رهانات متعددة:
الأبعاد الحاكمة للجولة العربية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني

رهانات متعددة:

الأبعاد الحاكمة للجولة العربية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني



وسط مساعٍ عربية للتوصل إلى حل سياسي يُنهي الحرب في اليمن الممتدة منذ أكثر من سبع سنوات، قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي” برفقة عدد من أعضاء المجلس، بجولة خارجية شملت كلاً من الكويت والبحرين ومصر وقطر خلال الفترة (6 – 16) يونيو 2022، بحث خلالها سبل تعزيز وتطوير العلاقات اليمنية مع الدول العربية، وجهود الحكومة الشرعية لإحلال السلام والاستقرار وإعادة الإعمار بالأراضي اليمنية، ومناقشة أمن الملاحة في البحر الأحمر والأنشطة العدائية لمليشيا الحوثي، فضلاً عن السعي للحصول على دعم بمختلف الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للمجلس الجديد.

وتُعد هذه الجولة هي الثانية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي ونوابه، حيث سبق وتوجهوا في أواخر أبريل الماضي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات، بعد إصدار الرئيس اليمني السابق “عبدربه منصور هادي” مطلع أبريل الماضي قراراً يقضي بنقل كامل صلاحياته إلى “العليمي” عقب مشاورات يمنية مشتركة برعاية مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية بالبلاد.

عرقلة إخوانية

وتزامنت زيارة “العليمي” الخارجية مع محاولات عدد من قيادات حزب الإصلاح الإخواني عرقلة عمل مؤسسات المجلس الرئاسي خوفاً من كشف فسادهم ومحاسبتهم على جرائمهم باليمن، خاصة بعد أن تم إقصاؤهم من أجهزة الدولة المهمة كاللجنة المعنية بتوحيد القوات العسكرية والأمنية، وهو ما دفع أطرافاً سياسية وإعلامية محسوبة على الحزب الإخواني إلى تشويه صورة المجلس الرئاسي، بإطلاق مزاعم بأن بعض دول الخليج رفضت استقبال الوفد الرئاسي، وأن الجولة الخارجية لم تحقق أية مكاسب.

وفي الوقت الذي تحرك فيه الرئيس اليمني نحو المحيط العربي لمواجهة استمرار الأنشطة العدائية الحوثية التي تهدد الجهود الدولية لترسيخ الهدنة، وإحباط فرص السلام في البلاد، وزعزعة الأمن البحري الدولي؛ كانت العاصمة الأردنية عمّان تستضيف الجولة الثانية من المفاوضات التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة بين وفدي مجلس القيادة الرئاسي والحوثيين، في السادس من يونيو الجاري، بهدف إقناع الجماعة الانقلابية بقبول المقترح الأممي برفع الحصار عن مدينة تعز وسط اليمن، وفتح الطرق بين المحافظات اليمنية، وإجبارها على الالتزام ببنود الهدنة الأممية التي تم تمديدها لمدة شهرين إضافيين بحيث تنتهي في أغسطس المقبل.

وبالتزامن مع هذه التطورات، يمكن القول إن ثمة رهانات عديدة تفسر أهداف الجولة العربية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، يتمثل أبرزها في:

شرعنة الانتقال

1- تعزيز شرعية عمل مجلس القيادة الرئاسي: يسعى “رشاد العليمي” من جراء تلك الجولة الدبلوماسية الخارجية إلى إضفاء الشرعية على عملية نقل السلطة من الرئيس اليمني السابق إلى مجلس رئاسي مكون من 8 أعضاء مناصفة بين الشمال والجنوب، وإيصال رسالة مفادها أن النظام الجديد سيضع حداً لسيطرة المنتفعين والفاسدين على القرار السياسي بالبلاد، سواء أكانوا من رموز النظام السابق أو من قيادات بحزب الإصلاح الذين حاولوا مؤخراً تشويه مسار القيادة الرئاسي وجهوده، وهو ما يبرهن على تخوف الإخوان من استبعدهم نهائياً من إدارة المشهد السياسي والعسكري، خاصة بعد الضربات التي تلقاها عناصر الإخوان بعدد من البلدان العربية بإزاحتهم من المشهد السياسي، ولا سيما في مصر وتونس.

دعم اقتصادي

2. تنويع مصادر الدعم الخليجي للاقتصاد اليمني: يراهن العليمي على دول الخليج الثلاث (الكويت، البحرين، قطر) للخروج من نفق الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد للعام الثامن على التوالي، ولهذا فإن تنوع مصادر الدعم الخليجي للاقتصاد اليمني وعدم الاعتماد بشكل كلي على الدعم المقدم من السعودية والإمارات، سيسهم في دفع المجلس الرئاسي لإجراء إصلاحات اقتصادية تقضي بترميم الاقتصاد اليمني والعملة المحلية، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن اليمني، وهذا ما أوضحه العليمي في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلاً، إن جولته الخارجية تركز على حشد الدعم المطلوب للاقتصاد اليمني، واستعادة الدولة وإحلال السلام بالبلاد.

