محددات حاكمة:
الارتدادات المحتملة لزيارة بايدن على الملف اليمني

محددات حاكمة:

الارتدادات المحتملة لزيارة بايدن على الملف اليمني



في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست”، وقبيل زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو الجاري، أبرز الرئيس الأمريكي جو بايدن جهوده الشخصية ودور إدارته في ملف الأزمة اليمنية، مدللاً على ذلك بـ”الهدوء” الذي تشهده الساحة اليمنية في ظل الهدنة الحالية، وانعكاساته على الأوضاع الإنسانية. ومن زاوية أخرى، ألمح إلى تقاطع الملف اليمني مع قضية أمن الممرات الملاحية بالشرق الأوسط، في إشارة إلى التهديدات الملاحية التي تفرضها إيران والمليشيا الحوثية على مسار الحركة النفطية والتجارية التي تشكل إحدى المصالح الأمريكية.

وبشكل عام، يبدو أن الرئيس بايدن يسعى من خلال الزيارة إلى استكمال هذه الجهود، عبر دعم مسار التكامل الأمني بين العديد من الشركاء في المنطقة، إضافة إلى تعزيز الدور الأمني الأمريكي في إدارة وتنسيق الترتيبات الأمنية من المنظور الأمريكي في إطار عملية إعادة التموضع الأمريكي بالشرق الأوسط.

وفي واقع الأمر، يمكن قراءة مقال الرئيس الأمريكي بشكل عام على أنه يتضمن في المقام الأول رسائل إلى الداخل الأمريكي فيما يتعلق بالطاقة، لكنه يوحي أيضاً بأن إدارته تمارس دوراً في عملية تهدئة الصراعات وتسوية الأزمات بالشرق الأوسط، بما يعني أنه لن يعيد إرسال قوات أمريكية أو أسلحة هجومية إلى المنطقة، وإنما يسعى إلى التأسيس لإطار دفاعي يُؤمِّن المنطقة من التهديدات التي تشكلها إيران. ومن هنا تأتي الأزمة اليمنية كقضية محورية في هذه الاستراتيجية، بل وكقضية رئيسية تجمع كافة المداخل لسياسة الإدارة في المنطقة. فهي تعكس كيف يمكن للإدارة القيام بفض تشابكات معقدة في الشرق الأوسط، وكيف يمكن أن تُؤمِّن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، من خلال السياسة الناعمة التي يفضلها أغلب الديمقراطيين، وفي المقدمة منها الدور الإنساني والعمل على وقف الحروب وخفض الصراعات.

متغيرات عديدة

وفق ما كتبه بايدن، يبدو أنه اختزل المتغيرات التي تشهدها الساحة اليمنية في جهود إدارته ومبعوثه تيموثي ليندركينج، وهو ما يؤكد مرة أخرى على أن الخطاب للداخل الأمريكي. فمن الناحية الواقعية، فإن الجهد الرئيسي لهذه المتغيرات قام به مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمة دوله السعودية والإمارات، وكذا الأمم المتحدة، بالإضافة إلى جهود مصر والأردن أيضاً. لكن من الأهمية بمكان في السياق ذاته الإشارة إلى أن بايدن يشير في “واشنطن بوست” إلى محصلة جهود إدارته والخطوط العريضة للرؤية الاستراتيجية التي تتماشى مع المصالح الأمريكية.

وعلى الجانب الآخر، قامت القوى العربية بتحركات هي الأخرى بشكل استباقي للزيارة لبلورة رؤيتها منها، وما سيطرح على الطاولة بشأن تلك القضايا وبالتبعية قضية اليمن. لكن قبيل تناول هذه الرؤية من الأهمية بمكان الإشارة إلى عدة نقاط ذات صلة، منها على سبيل المثال:

1- المنظور الخليجي للدور الأمريكي في اليمن: اتسمت النظرة الخليجية بحالة من الشك، وربما انعدام الثقة، إلى حد ما -وفق مراقبين خليجيين- في دور واشنطن المتراجع تجاه دعم الدفاع الخليجي في مواجهة تهديدات إيران عبر وكيلها الحوثي في اليمن، وأبرز مثال لذلك سحب واشنطن عدداً من منظومات “باتريوت” من السعودية، بالإضافة إلى وقف تصدير بعض الأسلحة، دون خطة سياسية أو عسكرية لردع الهجمات الحوثية المدعومة إيرانياً، وهو ما اعتبره المراقبون تخلياً أمريكياً عن دعم الشركاء في المنطقة.

