الأكراد والتقارب مع دمشق – الحائط العربي
الأكراد والتقارب مع دمشق

الأكراد والتقارب مع دمشق



تزايدت وتيرة الحديث مؤخراً عن إمكانية عودة المفاوضات بين الأكراد السوريين والحكومة المركزية في دمشق، وهي غالباً ما تتم برعاية روسية، بهدف التوصل إلى اتفاق يأخذ في الاعتبار ما يعتبره الأكراد «إنجازاتهم»، التي تحققت عبر السنوات الماضية من عمر الصراع، مقابل عودة المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية إلى حضن الدولة السورية.

سبق ذلك، اتصالات ومفاوضات وحتى لقاءات مباشرة، خلال السنوات الأخيرة، بين ممثلين عن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وممثلين للحكومة السورية، علاوة على مفاوضات غير مباشرة كانت تتم عبر الوسيط الروسي، غير أن كل هذا الحراك لم يثمر، في النهاية، اتفاقاً يلبي مصالح الطرفين، وسرعان ما كان يتم التراجع عن أية تفاهمات مبدئية لأسباب وعوامل خارجية، في معظم الأحيان، باستثناء دخول قوات من الجيش السوري إلى بعض المواقع الحدودية لمنع تقدم القوات التركية، في إطار ما يسمى عملية «نبع السلام» أواخر عام 2019.

في الآونة الأخيرة، تسارعت وتيرة الحديث عن مفاوضات لتقريب وجهات النظر بين الإدارة الكردية ودمشق، لأسباب متعددة، منها مطالبة الجانب التركي بانسحاب القوات الكردية من كل المناطق التي حددها اتفاق الهدنة عام 2019، تحت التلويح بهجوم جديد، انطلاقاً من أن الاتفاق لم يتمّ تنفيذه بالكامل، ومنها أيضاً، ولعل هذا هو الأهم، الشكوك التي هيمنت على القيادات الكردية حول مدى الالتزام الأمريكي بحماية الأكراد ودعمهم في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان دون التشاور مع الحلفاء، ناهيك عن الحديث المتواصل عن تخفيض القوات الأمريكية أو انسحابها من المنطقة، وهو ما دفع الأكراد إلى التقارب أكثر مع موسكو التي شهدت زيارات عدة وفود كردية في الأسابيع والأشهر الأخيرة.

هناك، على ما يبدو، غض نظر أمريكي، أو موافقة ضمنية بشأن إيجاد تفاهم كردي مع دمشق عبر موسكو؛ حيث جلّ ما تريده واشنطن، في هذه المرحلة، هو تجميد الصراع أو إيجاد حالة من الاستقرار في الشرق الأوسط، للتفرغ لمواجهة ما تعتبره أولوية أولوياتها وهو الصراع مع الصين، ناهيك عن أنه ثبت فعلاً أن روسيا هي الجهة الدولية الوحيدة التي تعمل على إيجاد حل أو تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية.

ويبدو أن الأكراد بدأوا يدركون أن خيارهم الأخير هو التفاوض مع دمشق، لكن المشكلة تكمن في كيفية الحفاظ على «إنجازاتهم» عبر سنوات الصراع، وترجمتها إلى لامركزية إدارية واسعة تمنحهم نوعاً من الاستقلالية، في ظل تأسيسهم لإدارة ذاتية جاهزة ومحمية بأكثر من 100 ألف مقاتل كردي، بينما تصّر دمشق على بسط سيطرة الدولة على كل الأراضي السورية، ومنحهم نوعاً من الحكم الذاتي، في إطار قانون الإدارة المحلية 107 لعام 2011، وهو أقل بكثير مما يطمح إليه الأكراد. ومع ذلك، فإن الأكراد باتوا مقتنعين أيضاً أن مشكلتهم لا يمكن حلها بمعزل عن التسوية الشاملة للصراع السوري، وأن رهانهم على تحقيق طموحاتهم بات معلقاً على موسكو ومدى قدرتها على إقناع دمشق بتلبية هذه الطموحات.

نقلا عن الخليج