مدار متزايد:
الأبعاد السياسية لانعقاد “المنتديات المتخصصة” في المنطقة العربية

مدار متزايد:

الأبعاد السياسية لانعقاد “المنتديات المتخصصة” في المنطقة العربية



تزايدت مؤشرات التسييس المرتبطة بانعقاد المنتديات أو الملتقيات المتخصصة التي تستضيفها العواصم العربية، لمناقشة أوضاع سياسية ومصالح اقتصادية وقضايا بيئية وتهديدات أمنية على نحو ما جرى في عام 2021، ومنها تنفيذ الرؤى الاستراتيجية للقيادات السياسية العربية مثلما عكسته النسخة الأولى للمنتدى السنوي “السعودية الخضراء” بالرياض، وتزايد انفتاح بعض الدول العربية على القارة الإفريقية على نحو ما استضافه منتدى أصيلة تحت عنوان “المغرب العربي والساحل.. شراكة حتمية”، وإيجاد حلول للقضايا الخلافية للدول العربية مع القوى الإقليمية مثل تخفيض إمدادات المياه القادمة من تركيا إلى العراق وسوريا وهو ما سلط الضوء عليه المنتدى الدولي للمياه في شمال وشرق سوريا بالحسكة.

وكذلك تطرقت بعض المنتديات إلى زيادة التعاون العربي العالمي للحفاظ على التنمية المستدامة، الأمر الذي أكده المنتدى العربي للمياه الذي استضافته دبى وتطرق إلى الأمن المائي العربي والتعاون في مجال المياه العابرة للحدود والمياه من أجل التنمية المستدامة، وتعزيز المدخل الاقتصادي في العلاقات البينية العربية مثل المنتدى الاقتصادي المغربي- الإماراتي الذي يوفر نوافذ اقتصادية للقطاعين العام والخاص في البلدين، وكذلك الحال بالنسبة للمنتدى الجزائري- الليبي الذي يعمل على تنشيط الحركة التجارية بين الدولتين، وتأكيد السيادة الترابية للدولة الوطنية على الأقاليم الطرفية مثل إطلاق منتدى الحوار في الداخلة المغربية بمشاركة الشباب ومنظمات المجتمع المدني بما يقلل مزاعم جبهة البوليساريو.

تتعدد الأبعاد السياسية الحاكمة لانعقاد المنتديات أو الملتقيات المتخصصة في مجالات مختلفة بالدول العربية، بخلاف المنتديات الشهيرة مثل منتدى صير بني ياس بأبوظبي ومنتدى حوار المنامة ومنتدى الاتصال الدولي بالشارقة وغيرها، وذلك على النحو التالي:

الحقبة الخضراء

1- تنفيذ الرؤى الاستراتيجية للقيادات السياسية العربية: ولعل الحالة المعبرة عن ذلك في السعودية، إذ أطلق ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، في 23 أكتوبر الجاري، النسخة الأولى للمنتدى السنوي “السعودية الخضراء” في الرياض، وهو ما يأتي في سياق بلورة خريطة طريق لحماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي والتي من شأنها تخفيض الانبعاثات الكربونية، والأخذ بسياسة التشجير عبر زراعة أكثر من 450 مليون شجرة، وإعادة تأهيل 8 ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة، وتخصيص أراضي محمية جديدة، ليصبح إجمالي المناطق المحمية في المملكة أكثر من 20 بالمئة من إجمالي مساحتها، على نحو يؤدي إلى تحويل مدينة الرياض إلى واحدة من أكثر المدن العالمية استدامة.

ووفقاً لما أعلنه الأمير محمد بن سلمان في تصريحات إعلامية، فإنه يستهدف وصول السعودية إلى الحياد الصفري في عام 2060، من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، بما يتوافق مع خطط المملكة التنموية، وتمكين تنوُّعها الاقتصادي، ويحفظ دور المملكة الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وأضاف: “إن هذه الحزمة الأولى من المبادرات تمثل استثمارات بقيمة تزيد عن 700 مليار ريال، مما يسهم في تنمية الاقتصاد الأخضر، وخلق فرص عمل نوعية، وتوفير فرص استثمارية ضخمة للقطاع الخاص، وفق رؤية المملكة 2030”.

وكذلك الحال حينما استضافت السعودية المنتدى الأول للثورة الصناعية الرابعة الذي نظمته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، في 28 يوليو الماضي، بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي. وقد ناقش المشاركون في المنتدى تأثير التقنيات الناشئة في مستقبل النقل، وبناء أنظمة الرعاية الصحية القادرة على الصمود في وجه الأزمات، وتحولات الطاقة النظيفة، وبناء المدن الذكية في المستقبل، واستعادة النظام البيئي، ومستقبل التمويل. ويمثل ذلك تحقيقاً لأحد مستهدفات رؤية المملكة 2030 للتحول نحو اقتصاد قائم على الابتكار.

