جلسة استماع:
إشكاليات التعامل مع المليشيات المسلحة في بؤر الصراعات بالمنطقة العربية

جلسة استماع:

إشكاليات التعامل مع المليشيات المسلحة في بؤر الصراعات بالمنطقة العربية



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 25 سبتمبر 2022، جلسة استماع بعنوان “إشكاليات التعامل مع المليشيات المسلحة في المنطقة العربية”، واستضاف المركز الدكتور محمد مجاهد الزيات، مستشار المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذة نورا بنداري، والأستاذة نادين المهدي.

إرهاصات التشكل

يُحدد “الزيات” إرهاصات تشكيل المليشيات المسلحة، وهي محطات متتابعة على مدار فترات زمنية معينة، كالتالي:

1- تدشين تنظيمات عسكرية تحت دعاوى دينية: ظهرت إرهاصات المليشيات المسلحة بصبغة دينية في مصر، بداية من التنظيم السري للإخوان ثم الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد، قبل ظهور التنظيمات الجهادية من خلال عبدالله عزام، وكان هذا بتنسيق بين أجهزة مخابرات إقليمية ودولية على رأسها الاستخبارات الأمريكية، عبر تمويل أول دفعة لدعم “الجهاديين”، قبل اتجاه أجهزة الاستخبارات إلى الدفع بتمويل هذه المليشيات من خلال تجارة الأفيون في أفغانستان، وبذلك ارتفع إنتاج الأفيون إلى 4 أضعاف، وتم الاتّفاق على توزيع الأفيون في المنطقة العربية وأفريقيا، وهنا بدأت البذرة الأولى لربط التنظيمات الجهادية بعصابات الجريمة المنظمة من تجار المخدرات وتهريب الأفراد، وتشكلت الشبكة الجديدة للبنية الأساسية للمليشيات.

وعقب خروج روسيا من أفغانستان، بدأت تظهر ظاهرة “العائدون من أفغانستان”، لتنتقل فكرة تشكيل المليشيات في مناطق أخرى من العالم، وتحديداً في العراق، ومع حلّ الجيش العراقي عقب دخول القوات الأمريكية، بدأت عملية تسليح المليشيات، وظهر 13 تنظيماً فيما يُعرف بـ”المقاومة السنية”، تمكن أبو مصعب الزرقاوي من جمعها تحت راية “مجلس شورى المجاهدين” بعد الانفصال عن أسامة بن لادن، قبل تشكيل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين لاحقاً، وكانت الأساس لظهور تنظيم “داعش”، كما أن إيران شكلت مليشيات خاصة بها في العراق.

2- ظهور المليشيات عقب ثورات “الربيع العربي”: تُعد الفترة الثانية لظهور المليشيات، في أعقاب الربيع العربي والاحتجاجات التي شهدتها عدة دول في المنطقة العربية، وكان تشكيل المليشيات أحد تداعيات الحراك السياسي، وركزت على هدم الأجهزة الضابطة للاستقرار، سواء الجيش أو الأجهزة الأمنية، مثل الوضع في سوريا واليمن وليبيا، وكانت هناك محاولات لهدم الجيش في مصر، لكي تصبح الدول العربية فاشلة، حتى إذا ما توفر هدم الجيش يتوفر بالتبعية السلاح الخاص بتلك الجيوش.

وإذا نظرنا للحالة السورية، نجد تشكيل مليشيات بصبغة دينية مثل جيش الإسلام الذي كان قوامه 30 ألف عنصر، وهو صاحب توجه سلفي، وتشكلت جبهة النصرة الموالية لتنظيم “القاعدة” قبل الانفصال عنها، وبات لدينا نحو 150 مليشيا في سوريا، بعد أن تشكلت مليشيات من “البلطجية”، وفي مقابل المليشيات السنية، كانت هناك مليشيات شيعية موالية لإيران، حتى باتت إيران جزءاً من الدولة السورية، إضافة لانخراط مليشيات حزب الله، واللافت أن إيران بدأت في تجميع وتطوير أسلحتها في سوريا، دون الحاجة إلى نقل الأسلحة من الخارج، وبات هناك ما يُعرف بالتغيير الديمغرافي للدولة، عبر سيطرة المليشيات الشيعية التي تتشكل من عناصر خارجية مثل “فاطميون” على مناطق في سوريا، وإقامة مشروعات وتوفير تمويل ذاتي.

