يهدف الحوار بشكل رئيسي إلى تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف السودانية، وحل الأزمة السودانية المتفاقمة منذ قيام الجيش السوداني بالإطاحة بالحكومة الانتقالية السابقة في 25 أكتوبر الماضي والاستيلاء على السلطة، وفشل المكون العسكري في إدارة الفترة الانتقالية الحالية بمفرده، ومن ذلك عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى الآن، والاكتفاء بتشكيل حكومة تصريف أعمال مصغرة تحت إشراف الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” رئيس المجلس السيادي الانتقالي، وأيضاً ملفات تقاسم السلطة والثروة والعلاقة بين المركز وبقية الولايات.
وقد جاء الإعلان عن ذلك في ظلّ الجهود التي تقوم بها الأطراف الإقليمية والدولية الأعضاء في الآلية الثلاثية لحلحلة الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، واستكمالاً للجهود التي تبذلها البعثة الأممية في السودان “يونيتامس” التي بدأتها بإجراء مشاورات مع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، والعمل على تسهيل إجراء حوار وطني بين هذه القوى السياسية، وذلك في محاولة للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل للخروج من هذه الأزمة، والاتفاق على خريطة طريق لإدارة المرحلة الانتقالية، بما في ذلك إجراء انتخابات تسفر عن تشكيل حكومة مدنية منتخبة تتسلم السلطة من المكون العسكري، والعمل على استعادة الوضع الدستوري والعودة إلى مسار انتقالي ذي مصداقية باتجاه حكم ديمقراطي مدني.
احتمالات النجاح
تلوح بعض الفرص الممكنة لإنجاح جهود إجراء حوار وطني يشارك فيه كافة المكونات السودانية، بما في ذلك المكون العسكري والأحزاب والقوى السياسية، ومن ذلك ما يلي:
1- بدء إجراءات بناء الثقة، حيث أبدى المكون العسكري استعداده لإمكانية التوصل لحل توافقي مع المكون المدني عند إجراء الحوار الوطني، ومن ذلك إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين والإفراج عن 11 من قيادات لجنة إزالة التمكين المجمدة في 27 أبريل الماضي، ومن بينهم رئيسها المناوب “محمد الفكي سليمان” بعد اعتقال دام شهرين، فيما أبقت على 3 آخرين قيد الاعتقال، وكذلك الإفراج قبل ذلك عن عدد من النشطاء الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية المناهضة للانقلاب العسكري والمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين.
2- اقتناع قادة الجيش بضرورة الحوار، يمثّل تأييد الجيش السوداني لإجراء الحوار الوطني باعتباره الحل الأنسب والأكثر واقعية لتجاوز الخلافات المتصاعدة مع المكون المدني ومن ثم تسوية الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، دافعاً هاماً لنجاح الحوار الوطني، وهو ما أكدته التصريحات الأخيرة لعضو مجلس السيادة الانتقالي “ياسر العطا” الذي أكد على إيمان كافة قادة الجيش بالحوار لأنه المخرج الوحيد من الأزمة الحالية، وكذلك تصريحات الفريق أول “محمد حمدان دقلو” (الجنرال حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بشأن ضرورة إجراء الحوار الوطني بين كافة المكونات السياسية الوطنية، والتأكيد على زهد العسكريين في السلطة.
3- إجراء مشاورات سياسية بين الجيش والقوى السياسية، فعقب دعوة الآلية الثلاثية لإجراء الحوار الوطني في منتصف شهر مايو الجاري، أبدى الجيش السوداني استجابة كبيرة للتسهيلات التي تقوم بها الآلية الثلاثية لعقد لقاءات ومشاورات بين قادة الجيش وعلى رأسهم الفرق “عبدالفتاح البرهان” ونائبه “حميدتي”، وبعض القوى السياسية في محاولة لتهيئة المناخ الداخلي والاتفاق على حد أدنى من النقاط التي تمثل أرضية مشتركة قبيل إجراء الحوار الوطني.
4- تأييد حزبي للحوار الوطني، أبدى عدد من القوى السياسية تأييدها للحوار الوطني مع المكون العسكري، ومن ذلك الموقف الذي تتبناه قوى الحرية والتغيير (مجموعة التوافق الوطني) التي تضم حركة “تحرير السودان” بقيادة “مني أركو مناوي” و”التحالف الديمقراطي” وممثل لزعيم “قبيلة الهدندوة” المؤيدة للجيش، وذلك بعد أن طرحت ما أطلقت عليه “ميثاق الوفاق الوطني” لإدارة الفترة الانتقالية، مع منع الأطراف الموقعة عليه من تعديل بنوده، وأكدت هذه القوى على فتح الباب أمام كافة القوى السياسية السودانية للتوقيع على هذه الوثيقة باستثناء حزب المؤتمر الوطني “المنحل”.
