تصعيد محتمل:
إلى أي مدى يهدد الحوثيون كابلات الاتصالات بباب المندب؟

تصعيد محتمل:

إلى أي مدى يهدد الحوثيون كابلات الاتصالات بباب المندب؟



نشرت منصات قريبة من الحوثي وحزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لخرائط مسارات الكابلات البحرية المارة بالمنطقة، وتبع ذلك تصريح لوزارة الدفاع الإيرانية، في 26 ديسمبر الجاري، بأن الردّ على مقتل موسوي سيكون (ذكياً)، ما يصعد المخاوف من استخدام ورقة الكابلات البحرية لتصعيد الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، إذ تمرّ الكثير من خطوط الكابلات الدولية عبر مياه البحر الأحمر نظراً لموقعه الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا وأفريقيا والدول العربية، فضلاً عن احتمالات عالية للتجسس على نقاط الهبوط التي توجد باليمن لاثنين من أهم الكابلات العالمية، ما يُهدد أمن المعلومات، ويزيد من قدرات الهجمات السيبرانية لإيران، وهو ما يشي بتوسعة تأثيرات الصراع لتشمل نطاقات جغرافية ومصالح دولية متعددة. كما ستؤثر تلك التهديدات بشكل مباشر على استثمارات الدول العربية في القطاع وأرباحها من رسوم المرور، ما يهدد بخسائر مالية لدول المنطقة، فيما سيخدم خطاب الجماعات المدعومة من إيران الكيانات الدولية المُنافسة للدول العربية والتي تدعو لإنشاء خطوط للكابلات البحرية بعيداً عن المنطقة لكثرة المشكلات بها.

يُشكّل أمنُ كابلات الاتصالات البحرية الدولية المارة عبر باب المندب تحدياً مهماً في ظل تصاعد سيطرة الجماعات المسلحة على بعض الدول الساحلية بالمنطقة، إذ نشرت حسابات قريبة من الجماعتين المدعومتين من إيران “مليشيا الحوثي” و”حزب الله” على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لخرائط مسارات الكابلات بالمنطقة مُهددة باستهدافها، وذلك بالتزامن مع إعلان طهران في 26 ديسمبر الماضي بأن الرد على مقتل القيادي البارز في الحرس الثوري رضا موسوي سيكون رداً ذكياً، ما يطرح التساؤلات حول احتمالات توظيف الكابلات البحرية في الصراع الإقليمي الدائر حالياً بالشرق الأوسط.

الأطر الحاكمة

صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية، رضا طلائي، بأن بلاده سترد على قتل إسرائيل لموسوي في سوريا بطريقة ذكية ومؤثرة وفي المكان والزمان المناسبين. ومع اتساع جغرافيا الصراع وتبلور باب المندب والمناطق القريبة منه كمتغير جيوسياسي في الأزمة، هل سيكون لتهديدات الحوثيين ضد الكابلات البحرية المارة بالمنطقة والتي تربط شرق العالم بغربه أطر واقعية للتحقق؟ وهو ما يمكن الرد عليه عبر النقاط التالية:

1- تزامن توقيت التهديدات مع تصعيد محور المقاومة ضد الغرب: تتأثر التهديدات الحالية بالتوقيت المرتبط بوجود تصعيد مسلح من الجماعات المدعومة من إيران في اليمن والعراق وسوريا ضد الدول الغربية، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، كنتيجة للتوظيف السياسي لحرب غزة؛ إذ تشن الجماعات المدعومة من إيران هجمات بالمسيرات ضد القواعد العسكرية التي تتواجد بها قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق، إلى جانب ضربات تشنها مسيرات الحوثي لتهديد الملاحة الدولية وما نتج عنها من إعلان واشنطن تشكيل تحالف دولي لتأمين مرور السفن أُطلق عليه عملية “حارس الازدهار”.