أما في اليمن، فتحقق الهدف الرئيسي بعدم وجود قوة مسلحة، وتفكك الجيش، وحصل الحوثيون على الأسلحة، واندمج ما هو ديني مع ما هو قبلي، وبالتالي الحوثي لن ينتهي من اليمن.

استمرار التهديدات

يرى “الزيات” أن المليشيات ظاهرة مستمرة لفترة ليست بالقصيرة، مع استمرار التهديدات المتعلقة بها، مُحدداً عدداً من العوامل المغذية، أبرزها:

1- الاندماج بين الأهداف الإقليمية والأجندات الدولية: إقليم الشرق الأوسط يُعاد تشكله من خلال مصالح إقليمية ارتبطت بأجندات دولية، وهذا التشكيل تقوده ثلاث قوى إقليمية غير عربية، وهي إيران وتركيا وإسرائيل، في ظل غياب قوة عربية موازنة لهذا الدور غير العربي، لدينا مثلاً تركيا التي تتسم بالبراجماتية لأقصى درجة، فتتعامل مع إيران وتنافسها في الوقت ذاته، وتُحسن علاقتها بالسعودية ومصر، ولكن في المقابل فإنها تَعتبر ليبيا تمدداً إقليمياً لن تتخلى عنه، وإسرائيل بدأت تستغل الانشغال الروسي بعد الحرب في أوكرانيا بتوجيه ضربات في سوريا، متجاوزة الخطوط الحمراء السابقة.

أما فيما يخص إيران، فإنها تظل محور الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وخلال زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة للمنطقة، يبدو أن أمريكا غيرت استراتيجيتها من الانسحاب إلى مزيد من الاهتمام، والموقف مرتبط بالقضية الإيرانية، وإسرائيل تستثمر ذلك جيداً، ولكن مع استبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري، لما يترتب على ذلك من خلط الموازين في المنطقة. وطالما هناك مصالح إقليمية ودولية في منطقة الشرق الأوسط، ستظل المليشيات إحدى الأدوات في تحقيق تلك المصالح.

2- تناقضات المواقف بين الدول العربية: ثمة تناقضات في المواقف، ويمكن ملاحظتها في سياق الأزمة الليبية. على سبيل المثال، هناك حساسية بين مصر والجزائر في التعاطي مع الملف الليبي، والأخيرة ترغب في تسوية الأزمة بأي صورة كانت، نظراً لتداعيات الوضع المضطرب عليها، خاصة مع انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء من مجموعات “القاعدة” و”داعش”، إضافة لعصابات الجريمة المنظمة، من تجارة السلاح والمخدرات، ولا توجد سيطرة عليها، إذ إن المنطقة من ليبيا وتشاد وحتى موريتانيا تصعب عملية السيطرة على الحدود فيها، في ظل عدم امتلاك أغلب تلك الدول لقوات حرس الحدود. ومن غير المتوقع على مستوى الأزمة الليبية حل مشكلة المليشيات، مع الإشارة إلى اتجاه بعض الأطراف الدولية والإقليمية إلى دمج المليشيات، وبالتالي فإن الأزمة الليبية يُتوقع استمرارها لفترة طويلة، في ظل تعدد دور المليشيات وموقف بعض الأطراف الإقليمية الداعمة، خاصة في ظل استمرار وجود المليشيات السورية التابعة لتركيا على الأراضي الليبية.

3- التغير الديمغرافي في بعض الدول العربية: أحدثت المليشيات التي تتشكل من عناصر أجنبية في بعض الدول العربية، وتحديداً في سوريا، أوضاعاً جديدة من ناحية التغير الديمغرافي، وبالتالي باتت هذه المليشيات جزءاً من الدولة في ظل السيطرة على بعض المناطق، ونجد مثلاً أن المليشيات الأفغانية عاد جزء منها إلى أفغانستان، وجزء آخر ظل في سوريا، والجزء الأخير سيطر على مناطق شيعية، وقاموا بشراء منازل ومصانع واستقروا بالمناطق التي لها رمزية لدى الشيعة، في ظل خلوّ تلك المناطق من الشعب السوري الذي اتجه إلى مناطق الشمال، وبالتالي سواء استمر النظام السوري أم لا فإن النفوذ الإيراني سيظل قائماً، وستفشل كل المحاولات الدولية والإقليمية لمواجهة هذا النفوذ، خاصة أن إيران كان لها دور كبير في دعم النظام السوري.