واستهل العليمي جولته العربية بزيارة الكويت لإعادة تفعيل الدعم الكويتي الذي كان يُقدم للحكومة اليمنية ومشاريع التنمية خلال العقود الماضية. وبالفعل، أثمرت الزيارة عن تعيين مبعوث خاص لليمن لإدارة أشكال الدعم الكويتي كافة خلال المرحلة المقبلة، خاصةً أن الكويت لطالما قدمت دعماً إنسانياً واقتصادياً غير محدود منذ اندلاع الحرب باليمن، ودشنت عدداً من المشاريع في عموم المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

وفيما يخصّ قطر التي جاءت في ختام الجولة الرئاسية، فإن “العليمي” والوفد المرافق له أجرى مباحثات مع عددٍ من المسؤولين القطريين، تناولت سبل الدعم القطري في مجالات الكهرباء والصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية، فضلاً عن الاتفاق على تقديم الدوحة الدعم اللازم لعدد من المشاريع الطارئة والحيوية في اليمن.

قطب محوري

3- استمرار تقديم الدعم الملاحي لليمن: يراهن العليمي على الدور الحيوي الذي تلعبه مصر في الأزمة اليمنية منذ اندلاعها، كونها تمثل قطباً محورياً في إرساء أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يُعد المدخل الأول لقناة السويس، كما أنها تستطيع تأمين خطوط ملاحية دولية في حال قررت مليشيا الحوثي بدعم من إيران خوض الحرب باليمن، ولهذا فإن مواجهة المخاطر التي تهدد أمن وسلامة الملاحة العالمية في باب المندب، وحل أزمة ناقلة النفط “صافر” المتهالكة والعالقة قبالة ميناء رأس عيسى النفطي بمحافظة الحديدة (غرب اليمن)؛ كان من أبرز المسائل التي ناقشها العليمي في القاهرة، فضلاً عن إشادته بالتسهيلات المصرية المقدمة لأكثر من مليون يمني مقيمين على أراضيها بسبب ظروف الحرب في بلدهم، والجهود التي قامت بها الدولة المصرية لتيسير عملية استئناف الرحلات التجارية بين مطاري القاهرة وصنعاء في بداية يونيو الجاري. ويتطلع رئيس مجلس القيادة إلى استمرار عمليات التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين للتغلب على التحديات اليمنية، واستعادة السلام والاستقرار بالمناطق المحررة.

الدعم الإقليمي

4- إحياء العلاقات اليمنية مع دول الإقليم: يُعد الهدف الرئيسي من وراء تلك الجولة هو عودة اليمن مجدداً إلى المحيط العربي، وإعادة تصحيح مسار العلاقات اليمنية مع البلدان العربية، ولا سيما تلك الداعمة للشرعية اليمنية، وهو ما دفع اليمن مؤخراً لاستئناف العلاقات الثنائية مع قطر بعد توقفها أكثر من ثلاث سنوات على خلفية الأزمة الخليجية منتصف عام 2017، وذلك بعد زيارة قام بها وزير الخارجية اليمني “أحمد عوض بن مبارك” إلى العاصمة القطرية الدوحة في مارس 2021، دشن خلالها عودة العمل من السفارة اليمنية.

وأراد العليمي وأعضاء الرئاسي اليمني توجيه رسالة إلى إيران مفادها أن دول الثقل العربي من الخليج إلى مصر، لن تقبل على الإطلاق بفصل الشمال وتسليمه لمليشيا الحوثي خدمة لأجندة الملالي، والتأكيد على أن أمن واستقرار اليمن يمثلان أهمية قصوى لأمن المنطقة العربية برمتها، وأن اليمن سيظل يعتمد على الدول العربية في معركة استعادة الدولة من أية تدخلات خارجية تعرقل عملية السلام بالبلاد.

بارقة أمل

خُلاصة القول، إن اللقاءات التي عقدها رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني مع قادة الدول العربية تؤكد أن اليمن لديها الآن حكومة تحظى بدعم العديد من اليمنيين، فضلاً عن اللاعبين الإقليميين والدوليين الرئيسيين، وتجلّى ذلك بشكل واضح في الحفاوة التي قوبلت بها زيارة مجلس القيادة الرئاسي، إلى الكويت والبحرين ومصر وقطر، وهو ما يعطي بارقة أمل في أن المجلس الجديد مَاضٍ في طريقه لإنهاء معاناة الشعب اليمني الطويلة الأمد، فضلاً عن أن وسائل الدعم المختلفة التي ستقدمها بلدان المنطقة العربية إلى اليمن، ستسهم في الحفاظ على الوحدة والتوافق بين أعضاء المجلس، وهذا بدوره سيضع “العليمي” في وضع أفضل في أية مفاوضات مستقبلية مع الحوثيين بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما قد يمهد الطريق لإنهاء الحرب.