الأبعاد الإستراتيجية فى العلاقات المصرية ــ السعودية – الحائط العربي
الأبعاد الإستراتيجية فى العلاقات المصرية ــ السعودية

الأبعاد الإستراتيجية فى العلاقات المصرية ــ السعودية



لو كان الراغبون فى تخريب العلاقات المصرية-السعودية واعين بجوهرها وأبعادها الاستراتيجية الأكيدة – والتى لا تحقق مصالح طرفيها المباشرَين فحسب وإنما مصالح الأمة العربية بأسرها- لكفوا أنفسهم مشقة الجهد الذى يبذلونه فى هذه المحاولات التى سرعان ما تذهب أدراج الرياح، وليس البعد الاستراتيجى فى العلاقات المصرية-السعودية من قبيل التمنيات أو المصطلحات المجامِلة التى يُقصد بها إعطاء دفعة لهذه العلاقات وإنما هو حقيقة تاريخية تجاوزت دائمًا أى خلافات بين البلدين، ولنبدأ القصة من نقطة بعيدة زمنيًا وهى قيام ثورة٢٣ يوليو التى تصور البعض أنها ستضع نهاية للتعاون الوثيق الذى كان قائمًا بين النظامين الملكيين فى مصر والسعودية, فإذا بالتعاون لا يستمر فحسب وإنما ينتقل إلى مستوى أعلى بوقوف السعودية فى صف مصر فى المعركة الضارية التى خاضها عبدالناصر ضد حلف بغداد في١٩٥٥سابقةً فى ذلك موقف الحكومة السورية التى تبنت موقفًا ملتبسًا حتى تم إحلال حكومة عروبية التوجه محلها، وكان القاسم المشترك آنذاك هو الموقف الرافض لمحاولات القوى الغربية, وبالذات بريطانيا, تحقيق مطامعها فى الوطن العربى والتى كان للجزيرة العربية أهميتها الخاصة فى هذا الصدد، وبعد أن تحقق الانتصار فى هذه المعركة وقعت مؤامرة العدوان الثلاثى على مصر في١٩٥٦عقابًا على تأميمها شركة قناة السويس ودعمها ثوار الجزائر، وفى هذه المعركة لم يتوقف الدعم السعودى لمصر عند بيانات التأييد وإنما تطوع السعوديون فى صفوف المقاومة الشعبية المصرية بمن فيهم أبناء للملك عبدالعزيز ومنهم الملك سلمان، ورغم الخلافات التى دبت لاحقًا بين مصر والسعودية, وسنعود لها فى سياق التحليل التالي, فقد وقفت الدولتان يدًا واحدة فى مواجهة المطالبة العراقية بالكويت قبيل استقلالها في١٩٦١وهو ما أفضى إلى نجاح الجامعة العربية فيما فشل فيه مجلس الأمن بإرسال قوة حفظ سلام عربية حمت استقلال الكويت. ثم يأتى الحدث ذو الدلالة الأهم وهو عدوان يونيو ١٩٦٧، فقد مُنيت فيه الجيوش العربية بهزيمة فادحة وقعت فى وقت استقطاب سياسى عربى حاد كانت مصر والسعودية طرفيه بسبب الخلاف حول الموقف من ثورة سبتمبر١٩٦٢اليمنية، وقد يتصور من لا يفهم البعد الاستراتيجى للعلاقات أن ذلك الحدث كان ساحة للتشفى، لكن ما حدث كان العكس تمامًا، فقد سارعت الدول العربية إلى الخرطوم للمشاركة فى قمة للصمود بعد أقل من٣أشهر على الهزيمة، ولم تكتف السعودية بحضور القمة بل كانت مع الكويت والمملكة الليبية فى طليعة الداعمين للمجهود الحربى العربى، من أجل إزالة آثار العدوان، وتمت تصفية الخلاف المصري-السعودى حول الثورة اليمنية، وكان لهذه الخطوة دلالتها البالغة بالنسبة لمفهوم الأمن القومى العربى، فقد تم إعلاء التناقض الرئيسى بين العرب وإسرائيل على التناقضات العربية التى أصبحت لها مكانة ثانوية إذا قورنت بذلك التناقض، وهذا هو جوهر مفهوم الأمن القومى العربى، ولعبت هذه المعادلة دورها فى دعم الصمود العربى وبالذات حرب الاستنزاف المصرية العظيمة وصولًا إلى حرب أكتوبر المجيدة التى مثلت ذروة مفهوم الأمن القومى العربى بخطة عسكرية مصرية-سورية ساعة الصفر فيها واحدة، ومشاركة مباشرة فى القتال من جيوش٩دول عربية، ثم استخدام تاريخى لسلاح البترول من الدول العربية المصدرة له وعلى رأسها السعودية، وبعد سنوات الخلاف المصري-العربى حول التسوية تكرر نموذج المطالبة العراقية بالكويت، غير أنه لم يقف هذه المرة عند حد القول وإنما وصل إلى الغزو الفعلى فى أغسطس١٩٩٠، ورغم أن مصر آنذاك كانت عضوًا فى مجلس التعاون العربى الذى كان صدام حسين هو المبادر بطرح فكرته فإن القيادة المصرية لم تتردد لحظة فى الوقوف إلى جانب الشرعية وحماية قيم النظام العربى ومبادئه، وقاتلت القوات المصرية فى حرب تحرير الكويت تحت قيادة سعودية تمامًا كما فعلت فى أزمة١٩٦١عندما وضعت وحداتها المشاركة فى قوة حفظ السلام العربية تحت قيادة سعودية، وأود تأكيد هذا المعنى، لأن المتربصين بالعلاقات المصرية-السعودية يحاولون تفسير بعض الأعراض التى تصيب هذه العلاقات أحيانًا بأنها ناجمة عن التنافس على الأدوار القيادية، وليس هذا صحيحًا على الإطلاق، فالدور العربى لمصر معروف عبر التاريخ، ومصر واعية بمسئولياتها العربية المرتبطة عضويًا بأمنها الوطنى، وهى واعية كذلك بالتحولات التى جرت فى النظام الإقليمى العربى، وتعلم جيدًا أن مسئولية مجابهة التحديات الراهنة التى تهدد الأمن العربى مسئولية جماعية يشارك الجميع فى تحملها من كلٍ بحسب قدرته بما يحقق المصالح الوطنية والقومية للدول العربية كافة.