5- تبني قوى سياسية موافقات مشروطة، أكد حزب «الأمة القومي» موافقته المشاركة في الملتقى التحضيري للحوار الوطني الذي دعت له الآلية الثلاثية المكوّنة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة «الإيجاد»، إلا أنه اشترط أن يقتصر ذلك على القوى السياسية المشاركة في الوثيقة الدستورية وقوى الثورة، واستثناء حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً ومشاركيه حتى سقوطه، وأن يلتزم الملتقى المقرر انطلاقه في العاشر من الشهر الجاري بغاية واضحة هي العودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي، عبر تحقيق حكم مدني متفق عليه يُحقق طموحات الشعب السوداني، وينفذ شعارات الثورة، ويُنجز مهام الفترة الانتقالية وصولاً للتحوّل الديمقراطي الكامل.
عوائق الفشل
وفي المقابل، يوجد عددٌ من العقبات التي تقف في طريق نجاح جهود الآلية الثلاثية الخاصة بإجراء حوار وطني، ومن أبرزها ما يلي:
1- الإصرار على اللاءات الثلاث، إذ تُصرّ لجان المقاومة الشعبية على رفض المشاركة في الحوار السياسي الذي تنظمه الآلية الثلاثية وترفع شعار اللاءات الثلاث (لا تفاوض – لا شراكة – لا مساومة)، وتؤكد على أنه لا حل للأزمة السياسية الراهنة سوى بإسقاط حكم العسكر وتسليم السلطة للمدنيين، وهو ما دفعها إلى الإعلان عن استمرار الخروج في مظاهرات منددة بالحكم العسكري، واستخدام الأجهزة الأمنية للعنف المفرط ضد المشاركين في المظاهرات السلمية، وبالتالي فإن موقف لجان المقاومة الشعبية الحالي يُمثل عائقاً رئيسياً أمام إجراء الحوار الوطني من الأساس، ومن ثم محدودية فرص نجاحه في التوصل إلى حل توافقي بين المكونات السياسية.
2- مقاطعة بعض الأحزاب الحوار الوطني، حيث أعلنت بعض الأحزاب والقوى السياسية مقاطعتها لعملية المشاركة في الحوار الوطني الذي تدعو إليه الآلية الثلاثية، ومن ذلك إعلان حزب المؤتمر السوداني رفضه المشاركة في هذا الحوار، وأن الحزب يرفض ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير مقترح الاجتماع التحضيري الذي سوقت له أطراف من الآلية الثلاثية، مستنداً في هذا الموقف إلى رفضه أن يكون جزءاً من أية عملية سياسية لا تفضي لإنهاء الوضع الانقلابي، وكل ما ترتب عليه، وتسترد مسار الانتقال المدني الديمقراطي عبر سلطة مدنية كاملة، كما أنه لا يمكن الحديث عن أية عملية سياسية في ظل الممارسات التي تنتهجها السلطات الانتقالية الحالية، وخاصة السلطات الأمنية التي تستخدم العنف المفرط ضد المتظاهرين، وتنتهك حقوقهم وحرياتهم مع توسيع نطاق عمليات الاعتقال.
3- انقسام موقف الأحزاب السياسية، تتباين مواقف قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة الشعبية بشأن تشكيل مركز موحد يتولى عملية قيادة الحراك الشعبي المناهض للانقلاب العسكري على السلطة المدنية، إلا أن هذه الدعوة لا تلقى قبولاً من قبل لجان المقاومة لأنها تعتبر نفسها المحرك الرئيسي للاحتجاجات والتظاهرات الشعبية، وفي ظل هذا الانقسام يصعب الاتفاق على عملية صنع واتخاذ القرار في صفوف الأحزاب السياسية المعارضة لبقاء الجيش على رأس السلطة الانتقالية، ومن ثم عدم المشاركة في الحوار وإفشال جهود إجرائه والتوصل لحلول توافقية مع الجيش، خاصة أن لجان المقاومة تعد رقماً صعباً في المعادلة السياسية داخل المجتمع السوداني ولا يمكن إغفالها من أية تسوية سياسية إذا أراد الجيش تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد خلال الفترة الانتقالية.
4- انعدام الثقة في المكون العسكري، تسود حالة من فقدان الثقة لدى قطاعات واسعة من الشعب السوداني وبعض القوى السياسية في الجيش السوداني الذي أصبح يتولى السلطة الانتقالية منذ الإطاحة بالمدنيين في أكتوبر الماضي، وما اتخذه من إجراءات لاحقة زادت من شكوك القوى السياسية تجاه الجيش في السيطرة على السلطة، الأمر الذي أدى إلى التقليل من قيمة الحوار باعتباره الممارسة الأكثر واقعية وفاعلية للخطاب السياسي السلمي، في ظل انتشار حالة عدم التوافق السياسي اللازم للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.
فرصة محدودة
خلاصة القول، تكشف الدعوة لإجراء حوار وطني موسّع بين كافة المكونات السودانية عن الانخراط الإقليمي والدولي في الأزمة السياسية الراهنة، والإصرار الدولي على وضع حدٍّ لهذه الأزمة، ورغم التأييد الدولي لحل الأزمة، فإن تباين المواقف بين المكونات السودانية لا يزال يمثل عائقاً رئيسياً أمام نجاح هذه الجهود الدولية في تسوية الأزمة الحالية، الأمر الذي يحدّ من فرص نجاح هذا الحوار في تحقيق الأهداف المرجوة منه، في ظل استمرار عدم التوافق السياسي بين الأطراف السودانية.