يسود لدى المتابعين للشؤون الدولية وللتحولات الكبرى التي بات يشهدها العالم، شعور بأن سنة 2023 ستكون حافلة بالأحداث التي من شأنها أن تغيّر خارطة التوازنات والتحالفات بين القوى الكبرى والقوى الصاعدة في مناطق عديدة من العالم، لأسباب عديدة، من أهمها التغيّرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي وانتقال الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي نحو مواقع ومحطات جديدة ودخول الصراع بين الغرب وروسيا في مرحلة الاستنزاف خلال السنة الثانية من الصراع المفتوح في أوكرانيا؛ ومن الواضح أن هذه الأحداث المنتظرة لن تأتي بشكل فجائي أو من فراغ، لكنها ستكون بمثابة استئناف طبيعي ومنطقي لما حدث من تطورات غير مسبوقة خلال السنوات القليلة الماضية.
ويمكن القول، إن المنطقة العربية، ستكون من دون أدنى شك محطة محورية لأحداث ووقائع وقرارات حاسمة سيكون لها تأثيرها الواضح في مسارات السياسة العالمية بالنظر إلى الدور الجيوسياسي الكبير الذي أصبحت تلعبه العديد من الدول العربية بحكم قوتها الاقتصادية وامتلاكها لأهم سلاح استراتيجي في هذه المرحلة، والمتمثل في سلاح الطاقة الذي يؤثر بشكل كبير في توجيه بوصلة العلاقات الدولية وفي حسم نتيجة الصراع الدائر بين الشرق والغرب.
وعلينا أن نؤكِّد في هذه العجالة أن الحديث عن تنامي القوة الاقتصادية للدول العربية وتصاعد أهمية دورها الجيوسياسي وارتفاع مؤشرات قوتها الناعمة والصلبة على حد سواء، يقودنا إلى إبراز الدور المحوري الذي أضحت تضطلع به دول الخليج العربي والذي يمنح لها القدرة على التأثير بشكل واضح في مسار الأحداث الدولية وعلى مستوى خارطة التوازنات العالمية، الأمر الذي يفسّر استضافة العواصم الخليجية للعديد من الفعاليات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والوطنية خلال سنة 2023، وذلك بناء على عمل استراتيجي مدروس وعلى رؤية استشرافية بعيدة المدى تحرص على ترسيخ معايير التقدم والازدهار والتنمية المستدامة.
وعليه، فإن الأجندة العربية خلال سنة 2023 ستكون مملوءة بالمواعيد والأحداث على جميع الصعد، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والرياضية والبيئية والثقافية، فبالنسبة للمجال السياسي، ستحتضن المملكة العربية السعودية في شهر مارس/آذار المقبل، فعاليات القمة العربية على مستوى القادة، بعد أشهر قليلة من استضافة الرياض للقمتين الخليجية – الصينية والعربية – الصينية، وبالتالي، فإن القمة العربية المنتظرة في المملكة ستكون مناسبة للبحث في الرهانات المتعلقة بطبيعة التحالفات العربية مع القوى الكبرى في ظل تسارع التحوّلات التي يشهدها العالم، انطلاقاً من الدور المحوري والرائد الذي تلعبه السعودية ضمن مجموعة العشرين.
وعلى المستوى البيئي، ستحتضن دولة الإمارات العربية المتحدة، فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 28» عام 2023، ليمثل هذا المؤتمر بذلك إضافة جديدة ومتميزة إلى الجهود الدولية الرامية إلى المحافظة على البيئة والتقليل من انبعاث الغازات، لاسيما أن الإمارات وضعت برامج قوية وطموحة من أجل تطوير الطاقات المتجددة، ورصدت لذلك ميزانية ضخمة لم تخصصها دول غربية فاعلة ذات اقتصاديات كبرى، وقد غرّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، معلقاً على قرار اختيار الإمارات لاستضافة هذا المؤتمر بقوله: «يسعدنا استضافة دولة الإمارات مؤتمر المناخ «cop28» في عام 2023… تنسيق الجهود في العمل المناخي بين دول العالم، فرصة لتعزيز حماية البيئة وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، ونرحب بالتعاون مع المجتمع الدولي لضمان ازدهار البشرية».
ويشير الزخم الكبير في مواعيد الأجندة العربية خلال سنة 2023، بعد التباطؤ النسبي الذي سجلته خلال سنوات الجائحة، إلى وجود إرادة عربية لدى الدول الوازنة والمؤثرة في المنطقة من أجل صياغة المستقبل الجيوسياسي العربي في أهم القطاعات المرتبطة بالثورة الرقمية وباقتصاديات المعرفة والتنمية في سياق مشهد عالمي كثير التحوّل وبالغ الهشاشة، وذلك بعد أن استطاع الوطن العربي أن ينتقل من دائرة رد الفعل والتأثر السلبي بالأحداث إلى دائرة الفعل.
ومن ثم، فإن مواعيد الأجندة العربية، ستحرص في اعتقادنا، خلال سنة 2023، على المحافظة على استراتيجية الحياد الإيجابي تجاه أجندات القوى الكبرى خدمة للمصالح العليا الوطنية والقومية للدول العربية.
نقلا عن الخليج