2- الربط بين الاتفاق النووي والتمدد الإيراني: تمثلت إحدى النتائج المترتبة على الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ في أنه سمح بهامش أكبر من التهديدات الإيرانية، على نحو انعكس في تنامي إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، وبالتبعية ارتفاع معدلات الهجمات العدائية ضد السعودية، والتهديدات الملاحية التي كانت الأعلى من نوعها خلال تلك الفترة. فإلى جانب استهداف قطع بحرية عسكرية وتجارية تابعة للتحالف في الساحل الغربي من اليمن، شن الحوثيون هجومين متتاليين تم إحباطهما على المدمرة الأمريكية “يو إس إس مايسون” (أكتوبر ٢٠١٦). ومثّلت هذه المؤشرات دافعاً لدى القوى الإقليمية للتركيز على أهمية الربط ما بين إعادة إحياء الاتفاق وكبح التمدد الإيراني في المنطقة، ومن بينها الساحة اليمنية بشكل رئيسي، بالنظر لما تفرضه من تهديد مباشر لأمن الخليج، لكن يبدو أن حسابات واشنطن مختلفة من هذه الزاوية.

3- الرؤية الأمريكية لعملية السلام في اليمن: لم يشر الرئيس بايدن إلى إمكانية تحقيق عملية السلام في اليمن. وربما من الناحية الواقعية لا يزال من المبكر الوصول إلى هذه المرحلة، لكن الإدارة الأمريكية تطمح في أن تهيئ الهدنة الحالية الطريق إلى عملية وقف إطلاق النار، إلا أنها تظل مسألة مستبعدة في الوقت الراهن، إذ إن الهدنة هشة إلى حد كبير، وتستغلها المليشيا الحوثية سياسياً في الحصول على مكاسب مثل فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بما يخفف من الضغوط الاقتصادية عليها. كما تستغلها في إعادة عملية التعبئة العسكرية مرة أخرى، وبالتالي من المتصور أنها قد تعاود العمليات العسكرية وليس البناء على ما سبق خلال فترة الهدوء النسبي. ومن ثمّ فإن الرهان الأمريكي على الانتقال إلى وقف إطلاق نار أو عملية سياسية ليس مبنياً على أرضية قوية، إضافة إلى أن المليشيا الحوثية هي الأخرى تترقب الزيارة الأمريكية التي قد توجه خلالها رسائل معينة، أو تسعى إلى القيام بترتيبات مضادة في أعقابها بالتعاون مع إيران بطبيعة الحال. ومن ثم لا يُعتقد أن الزيارة الأمريكية بإمكانها أن تحدث اختراقاً في هذا الجانب.

4- بدائل واشنطن لمواجهة التهديدات: وفق مقال بايدن، هناك إشارة واضحة إلى ما أطلق عليه “التكاملية الدفاعية” في المنطقة، حيث يمكن دعم القوى التي تتشارك في التهديدات الإيرانية عسكرياً لردع هذه التهديدات، كما يمكن أن تُسهم في تأمين المسارات الملاحية بالمنطقة أيضاً لتفادي تلك التهديدات. لكن هذا الأمر قد ينطوي على تحديات عديدة، إلا أن التحدي الرئيسي يتمثل في الارتدادات العكسية، خاصةً مع محاولات إدماج إسرائيل ضمن تلك الترتيبات، وهي الخطوة التي قد تشكل مبرراً لدى إيران لمضاعفة تهديداتها الإقليمية، خاصة وأنها لا تستبعد أن أي إدارة أمريكية يمكنها الانسحاب من الاتفاق النووي في المستقبل في حال إبرامه على غرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وربما يفسر ذلك مساعي إيران للانفتاح على عملية التهدئة في اليمن، والحوار مع القوى العربية، ولا سيما بشأن الملف اليمني.

ملف محوري

في النهاية، لا شك أن الملف اليمني سيكون ملفاً محورياً خلال زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، لكن لا يعتقد أنه قد يشهد اختراقاً نوعياً في تلك الزيارة بالنظر إلى أنه سيظل رهناً بالتفاعلات والترتيبات اللاحقة للزيارة، إذ إنها لا تتوقف على طرف واحد من المعادلة، فالمتصور أن الطرف الحوثي / الإيراني سيكون له رد فعل متوقعاً على كافة بنود الزيارة، وستكون له انعكاسات في ساحات مختلفة من بينها اليمن، لكن محددات وطبيعة هذه الانعكاسات ستتوقف على الشكل الذي ستتعاطى به مع القضايا المختلفة. وبما أن الأطراف قطعت شوطاً في مسار خفض الصراع في اليمن، فقد يكون الأولى بها البناء على الخطوة لتحقيق نوع من التراكم، فعلى الرغم من هشاشة الهدنة، إلا أنها قد تكون البديل الأفضل بين الخيار السيئ والخيار الأسوأ.