تحسين الصورة:
إعادة الاهتمام الأمريكي بـ”الدبلوماسية الشعبية” في الشرق الأوسط

تحسين الصورة:

إعادة الاهتمام الأمريكي بـ”الدبلوماسية الشعبية” في الشرق الأوسط



بدأت إليزابيث ألين المسئولة رفيعة المستوى للدبلوماسية العامة والشئون العامة بوزارة الخارجية الأمريكية، زيارتها لمنطقة الشرق الأوسط التي تمتد من ١٩ إلى ٢٦ أغسطس الجاري، وخلالها ستزور الأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية وإسرائيل، لتؤكد على الالتزام الأمريكي بالدبلوماسية الشعبية “بغرض معالجة التحديات المشتركة وتعزيز السلام والازدهار في مختلف أنحاء العالم” وفقاً لبيان وزارة الخارجية الأمريكية في ١٩ من الشهر نفسه، حيث تقوم مهام منصبها على تعزيز جهود الوزارة لتوسيع وتعزيز العلاقات بين شعب الولايات المتحدة ومواطني الدول الأخرى، ودعم المصالح الوطنية الأمريكية من خلال فهم وجهات نظر الجماهير الأجنبية.

استقطاب التأييد

تأتي زيارة ألين، التي تولت منصبها في ٤ أبريل الماضي، وتمتلك خبرة تمتد لأكثر من ١٥ عاماً في مجال الاتصالات الاستراتيجية والشئون العامة، في وقت تشهد فيه صورة الولايات المتحدة تراجعاً مقابل تنامي التأييد لخصومها ومنافسيها، لا سيما روسيا والصين. فقد أظهرت نتائج استطلاع “الباروميتر” العربي التي ظهرت في يوليو الماضي تراجع نسبة التأييد لواشنطن داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقابل زيادة التأييد للصين، حيث إنه في أربع من أصل تسع دول شملها الاستطلاع فقط، كان لدى النصف أو أكثر نظرة إيجابية للولايات المتحدة، بما في ذلك ٦٩٪ في المغرب، ٥٧٪ في السودان، وحوالي النصف في الأردن (٥١٪) وموريتانيا (٥٠٪)، بينما وصلت ٤٢٪ في لبنان، و٣٧٪ في ليبيا، و٣٥٪ في العراق، وفي تونس والأراضي الفلسطينية كان ٣٣٪ و١٥٪ على الترتيب فقط لديهم وجهة نظر مؤيدة للولايات المتحدة.

وقدأشار بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول زيارة ألين للمنطقة إلى أنها ستركز على تعزيز الشراكات الأمريكية مع دول المنطقة في قطاعي التعليم والصحة، ولقاء رواد الأعمال في الدول التي ستزورها لإبراز التزام الولايات المتحدة طويل الأمد لتعزيز الفرص الاقتصادية بدول المنطقة، بجانب لقاء خريجي برامج التبادل الأكاديمي التي تمولها الولايات المتحدة، وتمكين شباب المنطقة من المشاركة في مشاريع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتعلم اللغة الإنجليزية واستكشاف فرص الدراسة في الولايات المتحدة.

محددات رئيسية

بينما تقلل الإدارة الأمريكية من انخراطها المكثف في قضايا وأزمات الشرق الأوسط في إطار استراتيجيتها لإعادة التموضع في المنطقة، فإنها تعمل على تعزيز دورها الإنساني والإنمائي في المنطقة، ومساعدة دول المنطقة لتخطي الأزمات الاقتصادية والصحية التي تواجهها، وذلك في إطار استراتيجيتها القائمة على بناء علاقات قوية مع شعوب المنطقة بجانب الحفاظ على علاقاتها وشراكاتها مع حلفائها التقليديين. وقد تمثلت أبرز ملامح سياسة الإدارة لتعزيز العلاقات مع مواطني دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إطار استراتيجيتها لكسب العقول والقلوب بالمنطقة فيما يلي:

١- زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين: في الوقت الذي لم يتخذ فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن، مواقف سياسية مغايرة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تجاه القضية الفلسطينية، على الرغم من إعلان الإدارة الديمقراطية عن أنها تتبنى رؤية مغايرة لسابقتها الجمهورية تقوم على الأسس التقليدية التي حكمت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه هذه القضية لعقود؛ فإن إدارة بايدن عملت على زيادة المساعدات الأمريكية التي من شأنها تحسين الأوضاع المعيشية والصحية للشعب الفلسطيني. فخلال زيارته الأولى للمنطقة خلال الفترة من 13 إلى ١٦ يوليو الفائت، أعلن بايدن عن حزمة مساعدات مالية للفلسطينيين بقيمة ٣١٦ مليون دولار، منها ٢٠٠ مليون دولار دعم إضافي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، و١٠٠ مليون دولار لشبكة مستشفيات القدس الشرقية، وهي ستة مستشفيات فلسطينية تقدم خدماتها لخمسين ألف مريض سنوياً. وفي ٢٧ من الشهر نفسه، تم تقديم الدفعة الأولى منها والتي تقدر بـ١٤,٥ مليون دولار.

وقد أعلن موقع وزارة الخارجية الأمريكية، في ٢٦ مارس الماضي، أن الإدارة الأمريكية قدمت أكثر من نصف مليار دولار من المساعدات للفلسطينيين منذ أبريل ٢٠٢١ ضمت أكثر من ٤١٧ مليون دولار من المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين من خلال منظمة “الأونروا”، و٧٥ مليون دولار عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

٢- المساهمة في مواجهة جائحة كورونا: في إطار جهود الإدارة الأمريكية لمساعدة حلفائها على التعامل مع الانتشار السريع لفيروس كورونا، وتدعيم الأنظمة الصحية للتعامل مع الجائحة، قدمت العديد من المساعدات لدول المنطقة لمواجهتها. فوفقاً لإعلان وزارة الخارجية الأمريكية السابق الإشارة إليه، قدمت الإدارة ٢٠,٥ مليون دولار لمساعدة السلطة الفلسطينية في مواجهة انتشار فيروس كورونا والتعافي لقطاع غزة. وتبرعت الولايات المتحدة بـ ٦١٣ ألف جرعة من لقاحات “جونسون آند جونسون” و”مودرنا” على دفعتين لمساعدة استراتيجية التلقيح الوطنية اللبنانية ضد جائحة كورونا، وبما يدعم مسار الدولة نحو الانتعاش الاقتصادي والاستقرار طويل الأمد في نظامها الاقتصادي، بجانب تقديم ٥٥ مليون دولار من أجل التخفيف من انتشار الفيروس في لبنان والتركيز بشكل خاص على اللبنانيين الضعفاء، وهي جزء من أكثر من ٣٧٢ مليون دولار من المساعدات الإنسانية للبنان خلال السنة المالية ٢٠٢١.

٣- دعم الأمن الغذائي العربي: تزايدت أهمية قضية الأمن الغذائي العربي في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا المستمرة منذ ٢٤ فبراير الماضي وحتى الآن. وفي هذا السياق، أعلنت الإدارة الأمريكية تقديم ١٥ مليون دولار كمساعدات إنسانية لدعم ٢١٠ آلاف فلسطيني يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وأكدت الإدارة، وفقاً لبيان منشور على موقع السفارة الأمريكية في لبنان، في ١٦ أغسطس الجاري، أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ستقدم 29.5 مليون دولار للبنان، منها ١٥ مليون دولار كمساعدات إنسانية، و١٤,٥ مليون دولار لتمويل الدعم الاقتصادي من أجل المساعدة في حماية الفئات الضعيفة من السكان تجاه تزايد انعدام الأمن الغذائي في لبنان.

٤- تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً: أطلقت السفارة الأمريكية في لبنان، في ٤ ديسمبر الماضي، برنامج “الأمهات الرقميات” الذي يقوم بتدريب ٦٨ أماً لأولاد في سن المدرسة على تعلم مهارات اللغة الإنجليزية الأساسية ومحو الأمية الرقمية وتعلم التقنيات الضرورية لاستخدام الحاسب الآلي لدعم تعليم أطفالهن بشكل فعال. وفي ٧ يوليو الفائت، أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة عن استثمار الحكومة الأمريكية ٣٩ مليون دولار في برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في مصر، والذي يهدف إلى تزويد ٢٠٠ ألف سيدة في سبع محافظات بفرص عمل متزايدة، وتعزيز أدوارهن القيادية، والوصول إلى الخدمات المالية الرقمية والخدمات الصحية والقانونية والنفسية، وتصاحبه حملة توعية بهدف زيادة الدعم والتأييد لحقوق المرأة، والارتقاء بأدوارها ومشاركتها داخل المجتمع.