4- جاذبية تجربة طالبان في أفغانستان: يمكن النظر إلى تجرية سيطرة حركة طالبان -وهي مليشيا- على الحكم في أفغانستان بالقوة، باعتبارها تجربة ملهمة للمليشيات الأخرى في مختلف الدول، من ناحية إمكانية تكرار هذا السيناريو في دول أخرى، والصعود للحكم في ظروف معينة، وهنا نرى مليشيا “فتح الشام” بالشمال السوري، بقيادة أبو محمد الجولاني، يتصاعد دورها في حكم المناطق التي تخضع لسيطرتها وتحديداً في إدلب، خاصة بعد الانفصال عن تنظيم “القاعدة”، ونجد أنها شكلت حكومة محلية، وبدأ الجولاني في تحسين صورته، وأخيراً اتجه إلى إصدار بطاقات شخصية وإقامات، إذ يحاول استنساخ تجربة حركة طالبان. وهناك ملاحظة رئيسية هي أن الولايات المتحدة لم تستهدف أي قيادي في “فتح الشام”، في المقابل استهدفت زعيمين لتنظيم “داعش” بالمناطق التي تخضع لسيطرة هذه المليشيا في سوريا.

5- أولوية مصالح القوى الدولية: أحد أبرز العوامل المغذية لاستمرار المليشيات في المنطقة العربية، يتمثل في تقديم القوى الدولية مصالحها على تأثيرات المليشيات، فنجد الولايات المتحدة ساهمت بصورة أو بأخرى في تشكيل تلك المليشيات، ومن ذلك مثلاً وصول شحنات عسكرية إلى تنظيم “داعش” قيل إنها عن طريق الخطأ، كما أن ثمة معرفة مسبقة لمسارات انتقال العناصر الأجنبية، وأعتقد أن ثمة خطوط ربط واتصال بين الأجهزة الأمريكية وبين التنظيمات والمليشيات لعدم استهداف المصالح الأمريكية. ولكن من دون الجزم بأن الولايات المتحدة تعطي وعوداً لهذه المليشيات في دعمها لإسقاط أنظمة الحكم مقابل وصولها للحكم. في الحالة الليبية -على سبيل المثال- فإن القوى الدولية لا يشغلها تهديد المليشيات بقدر استمرار تصدير البترول، ودخول الأموال إلى البنك المركزي الليبي وإنفاقها.

6- انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية: يمثل الانشغال الروسي في الحرب بأوكرانيا أحد عوامل استمرار تهديد المليشيات وتفاقم دورها، وتحديداً على مستوى الدول والمناطق التي تنخرط فيها روسيا مثل روسيا ومالي، وبفعل تراجع الانخراط على الساحة السورية، بدأت المليشيات الإيرانية في التوسع الميداني، بعدما كانت روسيا تتخذ سياسات مناهضة لإيران، كما أن موسكو تحتاج لإيران، وبالتالي بدأت في تقديم تنازلات، كما أن الدور المتنامي لتركيا في الأزمة الأوكرانية فرض تغيرات على الساحة السورية، فبدأت روسيا الضغط على النظام السوري للتصالح مع تركيا، بشرط اتخاذ النظام موقفاً مناهضاً للأكراد.

توظيف متزايد

وأخيراً، يُقر “الزيات” بأن استمرار المليشيات وخطرها يؤدي إلى تهديد متزايد بالنسبة لدول الجوار، في ضوء إمكانية توظيف تلك المليشيات من قبل أطراف دولية وإقليمية لتهديد أمن بعض الدول إذا توفرت المصلحة في ذلك، خاصة مع تطور قدرات التمويل والتسليح، خاصة مع استنزاف هذه الدول لمواجهة التهديدات على أمنها القومي، وإشغالها عن لعب دور إقليمي محوري.