ثم نصل إلى الحلقة المهمة فى نموذج العلاقات الاستراتيجية المصرية-السعودية التى تزامنت مع موجة الانتفاضات الشعبية فى مطلع العقد الثانى من هذا القرن والتى عانت مصر كدول عربية غيرها من تداعياتها السلبية التى تمثلت فى انفراد الإخوان المسلمين بالسلطة اعتبارًا من يونيو٢٠١٢، وثورة الشعب عليهم بعد عام واحد وموجة الفوضى والتخريب والإرهاب التى حاولوا نشرها فى ربوع مصر كافة، مما ترتب عليه وضع اقتصادى بالغ الحرج، ناهيك عن الوضع السياسى نتيجة الادعاء أن ثورة الشعب المصرى ليست ثورة، وهنا لن ينسى المصريون وقفة أشقائهم العرب وبصفة خاصة وقفة السعودية والإمارات، كذلك لن ينسوا موقف التأييد المطلق لمصر من الملك عبدالله اقتصاديًّا وسياسيًّا، وهو الموقف الذى كان له أبلغ الأثر فى صمودها بوجه التحديات الهائلة آنذاك، وقد روى لى سفير مصرى سابق فى دولة أوروبية مهمة كيف أن السفير السعودى فى تلك الدولة ذكر له أن ثمة توجيهًا علويًا بأن يكون الموقف السعودى فى أى محفل هو الموقف المصرى، وفى المقالة القادمة أبحث فى محاولات المساس بهذه العلاقة الاستراتيجية التى لا غنى عنها لنظام عربى قوى وكيفية مواجهتها.

نقلا عن الأهرام