكانية إنشاء “قوة حفظ سلام”، مثل تلك التي تُشرف على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وبهذا يتم وضع غزة تحت إشراف مؤقت للأمم المتحدة.

4- إدارة عربية مشتركة بدعم غربي لغزةويأتي هذا الاحتمال كأحد الاحتمالات المطروحة بشأن إدارة قطاع غزة، وفي الوقت نفسه يبدو أنه مدعوم من قوى غربية متعددة، خاصة في ظل إشارة بلينكن إلى أنه في حال عدم التمكن من توفير سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة، فهناك “ترتيبات مؤقتة غير ذلك، قد تشمل عدداً من الدول في المنطقة”.

ويستند الدعم الذي يُلاقيه هذا الاحتمال، من القوى الغربية، إلى أنه يأتي في إطار أخذ الدول العربية زمام المبادرة في إدارة قطاع غزة، بالتعاون مع “السلطة الفلسطينية”؛ ففي ظل هذا الاحتمال، كما يرى الغرب، مصلحة لبعض الدول العربية، تلك التي لديها تحفظات قوية على حركة حماس، باعتبارها الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين. فمصر اتخذت إجراءات ضد الجماعة وفروعها، وقامت بتصنيفها كـ”حركة إرهابية”، وكذلك فعلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في اتخاذهما حملات ضدها.

5- إدارة مدنية فلسطينية مشتركة ومختلطة: ويبدو هذا الاحتمال كأكثر الاحتمالات واقعية، رغم صعوبته الكبيرة، في كيفية إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب؛ حيث تتمثل هذه الإدارة المدنية الفلسطينية في ممثلين لسكان غزة، بمن فيهم رؤساء البلديات، مع وجود علاقة وثيقة لهذه الإدارة المدنية مع السلطة الفلسطينية.

وكما يبدو فإن الدول العربية الرئيسة يمكن أن تدعم مثل هذا الاحتمال، من حيث واقعيته، مثل مصر والإمارات والسعودية، رغم أن استمراره لا يُمكن أن يطول إلا لفترة زمنية قصيرة. ورغم ذلك، فإنه يُمثل الاحتمال الأفضل بكثير من أي احتمال آخر، على الأقل من منظور الفترة الزمنية التي يمكن فيها تجديد السلطة الفلسطينية، وتغيير قياداتها الحالية.

مستقبل غامض

في هذا السياق، يُمكن القول إنه رغم تعدد المشاهد المستقبلية، التي يبدو عليها مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب الدائرة حالياً، إلا أن الواضح هو “غموض مستقبل” القطاع، في ظل هذا التعدد، وفي ظل تقاطع الاستراتيجيات الدولية بخصوص كيفية إدارة هذا القطاع بعد الحرب.

رغم ذلك، يبدو أن كافة المشاهد المستقبلية، بما تتضمنه من احتمالات، تلتقي عند نقطة مؤكدة هي عدم ترك “فراغ في سلطة الحكم في غزة”؛ من حيث إن مثل هذا الفراغ سوف تملؤه الفوضى وجماعات العنف. ولعل التجربة التاريخية تؤكد ذلك، إذ إن تجربة فراغ السلطة في أفغانستان، ساهم في اجتذاب تنظيمات أكثر تطرفاً من طالبان، مثل داعش، وفي حال استطاعت إسرائيل الانتصار على حماس، فسيكون البديل هو “الجهاد الإسلامي”، الذي يُعتبر أكثر تشدداً تجاه إسرائيل من حماس.

هذا مع الأخذ في الاعتبار أن الاحتلال العسكري لا ينجح كثيراً في تحقيق أهدافه السياسية، ولا يؤدي بالضرورة إلى زيادة الأمن، فإذا أرادت إسرائيل احتلال القطاع، أو تقسيمه واحتلال نصفه الشمالي، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر مع مصر، نتيجة تزايد أعداد الفلسطينيين في جنوب غزة، وبالتالي في منطقة معبر رفح، وفي الوقت نفسه يمكن أن يزيد التوتر مع جبهة جنوب لبنان، حيث حزب الله الذي يمكن أن ينجر إلى حرب مع إسرائيل، تؤدي إلى حرب “متعددة الجبهات”، خاصة إذا ما تمت إضافة الحوثيين في اليمن، والمليشيات الإيرانية في سوريا إلى هذه الجبهات.