الأزمات المغاربية والمعارك الحقيقية – الحائط العربي
الأزمات المغاربية والمعارك الحقيقية

الأزمات المغاربية والمعارك الحقيقية



تمر المنطقة المغاربية بوضع صعب لا يختلف عمّا شهدته الكثير من الدول العربية من إشكالات وتحديات تجعل المنطقة على رأس أكثر الفضاءات توتراً في العالم، على الرغم من الفرص والإمكانات المتاحة في أبعادها المختلفة.

تزخر المنطقة المغاربية بموقع استراتيجي مهم، يوفر لها شروطاً كفيلة بالاستئثار بلعب أدوار دولية وازنة وطلائعية، تحقق لها الكثير من المكتسبات الاقتصادية والأمنية، كما تحتضن طاقات بشرية شابة متعلمة ومدربة قادرة على تحقيق الكثير من الإنجازات إذا ما توافرت لها الشروط اللازمة في هذا الخصوص، كما أن المنطقة تحتضن ثروات طبيعية هائلة، كمصادر الطاقة النفطية والمتجددة، والفوسفات والحديد والصيد البحري، والمنتجات الفلاحية التي تجعل دولها قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وفي مختلف المجالات.

وعلاوة على وجود هذه المقومات، هناك المشترك الثقافي والديني والرغبة في التواصل كقيم متأصلة داخل المجتمعات المغاربية، والتي توفر مرتكزاً حقيقياً لقيام تكتل إقليمي واعد في عالم متشابك لا يخلو من صعوبات ومخاطر.

على الرغم من الإشكالات التي واكبت ظهور البناء المغاربي منذ انعقاد قمة مراكش عام 1989التي تمخض عنها تأسيس اتحاد المغرب العربي، بفعل عوامل مختلفة، فإن الواقع الذي أصبحت تعيش عليه المنطقة، يجعلها وجهاً لوجه مع مستقبل مجهول ومحفوف بمخاطر.

إن المتأمل فيما آلت إليه الأمور بالمنطقة في الوقت الراهن، لا يمكن إلا أن تتشكل لديه نظرة متشائمة بصدد المستقبل، فقد تدهورت الأوضاع في ليبيا بشكل خطر منذ مقتل «القذافي» في عام 2011.

أما تونس التي مثلت نقطة ضوء مشرقة، خلال تحولات الحراك العربي بعد أن حققت مجموعة من المكتسبات الدستورية والسياسية والحقوقية، بفعل المسؤولية والالتزام الذي عبرت عنه مجموعة من القوى السياسية والاجتماعية الحية داخل البلاد، ما حال دون سقوط هذه الأخيرة في أتون الصراع والعنف على شاكلة ما عرفته الكثير من دول الحراك كليبيا وسوريا واليمن، فهي ما تزال تعاني عدداً من الإشكالات السياسية والاجتماعية.

ومن جانب آخر شهدت العلاقات المغربية – الجزائرية توتراً غير مسبوق أفضى إلى قطع العلاقات بين الجانبين، ما أرخى بظلاله القاتمة على مستقبل المنطقة المغاربية برمتها. وبغض النظر عن المسببات والدوافع التي أدت إلى هذه القطيعة، فإن هذه الأخيرة وضعت مصير الاتحاد المغاربي موضع شك وتساؤل، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بدولتين وازنتين داخل الاتحاد المغاربي.

لا شك أن ما يجري في المنطقة من متغيرات تمثل عامل جذب للعديد من القوى الإقليمية والدولية الراغبة في تحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية بسد الفراغات القائمة، وتحقيق أهدافها وأجنداتها بكل يسر في فضاء قوامه التشتت وإهدار الإمكانات والفرص.

إن المعارك الحقيقية التي ما أحوج المنطقة العربية بشكل عام والمنطقة المغاربية على وجه أخص إليها، هي تلك التي تستهدف الاستبداد والفقر والتخلف والتطرف والجهل والفساد، بآليات الديمقراطية والتنمية، وتشجيع البحث العلمي وتحقيق الرفاه للمواطن وتوطين التكنولوجيا، بدل تكديس الأسلحة التي لم تمنع الاتحاد السوفييتي (سابقاً) من السقوط والزوال.

لقد استطاعت الكثير من دول العالم أن تحوّل إخفاقاتها وأزماتها إلى فرص حقيقية، فتحت لها ولشعوبها باب المستقبل مشرعاً على السلام والأمن والاستقرار والكرامة الإنسانية، وتحققت معه الكثير من المنجزات والمكتسبات في مختلف المجالات.

فهل تتغلب البلدان المغاربية على كل هذه الأزمات والخلافات، بفتح جبهات جديدة ضد المخاطر والتحديات التي تواجه الجميع، ولأجل المشترك المغاربي والانصياع لرغبة الشعوب في إرساء مستقبل واعد قوامه التواصل والتنمية والديمقراطية؟ أم أن المنطقة ستزج مرة أخرى في متاهات جديدة لهدر الوقت والإمكانات؟

نقلا عن الخليج