شراكة الساحل

2- تزايد انفتاح بعض الدول العربية على القارة الإفريقية: وفي هذا السياق، استضافت فعاليات منتدى أصيلة- الذي ترأسه وزير الخارجية الأسبق محمد بن عيسى- بالمملكة المغربية، في 29 أكتوبر الجاري، ندوة “المغرب العربي والساحل.. شراكة حتمية”، بمشاركة نخبة من الوزراء الحاليين والسابقين والسفراء والخبراء والأكاديميين نظراً للاهتمام المتزايد من جانب المغرب بالتفاعلات الجارية في منطقة الساحل الإفريقي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وتداخل الحدود المشتركة بين دول المغرب العربي والدول الساحلية، وما يفرضه ذلك من آفاق وتحديات.

إذ تركزت محاور المنتدى في مقومات التكامل بين دول المغرب العربي والساحل ودوافع التكتل والاندماج، والسياسات الأمنية ومقاربات مواجهة التطرف والإرهاب بالتطبيق على تجارب في الإقليمين لاسيما في ظل صعود الجماعات الراديكالية العنيفة التي يمتد نشاطها من نهر النيجر إلى تشاد فضلاً عن تعقيدات الأزمة الليبية مما يترك تأثيرات على أمن الدول المغاربية، والبيئة الإقليمية والسياق الدولي الراهن لعلاقات المغرب العربي بالساحل في مرحلة تشكل إفريقيا فيها مركز الاستقطاب للقوى الدولية التقليدية والصاعدة.

عطش الحسكة

3- إيجاد حلول للقضايا الخلافية مع القوى الإقليمية: ففي 28 سبتمبر الفائت، أقامت هيئة البيئة التابعة للإدارة الذاتية في مدينة الحسكة السورية المنتدى الدولي للمياه في شمال وشرق سوريا تحت شعار “مياه مستدامة حياة مستدامة”، بمشاركة عدد من خبراء المياه ومنظمات المجتمع المدني من داخل المنطقة العربية وخارجها، بهدف إيجاد حلول لمشكلات المياه التي تواجه كلاً من سوريا والعراق، وتحييدها عن الخلافات السياسية مع تركيا بصفة رئيسية، من خلال تحكمها في نهرى دجلة والفرات إلى جانب محطة العلوك، والتي تتمثل في تخفيض إمدادات مياه الشرب والصرف الصحي وتقليص رى الأراضي الزراعية لاسيما مع شح الأمطار.

ولعل اختيار القائمين على المؤتمر الحسكة لانعقاد المنتدى يعكس الرمزية الشديدة لمدينة مهددة بالعطش، لاسيما مع الوجود التركي المستدام في شمال شرق سوريا منذ أكتوبر 2019. وفي هذا السياق، خلص المشاركون في المنتدى إلى دعوة المجتمع الدولي للضغط على تركيا لمنع تخفيض تدفقات المياه إلى سوريا والعراق، وتأثيرها على المجتمعات ومخيمات اللاجئين في المنطقة، فضلاً عن دعوة الإدارة الذاتية إلى وضع برامج ملزمة بالترشيد وزيادة الوعى في الاستخدامات المختلفة للمياه إلى جانب الحفاظ على نظافة المياه الجارية والمياه الجوفية.

التنمية المستدامة

4- زيادة التعاون العربي العالمي للحفاظ على التنمية المستدامة: ركز المشاركون في المنتدى العربي للمياه الذي عقد في دبى- تحت رعاية وزارة الطاقة والبنية التحتية بدولة الإمارات، وبدعم من جامعة الدول العربية ووزارة الموارد المائية والرى المصرية وبالتعاون مع الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين- في 21 سبتمبر الفائت، على الأمن المائي العربي للحفاظ على السلام وتحقيق التنمية المستدامة، في ظل ندرة المياه واستنزاف الموارد المائية، لاسيما مع تزايد الاضطرابات الداخلية والنزاعات المسلحة، وموجات اللجوء والنزوح التي تعج بها دول الإقليم، نتيجة الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية. ووفقاً لذلك، فإن ندرة المياه تشكل تحدياً كبيراً للتنمية المستدامة في العالم العربي، مما يؤثر على الأمن المائي والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية وأمن الطاقة وسبل العيش وصحة الإنسان.

وهنا تجدر الإشارة إلى ما صرح به د.محمود أبوزيد رئيس المجلس العربي للمياه، ونقلته شبكة سكاى نيوز عربية بأنه “بالنظر إلى أن الجزء الأكبر من موارد المياه المتجددة في المنطقة تحتاج الجزيرة العربية إلى تعاون عبر الحدود لمواجهة التحديات المتزايدة المتمثلة في ندرة المياه والزيادة السكانية والجفاف المتكرر والآثار المتفاقمة لتغير المناخ والكوارث الطبيعية والأوبئة في المنطقة وينتج عن ذلك تزايد الفقر وانعدام الأمن الغذائي”، وهو ما يتفق مع رؤية لويك فوشون رئيس مجلس المياه العالمي، حيث قال: “من مضيق جبل طارق إلى سلطنة عُمان ومن الأردن إلى السودان ومن الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب تواجه الدول العربية نقصاً من الموارد والإجهاد المائي المتكرر الذي يُبطِئ تنميتها ويخلق توترات لا تطاق.. إذن كيف يمكننا ويعقد المنتدى العربي في الوقت الذي تكافح فيه المنطقة قلة المياه التي وصلت إلى مستوى حرج مع زيادة الطلب على المياه النظيفة بسبب تزايد عدد السكان وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موطنًا لـ6٪ من سكان العالم وأقل من 2٪ من إمدادات المياه المتجددة في العالم وفقاً للبنك الدولي”.