٥- تعزيز فرص الشباب ورواد الأعمال: عملت الإدارة الأمريكية على تعزيز قدرات الشباب ورواد الأعمال بدول الشرق الأوسط، ولا سيما في المناطق المهمشة، وإقامة شراكات بينهم وبين نظرائهم الأمريكيين. وفي هذا الشأن، تم تفعيل برنامج Pop-Up Spaces، في ٢٢ أكتوبر الماضي، وافتتاح الملتقى الثقافي الأمريكي في لبنان، في ١٥ نوفمبر الماضي، واللذين يهدفان إلى تمكين الشباب والنساء والمهنيين اللبنانيين عبر بناء القدرات والبرامج الثقافية وريادة الأعمال الاجتماعية والأنشطة العلمية والتربوية التي تتراوح بين التثقيف الإعلامي والأنشطة المدنية وريادة الأعمال، وذلك من أجل تعزيز قدرات شمال لبنان اقتصادياً، وتوفير الدعم للمحتاجين، وإحداث أثر ملموس في مجتمعاتهم.

٦- إزالة الألغام في ليبيا: مع تزايد عدد القتلى والإصابات بين الليبيين بسبب الألغام والذخائر المتفجرة التي لا تزال تهدد سلامة المدنيين وسبل عيشهم، قامت الولايات المتحدة بتمويل منظمات إزالة الألغام الأرضية والمفخخات. وفي هذا الصدد، أشار موقع السفارة الأمريكية في ليبيا، في ٢١ يوليو الماضي، إلى أن التمويل الأمريكي حالياً يدعم ثلاث منظمات لإزالة الألغام في جميع أنحاء ليبيا، بالإضافة إلى تقديم الحكومة الأمريكية برامج للتوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة لأكثر من ١٠ آلاف مدني ليبي في المجتمعات المعرضة للخطر.

٧- تفعيل برامج لتعلم اللغة الإنجليزية: تتضمن معظم سفارات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط برامج لتعليم مواطني الدول العربية للغة الإنجليزية، لتعزيز التواصل بين شعوب المنطقة ومواطني الولايات المتحدة. ومن أبرز المشاريع الأمريكية لتعلم اللغة الإنجليزية مشروع “لينك” لتعليم الجزائريين اللغة الإنجليزية، والذي أعلنت عنه نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان، والذي يعد أحد مخرجات الحوار الاستراتيجي الخامس بين الولايات المتحدة والجزائر المنعقد في مارس الماضي. وتمتلك السفارة الأمريكية في الجزائر مجموعة من المشاريع لتعزيز تعليم اللغة الإنجليزية لجميع فئات المجتمع الجزائري. فعلى سبيل المثال، تقدم السفارة منحاً لتعلم اللغة الإنجليزية لحوالي ٢٠٠ طالب جزائري من عائلات محدودة الإمكانيات. وقد طورت الجزائر والولايات المتحدة شراكة مدتها ثلاث سنوات بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية وجامعة كولومبيا في نيويورك لتعزيز تعليم اللغة الانجليزية في جميع الجامعات الجزائرية.

تنافس متصاعد

لا يقتصر التنافس بين الولايات المتحدة وخصمَيْها الاستراتيجيَّيْن (روسيا والصين) اللذين يعملان على زيادة نفوذهما ودورهما في منطقة الشرق الأوسط، وملء الفراغ الذي قد تتركه واشنطن في ظل انشغالها بمنافسة القوى العظمى، والتحديات الدولية والداخلية التي تفرض نفسها بقوة على أجندة صانع القرار الأمريكي؛ على إقامة شراكات سياسية واقتصادية وعسكرية مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكنه امتد، حسب اتجاهات عديدة، لكسب عقول وقلوب شعوب دول المنطقة، ولا سيما مع تزايد الاستثمارات التي تضخها الصين لنشر لغتها وثقافتها، وبناء علاقات قوية مع شعوب المنطقة، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة مزيداً من الاستثمار في دبلوماسيتها الشعبية في وقت تتراجع فيه نسب تأييد شعوب المنطقة لها في مقابل تزايد تأييدها للصين وروسيا.