فإذا ما اتسعت تهديدات الحوثيين بباب المندب لتشمل أمن الكابلات البحرية العابرة للقارات فستؤثر على سرعة الاتصالات بين الحكومات، وقطع الإفادات الأمنية، وعرقلة عمل الجيوش والقواعد العسكرية الوطنية والدولية المتواجدة بالمنطقة سواء براً أو بحراً لاعتمادهم على تكنولوجيا الاتصالات المتطورة لسرعة الرد على التهديدات المحتملة ورصد وتتبع التحركات المناوئة، إلى جانب تعطيل تبادل المعلومات الاستخبارية، وإضعاف الترتيبات الدبلوماسية في توقيت غاية في الأهمية بالنسبة لدول المنطقة وكذلك الغرب، مما يمنح التهديدات الإيرانية مستوى تأثير أعلى بعيداً عن الحرب الإعلامية المعتادة بين طهران والغرب.

2- إتاحة كاملة للخرائط الخاصة بالكابلات المارة عبر البحار: على الرغم من أهمية الكابلات المارة عبر البحار والمحيطات في عملية الاتصالات الحديثة ودعم شبكات الإنترنت عالمياً، فإن خرائط مرورها بين الدول متداولة على نطاق واسع وليست سرية بالقدر الكافي، وذلك لاعتبارات تخص خطوط سير السفن ونطاقات الصيد والغوص المسموح بهما لعدم الإضرار بالألياف الضوئية المكونة لها.

3- تخطي القانون الدولي عبر جماعات الحرب بالوكالة: توجد الكثير من القوانين والاتفاقيات الدولية المُنظمة لتأمين تدفق البيانات الرقمية، كاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومواد حماية الكابلات البحرية وخطوط الأنابيب؛ إلا أن الاعتماد على جماعات متطرفة لتنفيذ هجمات تخريبية ضد الكابلات يقلل من المسؤولية الدولية للحكومات الداعمة عبر التنصل من الهجوم وإضعاف الأدلة.

4- صعوبة تحديد أسباب تلف الكابلات: تنتج هذه الصعوبة عن الطبيعة المتغيرة للبحار والمحيطات، وبالتالي يُمكن استخدام أساليب متطورة لإحداث ضرر بخطوط الكابلات المارة تحت المياه مع التشويش على طبيعتها أو مصدرها.

5- النطاقات الجغرافية الواسعة الرابطة بين الكابلات: تربط الكابلات نطاقات جغرافية واسعة، وبالتالي فإن إتلافها يؤثر على الاتصالات في بلدان مختلفة وفقاً لخطوط سيرها، ومن ثمّ يُمثل هذا المتغير صعوبة نسبية في حسم هذا الملف، أو يوجّه نحو انتقائية مسار عن غيره لتجنب العداء مع الكيانات الصديقة.

تأثيرات محتملة

تعتمد الاتصالات الدولية بصورةٍ أساسيةٍ على الكابلات البحرية، ومن ثمّ يُمكن مناقشة تأثيرات العبث بسلامتها وطبيعة عملها عبر المحاور التالية:

1- قطع الاتصالات في نطاقات جغرافية واسعة: نظراً للموقع الجغرافي المتميز لمنطقة البحر الأحمر فإنه يمر من خلالها الكثير من خطوط الكابلات الدولية، وتمتد هذه الكابلات بين آسيا وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط بما فيهم من دول ومساحات شاسعة، ما يعني أن إتلافها بشكل متعمد سيؤثر على جودة الاتصالات في مناطق جغرافية ممتدة، مما يؤثر على عمل القطاعات العسكرية والاستخبارية والمالية وشبكة التجارة إلى جانب مجالات حيوية أخرى.

2- السيطرة على نقاط الهبوط وزيادة احتمالات التجسس: يشير مصطلح (نقاط الهبوط) إلى المساحة اليابسة التي يلتقي فيها مسار الكابل البحري بكابلات الطاقة ثم يستكمل مساره أو ينتهي، وعادةً ما تقع هذه النقاط في الموانئ القريبة والآمنة، ونظراً للموقع الاستراتيجي لليمن فهي تضمّ نقاط هبوط لاثنين من أبرز مسارات الكابلات البحرية التي تربط دول آسيا والشرق الأوسط بأوروبا، وهي (AAE-1) وتقع نقطة هبوطه بعدن، و(seamewe-5) بالحديدة، مما يُهدد بإلحاق ضرر مباشر لتلك النقاط، غير أن عمليات التجسس والإضرار السيبراني تكون أسهل في نقاط اليابسة مما يجعل أمن المعلومات في خطر.

