الإعلام والحرب – الحائط العربي
الإعلام والحرب

الإعلام والحرب



عندما بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كنت قد تعودت على متابعة الأخبار وتحليلاتها من خلال فضائية أجنبية غربية رصينة السمعة ناطقة بالعربية بالإضافة للقنوات المحلية، ولم يمض سوى يومين حتى لاحظت تحيزاً يسهل اكتشافه لمتخصص مثلي، فعملت بالخبرة المتراكمة لدي من أنشطة البحث العلمي عندما يريد الباحث توخي الموضوعية فيعدد مصادره بحيث يحيط بوجهات النظر كافة في موضوعه، ويستطيع بعد ذلك أن يستخلص ما يتصور أنه الأقرب إلى الموضوعية، وقررت إضافةَ فضائية عربية شهيرة معروفة بشبكة مراسليها الواسعة بما يجعلها تنقلنا إلى الأحداث وليس تنقل الأحداث لنا، لكن ملاحظة التحيز استمرت إن لم تكن زادت فاضطُررت لمشاهدة الفضائية الروسية الناطقة بالعربية، ولم أكن أتابعها قبلاً بانتظام، وتعمدت عندما تفجرت الأحداث ألا ألجأ لها لأن تحيزها لوجهة النظر الروسية مفروغ منه، وعندما انتظمت في متابعة الفضائيات الثلاثة اكتشفت أنني كمن يتابع ثلاثة صراعات مختلفة تماماً أو على الأقل صراعين أولهما تغطيه الفضائيتان الأجنبية والعربية والثاني تتناوله الفضائية الروسية، واستطعت أن أُحَدد جوانب نقص ظاهرة في تغطية الفضائيتين المتحيزتين لوجهة النظر الغربية على نحو واضح وإن اختلفت درجة التحيز بينهما، ولا أقصد بالطبع أن القناة الروسية بريئة من تهمة التحيز، فهذا بدهي كونها تنتمي لأحد طرفي الصراع، لكني أقصد أن التغطية الإخبارية للفضائيتين العربية والأجنبية كشفت عن جوانب نقص وتشويه ظاهرة، وعلى سبيل المثال التركيز على أخطاء الطرف الروسي و«وحشيته» في مهاجمة المدنيين، مع أنه من الواضح أن التكتيك الروسي يركز حتى الآن على ضرب الأهداف العسكرية، دون أن يعني هذا بطبيعة الحال عدم سقوط ضحايا مدنيين، كما أن الجانب الروسي يتهم القوات الأوكرانية بالاتهامات نفسها في دونباس وغيرها دون تعليق من أجهزة الإعلام الغربية، وكذلك التهويل من مخاطر الاشتباكات التي وقعت في محيط مفاعل زابوريجيا النووي ومخاطر انفجاره وحدوث كارثة نووية، علماً بأن تداعيات هذا الانفجار لو حدث كانت لتصيب شرق أوكرانيا حيث يتمركز السكان الروس وروسيا نفسها، ناهيك بما تأكد من أنها كانت اشتباكات مع قوة حراسة المفاعل بأسلحة خفيفة لا يمكن أن تؤثر في البنية الحصينة للمفاعل، وهناك أيضاً الاستخفاف بروايات الطرف الروسي وتكذيبها. وهنا لابد من التوقف عند إعلان القوات الروسية اكتشاف مَعامِلَ لإنتاج أسلحة بيولوجية في أوكرانيا بتمويل أميركي. ففي 8 مارس الجاري أعلنت الخارجية الروسية اكتشاف برنامج أوكراني لإنتاج أسلحة بيولوجية بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية وأن نظام كييف عمل بشكل طارئ على محو آثاره. وعلى الفور سارعت المصادر الأميركية والغربية كافةً إلى تكذيب هذه الأنباء واتهام روسيا بالترويج لأكاذيب مثل هذه تمهيداً لاستخدام أسلحة بيولوجية وكيماوية! ومن حيث المبدأ كان من الممكن تصديق هذا الاتهام الذي غمر وسائل الإعلام الغربية لولا التطورات اللاحقة التي لم تُشر إليها هذه الوسائل، فبعد ثلاثة أيام ذكرت وكالة «رويترز» أن منظمة الصحة العالمية نصحت أوكرانيا بتدمير مسببات الأمراض الخطيرة الموجودة في معاملها لمنع أي انتشار محتمل للأمراض بين السكان، وإن لم تذكر الوكالةُ تاريخ هذه النصيحة، غير أن هذا لا يغير من حقيقة وجود البرامج التي أشارت إليها المصادر الروسية. والعجيب أني شاهدت على إحدى الفضائيات الأميركية مساعدة وزير الخارجية الأميركي تجيب على سؤال في الكونجرس تعترف فيه بوجود هذا التعاون مع أوكرانيا، ولم أعثر له على أثر بعد ذلك، ناهيك عن عدم الرد على المعلومات التفصيلية التي أذاعتها المصادر الروسية بهذا الخصوص، وليس هذا سوى غيض من فيض.

نقلا عن الاتحاد