أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في 3 أبريل الجاري، عن مقتل مسئول التخطيط لهجمات تنظيم “داعش” في أوروبا، أحمد الجبوري، في عملية عسكرية شنتها في سوريا، وهو ما يمثل تحولاً جديداً في الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة التنظيم في سوريا خلال المرحلة الحالية. وتطرح هذه الخطوة دلالات عديدة ربما يتمثل أهمها في أن هذه العملية كانت تمثل ضربة استباقية تهدف إلى عرقلة قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات إرهابية جديدة في أوروبا، على غرار العمليات التي سبق أن نفذها في عواصم أوروبية مختلفة مثل باريس وبروكسل خلال المرحلة الماضية.
مؤشران رئيسيان
يمكن القول إن ثمة مؤشرين يكشفان عن اتجاه “داعش” إلى محاولة تصعيد عملياته الإرهابية داخل الدول الأوروبية، هما:
1- تزايد الحملات التحريضية لتنفيذ عمليات خارجية: رغم تراجع عمليات “داعش” في أوروبا خلال الأعوام الأخيرة بفعل الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها الدول الأوروبية، إلا أن ذلك لا ينفي أن الحملات التي يشنها التنظيم على المستوى الإعلامي ما زالت قائمة وبقوة، على نحو يمكن أن يؤدي إلى استقطاب عناصر متطرفة من داخل تلك الدول يمكن أن تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية جديدة في إطار ما يسمى بـ”الخلايا النائمة” أو “الذئاب المنفردة”.
2- استمرار التحذيرات الغربية من هجمات محتملة: تشير اتجاهات عديدة إلى أن تنظيم “داعش” لا يزال يمتلك القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية خارج المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق، في كل من سوريا والعراق، رغم كل الضربات والهزائم التي تعرض لها في الفترة الماضية. وفي هذا السياق، حذر الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، في 17 مارس الفائت، من أنّ “مئات الآلاف على الأقل من المواطنين الأمريكيين قد يكونون عرضة لهجوم من قبل داعش خراسان”، وقال كوريلا إن “داعش خراسان يمكنه القيام بعملية خارجية ضد المصالح الأمريكية أو الغربية في الخارج في أقل من ستة أشهر دون سابق إنذار”، مضيفاً أن “تنظيم داعش خراسان يزداد جرأة، ويسعى إلى توسيع صفوفه”. وبالطبع، فإن ما ينطبق على “داعش خراسان” ربما ينطبق على الأفرع الأخرى للتنظيم لا سيما تلك التي تتواجد في كل من سوريا والعراق.
انعكاسات محتملة
ربما تفرض مثل هذه النوعية من الضربات العسكرية تداعيات عديدة على نشاط تنظيم “داعش” خلال المرحلة القادمة، يتمثل أبرزها في:
1- استغلال الاضطرابات السياسية في الدول الأوروبية: كان لافتاً أن تنظيم “داعش” أبدى اهتماماً خاصاً بالاحتجاجات التي تشهدها العديد من الدول الأوروبية خلال المرحلة الحالية، لأسباب عديدة يتعلق أبرزها بتزايد تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء محاولات التنظيم استغلال ذلك من أجل تجاوز الإجراءات الأمنية المعقدة التي تتبعها تلك الدول، وبالتالي النفاد مجدداً إلى داخل أراضيها، وتنفيذ عمليات إرهابية أخرى على غرار تلك التي قام بتنفيذها في الفترة السابقة في باريس وبروكسل وغيرها. وقد بدا ذلك جلياً في اهتمام “داعش” ببث فيديو على وسائل الإعلام التابعة له لعنصر يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويدعو إلى استخدام أدوات مختلفة وشاحنات في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة في الدول الأوروبية.
2- توظيف الحملات المناوئة للمسلمين: قد يتجه “داعش” خلال المرحلة القادمة إلى محاولة توظيف بعض الأحداث التي شهدتها العديد من الدول الأورويية، على غرار حرق نسخة من القرآن الكريم في السويد، من أجل تعزيز قدرته على استقطاب مزيد من العناصر المتطرفة التي تتبنى أفكاره وتوجهاته الإرهابية، وقد تسعى إلى محاولة تنفيذها في المدن التي تتواجد بها. ولذا كان لافتاً تزايد مساعي التنظيم لتكثيف حضوره في المجال الرقمي، باعتبار أن ذلك يمثل آلية مهمة يمكن من خلالها تعزيز نفوذه في الدول البعيدة عن المناطق التي يسيطر عليها أو يتواجد فيها.
3- السعى لتجنيد بعض “العائدين” من مناطق الصراعات: ما زال ملف العائدين من مناطق الصراعات، خاصة المقاتلين الذين انضموا لتنظيم “داعش” في سوريا والعراق خلال الأعوام الماضية، يمثل محوراً رئيسياً في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية في العديد من الدول الأوروبية، خاصة أن بعض تلك الدول ما زالت ترفض استقبال هؤلاء المقاتلين وتكتفي فقط باستقبال أسرهم.
وقد كان لافتاً أن بعض تلك الدول بات يتعرض لضغوط قوية في هذا الصدد، على غرار فرنسا، التي أعلنت، في 20 أكتوبر الماضي، أنها نفذت عملية لإعادة 40 طفلاً و15 امرأة من المخيمات التي تسيطر عليها المليشيات الكردية في شمال سوريا، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكماً يقضي بأنه يجب على فرنسا إعادة النظر في طلبات الإعادة المقدمة من فرنسيتين اثنتين من النساء اللواتي سافرن إلى سوريا مع شركائهن، للانضمام إلى “داعش”، وتضمنت تلك الطلبات أيضاً إعادة الأطفال الذين أنجبتهم النساء هناك. وهنا، لا يمكن استبعاد أن يسعى “داعش” مجدداً إلى محاولة تجنيد بعض العائدين، لا سيما أن المخيمات التي كانوا يتواجدون بها وفرت فرصة لتلقينهم أفكار وتوجهات التنظيم خلال المرحلة الماضية.
4- استهداف المصالح الأوروبية في المنطقة: ربما تتوازى مساعي التنظيم للوصول إلى بعض العواصم الأوروبية مجدداً مع محاولات لاستهداف مصالح أوروبية، وغربية بشكل عام، في بعض دول المنطقة. وهنا، فإن التنظيم قد يسعى عبر ذلك إلى تحقيق هدفين: أولهما، إثبات قدرته على الاستمرار رغم كل الضربات والهزائم العسكرية التي تعرض لها في الفترة الماضية. وثانيهما، رفع كُلفة العمليات العسكرية التي تشنها بعض القوى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ضده، وكان لها دور في تعرضه لخسائر مادية وبشرية لا تبدو هينة.
تهديد مستمر
على ضوء ذلك، يمكن القول إن الضربات العسكرية التي تشنها العديد من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ضد قيادات وكوادر تنظيم “داعش” تفرض تداعيات عديدة على تماسكه التنظيمي، خاصة أنها ركزت على القيادات من الصفين الأول والثاني خلال الأعوام الأخيرة. إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أن التنظيم ما زالت لديه القدرة على تعزيز نشاطه مجدداً، بشكل يمكن أن يساعده في الحصول على مصادر تمويل مختلفة، وفي الوقت نفسه تجنيد مزيد من العناصر الإرهابية لتعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي تعرض لها في الفترة الماضية بفعل تلك الضربات، خاصة في مرحلة ما بعد هزيمة الباغوز في مارس 2019.