3- إحداث خسائر لاستثمارات القطاع في المنطقة العربية: تستثمر بعض الدول العربية في قطاع الكابلات البحرية عبر الاشتراك في مشروعاتها الضخمة بمليارات الدولارات، وتعد شركات الاتصالات الوطنية في مصر والإمارات والسعودية من أبرز الشركاء الدوليين في خطوط الكابلات المارة عبر باب المندب والرابطة بين دول آسيا وأوروبا، ومن ثم يمكن للحوثيين استغلال مرور الخطوط أو وقوع بعض نقاط الهبوط للكابلات التي تشترك في استثماراتها الدول العربية ضمن نطاق سيطرتهم لتهديد أمن المنطقة ومكتسباتها الاقتصادية، ويُعد مشروع (AAE-1) من المشروعات الهامة في المنطقة العربية والذي تم إطلاقه لدعم الخدمات التجارية وتقع إحدى نقاط هبوطه في اليمن.

وبعيداً عن الاستثمار في ملكية الكابلات، فإنّ التهديدات المباشرة للمسارات البحرية لنقل البيانات الرقمية بالمنطقة قد تدفع باتجاه تحويل خطوط الكابلات العالمية المارة من المنطقة لصالح قوى منافسة تهدف إلى إنشاء طرق أخرى بديلة أكثر أماناً، مثلما يحدث كنتيجة لهجمات الحوثي ضد الملاحة الدولية، ما دفع بعض شركات الشحن لاستخدام طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس وباب المندب، مما سيؤثر على إيرادات الدول العربية من رسوم مرور خطوط الكابلات على أراضيها وبالأخص مصر التي تحظى بنسبة مرور عالية نظراً لموقعها الجغرافي، كما سيتسبب في خسائر لشركات تطوير البنية التحتية العاملة بالمجال.

4- تعطيل خدمات الدعم والإصلاح: تتعرض الكابلات للتلف نتيجة هجمات الكائنات البحرية أو مرور السفن أو عوامل بيئية أخرى، ويحتاج إصلاحها لرفعها على سفينة للتعامل معها عبر تقنيات خاصة، ومن شأن وجود جماعات مسلحة على السواحل القريبة منها تعطيل العمل لاستعادة الاتصالات أو بدء تشغيلها، إذ سبق وعطلت عمليات القرصنة التي تمارسها حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة على سواحل الصومال في 2019 إطلاق مشروع (seacom) الذي يخدم الساحل الشرقي والجنوبي لأفريقيا لمدة شهر.

5- الاستفادة المالية للعصابات من مكوّنات الكابلات: تحتوي المكونات على خامات مرتفعة الثمن، وفي ظل ضعف الأمن في بعض الدول على ساحل شرق أفريقيا يُمكن للعصابات أو الجماعات الإرهابية المدفوعة دولياً، ولا سيما حركة الشباب، أن تتمكن من إتلاف الكابلات لصالح أدوارها الاقتصادية في استخدام فرع الصومال لتدعيم التنظيم وممارسة أدوار مناوئة.

تصعيد جديد

وختاماً، يمكن القول إن تهديدات الحوثيين وعناصر حزب الله لوجود مسارات الكابلات البحرية تحت قبضتهم يشير إلى تصعيد جديد في الصراع الإقليمي، ما يهدد أمن وسلامة المعلومات ويعرض الشرق الأوسط إلى اتجاهات أكثر عنفاً وأعلى تأثيراً في المجالات الحيوية الحديثة، كما سيزيد من رقعة القلق الدولي إزاء تأثيرات المناوشات في المنطقة على الاستثمارات الدولية وحرية وأمان الاتصالات بشكل عام.

فيما تحتاج دول المنطقة التي ترتبط مكتسباتها بهذا القطاع إلى رسم سياسات أكثر تطوراً وتعاوناً لمواكبة التهديدات الناشئة على هذا الصعيد، مع ضمان صياغة أطروحات قانونية وأمنية جديدة تمكن الدول من ضمان سلامة مسارات الكابلات، لعدم استفحال أدوار الجماعات الإرهابية في حروب الوكالة أو الضغط على مصالح المنطقة العربية.