الأمن الغذائي العربي – الحائط العربي
الأمن الغذائي العربي

الأمن الغذائي العربي



أول ما تعلمناه، ونحن على مقاعد الدراسة الابتدائية، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي الوطن العربي عموماً، قول جبران خليل جبران المعروف «ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تخيط، وتشرب مما لا تعصر»، وكنّا نشعر بخطورة ذلك «الويل»، الذي عرفنا لاحقاً، بأنه يسمى «الأمن الغذائي».
الأمن الغذائي، ليس مجرد مصطلح، فهو من التحديات الرئيسة التي تشغل بال قادة الدول والمؤسسات والهيئات والمنظمات الحكومية وشبه الحكومية، وعلى رأسها قادة الدول العربية، فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من الأرض والمياه والموارد البشرية، في الوطن العربي، فإن الزراعة العربية لم تحقق الزيادة المنشودة في الإنتاج لمقابلة حجم الطلب الهائل على الأغذية، ما تسبب باتساع «الفجوة الغذائية» ودفع معظم الدول العربية إلى أن تستورد أكثر من نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية. وقد تفاقمت تحديات الأمن الغذائي العربي على وقع أزمة الحرب في أوكرانيا، فتضاعفت أسعار السلع الغذائية الرئيسية، وبدأ التضخم ينهش في جسد الأمن الغذائي العربي.
مفهوم الأمن الغذائي، حسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، هو «توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة». وهناك من يرى أن هذا التعريف هو مفهوم تقليدي لربطه بالمجتمع وحاجات الفرد وليس الدولة، ويرون أن الأمن الغذائي هو تحقيق ما يسمى بالاكتفاء الذاتي للدولة محلياً، حيث تعتمد على إمكانياتها ومواردها لإنتاج احتياجاتها الغذائية الذاتية، مثل «فنلندا» التي احتلت المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي للعام 2020، وأياً كان المفهوم والتعريف، من وجهة نظري، فإن الأمن الغذائي هو جزء رئيسي من الأمن القومي الذي يجب أن يرتبط بشكل وثيق بأهداف التنمية المستدامة.
في الأساس، وبشكل بسيط، تعتبر زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية لمواجهة الطلب والاستهلاك في الدول العربية كافة هي أهم مقومات الأمن الغذائي العربي، ومع أن هناك دولاً عربيةً تمكنت من تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتوفير فائض تصديري في سلع غذائية كالخضروات والأسماك وتحقيق زيادة في إنتاج الحبوب والمحاصيل الأخرى، إلا أن قيمة الفجوة للسلع الغذائية الرئيسية استمرت في الارتفاع منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 والتي رافقها أزمة غذاء عالمي انعكست على معظم الدول العربية وتفاقمت بشكل مطرد بسبب ما يسمى بـ «الربيع العربي» 2011-2020، فازدادت نسبة العجز في عدد من المحاصيل الرئيسية، وارتفعت نسبة الواردات على حساب الصادرات، سواء في الحبوب أو الزيوت النباتية، إضافة إلى سلع أساسية مثل الأرز والسكر وغيرها.
بالطبع، تتحكم مجموعة من العوامل والمحددات في آليات الإنتاج الزراعي وحجم الفجوة الغذائية في الدول العربية، وهي على الأغلب يمكن تحديدها في قلة المساحات المزروعة وشح الموارد المائية، وتدني الكفاءة العلمية لسبل ووسائل الري وكذلك قلة مساحة الأراضي المروية. وكذلك يعاني القطاع الزراعي العربي عموماً فجوة تكنولوجية هائلة واضحة في عدم القدرة على تلبية مخرجات البحوث الزراعية لمتطلبات التنمية الزراعية، وتدني إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية في أغلب الدول العربية. حيث تحتاج المناطق الزراعية إلى استكمال البنى الأساسية والخدمات الزراعية وزيادة نسبة الاستثمارات المخصصة للقطاع الزراعي، وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
قد تعد «الفجوة الغذائية» هي المسألة الأساسية في أبعاد مشكلة الأمن الغذائي العربي، ويظهر الخلل في كميات الصادرات والواردات وكذلك إنتاج السلع الغذائية عموماً، ولسد تلك الفجوة الغذائية، لابد من مساهمة الإنتاج النباتي والحيواني والسمكي لتلبية الاحتياجات الغذائية، ورفع نسبة الأراضي المستغلة في زراعة الحبوب والأرز والخضروات، بالوسائل التكنولوجية الحديثة، ما قد يرفع معدل الاكتفاء في عدد من المحاصيل ببعض الدول بنسب مختلفة.
يحتاج الأمن الغذائي العربي إلى إرادة قومية متماسكة تتخذ قرارات بشأن زيادة نسبة الثروة الحيوانية، وإيجاد آليات علمية ومُجربة تساعد في تحقيق نمو في الإنتاج الحيواني خلال الفترة القادمة 2022-2032، ما قد يساهم ويزيد أيضاً في ارتفاع إنتاج الألبان ومشتقاتها ومواجهة الطلب المُلح على المنتجات الحيوانية باعتبارها عنصراً مهماً وأساسياً من عناصر الأمن الغذائي العربي، كذلك التفكير ملياً في زيادة المخزون السمكي في الدول العربية، سواء في المياه الإقليمية أو في المياه الداخلية كالبحيرات والأنهار، وقد يتم ذلك من خلال توفير فرص واعدة للاستثمار السمكي في جميع الدول العربية، والذي يجب أن يتبعه أيضاً تطوير وتحديث وسائل الصيد وخدمات التصنيع والتسويق، ما يساهم في رفع نسبة الصادرات وخفض نسبة الواردات في هذين القطاعين.
نأمل أن يشمل «إعلان الجزائر» في القمة العربية قرارات حاسمة وصارمة، تؤكد على ضرورة اعتبار الأمن الغذائي العربي في رأس أولويات الدول العربية، ووضع وتنفيذ استراتيجية عربية للتنمية الزراعية تشمل حزمة من الإجراءات التي تحمي الأمة العربية من أزمات الغذاء العالمية المتلاحقة باستثمار الموارد الطبيعية العربية أفضل استثمار ممكن، ودعم أسعار الأغذية وتقنين تصدير السلع الغذائية وزيادة أجور العاملين وتطوير الوسائل التكنولوجية الزراعية، وغيرها من القرارات والإجراءات الضرورية اللازمة لتمكين الأمن الغذائي العربي.

نقلا عن الاتحاد