إعلاميا وعالميا منطقة عربية مختلفة – الحائط العربي
إعلاميا وعالميا منطقة عربية مختلفة

إعلاميا وعالميا منطقة عربية مختلفة



عندما تكون فى الخارج سواء لإلقاء محاضرة عن التصحر وأزمة المياه المتصاعدة فى منطقة الشرق الأوسطى، أو فى لقاء عشاء بين أصدقاء وحديث ودى «تجرك» إحدى المشاركات أو المشاركين للحديث عن «قضايا المنطقة الساخنة»، والمقصود بها فى هذا السياق موضوعات الصراع والعنف، صحيح أن المنطقة تسيطر عليها هذه السمات، ولنكرر الاحصائية الدالة التى تقول إن سكان المنطقة يشكلون عالميا أكثر قليلا من 5% من سكان العالم، ولكن نسبة نصيبهم فى صراعات هذا العالم هى نحو 17٫5% أى أكثر من ثلاثة أضعاف نسبتهم السكانية فى هذا العالم، وفى الحقيقة، وليس هناك تحيز ضد المنطقة فى هذا الصدد، حيث يسيطر على واقع المنطقة الاقتتال فى سوريا أو العراق، الكارثة الإنسانية المتزايدة فى اليمن وتزايد الفقر والجوع، الخلاف المتأجج بين «الدولتين الشقيقتين» الجزائر والمغرب، الصراع القبلى فى السودان..

ولكن تغيَّر هذا الوضع الشهر الماضى، والسبب هو تصادف حدوث ملتقيين عالميين فى المنطقة يبعثان برسالة عن توحد العالم، إما تجاه تهديد عام ومشترك للإنسانية جمعاء مثل قضايا المناخ، أو فى تنافس سلمى ولطيف، مثل مونديال كرة القدم.

جاء مؤتمر شرم الشيخ ـ أو كوب 27 كما يعرف ـ فى الفترة 6 ـ 18 نوفمبر، وهى الذكرى السنوية الثلاثون لإرساء الأمم المتحدة لهذه المؤتمرات للتوعية بالتهديدات البيئية التى يواجهها العالم، ومحاولة إيجاد حلول لها، أو على الأقل تخفيف آثارها mitigation والتكيف أمام آثارها adaptation، وهاتان الإستراتيجيتان من تخفيف الآثار إلى التكيف مع ما يبقى منها يسيران فى الوقت نفسه يدا بيد لمساعدة سكان العالم جمعاء، وقد نجح مؤتمر شرم الشيخ فى الوصول إلى قرار مهم كان محل تردد من غالبية الدول الصناعية المتقدمة فى الشمال العالمى، والتى هى فى الواقع أكبر مساهم على مر التاريخ فى مشكلة المناخ، ألا وهو الموافقة على مبلغ 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية على تطبيق السياسات البيئية السليمة، وللتعويض عما قد ينتج عنها من آثار سلبية لعملية التنمية، وكذلك مواصلة هذه السياسات من أجل سلامة العالم ككل، تأكيد توحد العالم فى مواجهة تهديدات تمس الإنسانية جمعاء كان إذن الهدف، وكذلك الرسالة التى نجح مؤتمر كوب 27 فى إرسالها من شرم الشيخ، وهى بالطبع تختلف عن إظهار المنطقة العربية، عن إنها ما هى إلا منطقة صراعات ودماء وتوحش.

انتهى مؤتمر شرم الشيخ ليعقبه ـ دون مشاورات أو تخطيط ـ مونديال كرة القدم فى قطر فى الفترة من 20 نوفمبر ـ 18 ديسمبر، بالطبع يتوجه مونديال قطر إلى فئات عالمية أيضا، ولكنها مختلفة، سواء كانوا محترفين كرة قدم أم لا، فنحن نعرف أن كرة القدم أصبحت منذ فترة طويلة اللعبة العالمية الأولى، بحيث إن دول أمريكا الشمالية التى لم يكن لها اهتمام يذكر بهذه اللعبة قامت بالاستثمار فى تكوين فرق واشتركت كل من الولايات المتحدة، وكندا بفرق قوية فى مونديال قطر، وبالرغم من أن هذا المونديال يشترك مع مؤتمر شرم فى تأكيد توحد العالم، سواء فى مواجهة تهديد أو التمتع برياضة شعبية، إلا أنه يتوجه إلى متابعين عالميين مختلفين: مؤتمر شرم الشيخ هو الذى أرسته الأمم المتحدة، ويقوم على الحكومات، حتى لو أصبح الآن بين المشاركين فاعلون دوليون آخرون، أما مونديال قطر، فهو يتوجه للشعوب بالدرجة الأولى، ويتابعه الشباب بكل حماس، وهو بالتأكيد يعزز من المعرفة عن قطر بين هذه المجموعة، ناهيك عن أى معلومات أخرى عن السكان، الثقافة أو الممارسة السياسية فى هذا المجتمع الخليجى. نقطة مهمة لم يعطها الإعلام العالمى حقها، ولم يكن حتى أصدقائى من الخارج على معرفة بها، وهى التحديات التنظيمية والإدارية التى يتطلبها انعقاد مؤتمر شرم الشيخ، والقيام بمونديال قطر، فمثلا فى مؤتمر شرم الشيخ كان هناك ممثلون لأكثر من 195 دولة، بمن فيهم رؤساء من فرنسا والولايات المتحدة، إيمانويل ماكرون وجون بايدن، هذا بالإضافة إلى آلاف يمثلون فئات الإعلام العالمى، الشركات العالمية، وكذلك الجماعات الحقوقية والمدافعة عن البيئة، أما بالنسبة للمونديال العالمى فى نسخته الـ 22 فقد كان يضم 32 فريقا يمثلون دولهم، وخمسة اتحادات كرة عالمية هذا بجانب المشجعين الذين قد يصل عددهم فى نهاية المباريات إلى نحو مليون زائر أى مقارنة بعدد المواطنين القطريين نحو ثلاثة أضعاف، أى أنه كما لو أن مصر قام بزيارتها فى خلال ثلاثة أسابيع نحو 330 مليون سائح، باختصار تنظيم هذين المؤتمرين فرض تحديات ضخمة من حيث توفير غرف الإقامة، الخدمة فى المطاعم وخارجها، وسائل النقل، استقبال هذه الاعداد الهائلة وإرشادهم والتواصل معهم باللغات المختلفة..

ولعل هذا الإنجاز ينعكس على المستوى الداخلى بكل مستوياته وفئاته، بالرغم من أن المونديال لم ينته بعد، إلا أن إنجاز شرم الشيخ والدوحة جعل الإعلام العالمى ومتابعيه يرى سمات مختلفة للمنطقة العربية، فعلا جد مختلفة عن العنف، والدماء والبؤس، لسوء الحظ ستعود هذه المظاهر التقليدية والمعهودة لتبرز عن المنطقة فى الإعلام العالمى، ولكن سيتذكر البعض أيضا أنه لا يمكن اختزال المنطقة ونشاطاتها فى هذه المآسى.

نقلا عن الاهرام