وكذلك الحال حينما أطلقت وزارة التعاون الدولي بمصر، في 8 و9 سبتمبر الفائت، النسخة الأولى من منتدى “مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي” بمشاركة عدد من كبرى مؤسسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية منها الأمم المتحدة، مجموعة البنك الدولي، البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، مجموعة البنك الإفريقي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن حضور عدد من الوزراء وصانعي السياسات من قارة إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى رؤساء مؤسسات التمويل الدولية، وممثلي شركاء التنمية الثنائيين ومتعددي الأطراف، وممثلي مجتمع الأعمال والقطاع الخاص، ومراكز الأبحاث الدولية والإقليمية. وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم مصر لهذا المنتدى يعكس إيمان القيادة السياسية في مصر بأهمية توحيد جهود الدول وتوجيه التعاون الدولي والتمويل الإنمائي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للشعوب، خاصة في الاقتصادات الناشئة والنامية، مع التركيز على قارة إفريقيا، التي تمثل العمق الاستراتيجي لمصر.

بوابة الاقتصاد

5- تعزيز المدخل الاقتصادي في العلاقات البينية العربية: فالمنتدى الاقتصادي المغربي- الإماراتي، الذي احتضنته مدينة العيون بجنوب المغرب، خلال يومى 12 و13 يوليو الماضي، تحت شعار “آفق جديد وشراكات جديدة”، يمثل آلية مؤسسية لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في كلا البلدين، خاصة في مجالات الفلاحة والصيد البحري والمعادن والاتصالات والطاقات المتجددة والسياحة والخدمات، على نحو ما كشف عنه عيسى علي البلوشي القنصل العام للإمارات في العيون أثناء انعقاد المنتدى، وهو ما يعزز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، مع الأخذ في الاعتبار أن الإمارات تعد أكثر الدول العربية المستثمرة في المغرب. كما افتتحت الإمارات قنصلية في مدينة العيون في نوفمبر 2020، كأول تمثيلية دبلوماسية لدولة عربية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي تعتبر بيئة خصبة للاستثمار.

وكذلك الحال بالنسبة للمنتدى الاقتصادي الليبي- الجزائري، الذي عقد في 31 مايو الماضي، بمشاركة كل من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، فضلاً عن 400 فاعل اقتصادي، وهو ما تزامن مع إعلان الجزائر استعدادها لفتح معبر حدودي بري مع ليبيا، إلى جانب محادثات لفتح معبر بحري مع طرابلس. وقد ركز المنتدى على التعاون في مجالات الكهرباء والصحة، وعودة شركة “سوناطراك” الجزائرية لاستئناف العمل في مجال النفط الليبي، فضلاً عن مناقشة فتح المجال الجوي والمنافذ البرية وتسهيل نقل البضائع والمسافرين. ولعل ذلك يعبر عن سعى الحكومة الليبية للتواصل مع حكومات وشركات في دول عربية مثل مصر والإمارات وتونس والمغرب لاستئناف مشاريع سابقة لها في البلاد.

سيادة الدولة

6- تأكيد السيادة الترابية للدولة الوطنية على الأقاليم الطرفية: شهدت مدينة الداخلة المغربية، في منتصف فبراير الماضي، إطلاق أول منتدى شبابي للحوار المدني، وذلك بمشاركة عدد من الشباب ومنظمات المجتمع المدني. وقد جاء تأسيس ذلك المنتدى في ظل مكاسب مغربية تحققت بتحرير معبر الكركارات من محاولات إغلاقٍ من طرف عناصر البوليساريو، والاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وافتتاح قنصليات دولية وعربية في مدن الصحراء المغربية، ما يجعل المنتدى تكريساً لدور المنظمات غير الحكومية في بناء حل عادل وشامل ومتوافق عليه للنزاع حول مغربية الصحراء، وينفي أن منتمي البوليساريو هم الجهة الوحيدة المعبرة عن هذا الإقليم.

ملامح متعددة

خلاصة القول، إن هناك أبعاداً سياسية متعددة لتلك المنتديات، والتي سوف تستمر خلال الأعوام المقبلة، لاسيما في ظل تحديات ضاغطة تواجه الدول العربية، والتي تقتضي منها التنسيق مع الدول الأخرى في العالم والمؤسسات والمنظمات الدولية ومنها التعاون في مجال تقليص تلوث البيئة وتخفيض انبعاثات الكربون ومواكبة تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وبناء المدن وتحولات الطاقة النظيفة وإدارة المياه العابرة للحدود وتعزيز التمويل الإنمائي للاقتصاديات الناشئة والصاعدة، والتصدي لمخاطر الإرهاب الجوّال.