حراك إجرائي:
إشكاليات إعداد خريطة طريق ليبية جديدة للعملية السياسية

حراك إجرائي:

إشكاليات إعداد خريطة طريق ليبية جديدة للعملية السياسية



نفت البعثة الأممية في ليبيا، في بيان لها في 5 يوليو الجاري، أن المبعوث الأممي عبد الله باتيلي سيعلن عن خريطة طريق ليبية جديدة للانتخابات، واعتبرت أن هذه الأنباء “مزيفة وجزء من حملات التضليل المستمرة لخداع الليبيين وصرف أنظارهم عن الاستحقاقات التي يطالبون بها”. في المقابل، أعلن مجلس النواب الليبي أنه سيناقش في جلسته المقبلة، في 10 يوليو الجاري، مقترح اللجنة المشتركة للقوانين الانتخابية “6+6” في الوقت الذي أكد فيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن مجلس النواب قام بدوره في هذا الشأن. وعلى الجانب الآخر، قدمت اللجنة القانونية في المجلس الأعلى للدولة لهيئة المجلس ملاحظاتها حول مخرجات “6+6″، بالإضافة إلى صياغة مقترح حول الخطوة التالية الخاصة بخريطة الطريق، وأكد رئيس المجلس خالد المشري أن تلك الخريطة ستتم بالمشاركة مع مجلس النواب.

وعلى الرغم من أن هذه التطورات توحي بأن هناك حراكاً بشأن إعادة ضبط مسار العملية السياسية الليبية المتعثرة منذ نحو العام ونصف العام منذ تعليق إجراء الانتخابات التي كانت مرتقبة في ديسمبر 2021، إلا أنها تعكس في الوقت ذاته قدراً من الغموض والتناقضات، يمكن الإشارة إليه في بعض النقاط التالية:

معضلة البعثة

يُشير الموقف الأممي، وفقاً للبيان، إلى أن البعثة لن تُعلن عن خريطة طريق جديدة للعملية السياسية في ليبيا في الوقت الراهن، وهو سياق مفهوم على اعتبار أن البعثة ليس لديها مخرج نهائي بشأن القوانين والسلطة التنفيذية التي ستشرف على العملية السياسية في ظل الموقف المبدئي لصعوبة إجراء انتخابات بسبب حالة الانقسام الحكومي، وبالتالي فإن البعثة لن تُبادر إلى تقديم مقترح خاص، لكنها في الوقت ذاته تلمح إلى أنها تمتلك “فيتو” على المشروع الذي سيقدم لها، وهو ما يبدو من لهجة بيان البعثة شديد اللهجة الذي يبدو وكأنها تتحدث فيه بالنيابة عن الليبيين، وترقبهم لهذا الاستحقاق، وأن هناك من يضلل الرأي العام تجاه هذا الاستحقاق، وهي نقطة إشكالية أخرى بالنظر إلى أن هناك مواقف ليبية من نواب وشخصيات سياسية مناهضة لموقف المبعوث الأممي ولدور البعثة في هذا التوجه.

مواقف متباينة

كان من المفترض، وفقاً للتعديل الدستوري الثالث عشر، وقرار تشكيل آلية “6+6″، أن تُحال المخرجات باعتبارها نهائية إلى مجلس النواب لإحالتها إلى المفوضية العليا للانتخابات. ومع ذلك، تم الإعلان من المجلسين عن أنه سيتم إعادة فتح المخرجات، حيث قدمت اللجنة القانونية التابعة للمجلس الأعلى للدولة ملاحظاتها، بالإضافة إلى مناقشة مجلس النواب لها في جلسته المقبلة، ومن غير المعروف ما إذا كان هناك توافق ما بين المجلسين على تلك الملاحظات أو التعديلات، علماً بأن البعثة الأممية هي الأخرى كانت قد أبدت بعض الملاحظات على تلك المخرجات وطالبت بإعادة النظر فيها بما يسمح بمعالجة الاختلالات الواردة فيها ومن بينها الانتقال ما بين دورتي الترشح الأولى والثانية للانتخابات الرئاسية.

عقبات مختلفة

برزت إشكاليات جديدة في هذا السياق، منها، على سبيل المثال، إشارة المجلس الأعلى للدولة إلى الحاجة لتغيير مجلس المفوضية العليا للانتخابات، بالإشارة إلى حكم قضائي بخصوص رئيس المفوضية. كما طالب بعض النواب بالتغيير على اعتبار أن مجلس المفوضية يتعين تغييره في كل انتخابات، في حين أن مجلس المفوضية لم يُدِرْ عملية انتخابية كاملة من قبل، بالإضافة إلى المخاوف السياسية من عملية تشكيل حكومة جديدة في الوقت الذي لا تتجاوب فيه حكومة الوحدة الوطنية مع هذا التوجه. ومع ذلك، لوّح المشري في تصريحات إعلامية بأنه ستكون هناك إجراءات سيتم اتخاذها في تلك الحالة.

كما تتداعى أزمة ملف إيرادات النفط وغياب التوزيع العادل للإيرادات، إضافة إلى الحديث عن شبهات فساد مالي كبيرة بحق حكومة الوحدة استناداً إلى تقرير رقابي، وعليه طالبت القيادة العامة وحكومة شرق ليبيا بتشكيل لجنة عليا للإشراف على هذه العملية، مما سيقلص من صلاحيات حكومة الوحدة، فضلاً عن أنه يؤكد على تلك الاتهامات الموجهة إليها، وهي إشكاليات لها تداعياتها بشكل عام على الأجواء التي يُفترض أن تتم فيها عملية سياسية بتوافق ليبي-ليبي.

وربما تكشف محصلة هذه التطورات عن أن هناك حراكاً فيما يتعلق بإجراءات العملية السياسية، والانتخابات وتشكيل السلطة الموحدة التي يتعين عليها الإشراف عليها وإدارة المرحلة المقبلة. لكن من غير الواضح ما إذا كان الحراك الإجرائي يأتي على أرضية توافق سياسي أم لا، فمن الصعوبة بمكان تصور أن الأدوار التي يقوم بها المجلسان تقتصر على الجوانب التشريعية، وفي المقابل يؤخذ في الاعتبار أن هناك محاولة لإعادة تشكيل خريطة المراكز السياسية في البلاد، وبالتبعية هناك تداعيات لذلك ستشمل المشهد الليبي بشكل عام. ومع ذلك، تكشف المؤشرات الحالية أن هناك تقارباً أكثر من كونه توافقاً، وكلما تنامى التقارب ظهرت إشكاليات جديدة، سواء مرتبطة بالعملية السياسية المقبلة أو الوضع السياسي الراهن في البلاد.

السيناريو المرتقب

حتى الآن، لا يزال البُعد الإجرائي في العملية السياسية بيد مجلسي النواب والأعلى للدولة، ولم يخرج عن سيطرة الطرفين. وإلى حد ما ورغم الانتقادات التي توجه لدور البعثة سواء ضمنياً أو علانية من بعض الأطراف الليبية؛ إلا أن الأمور لم تصل إلى حد التصادم بل على العكس من ذلك لا تزال هناك فرصة لإتمام الجوانب الإجرائية الخاصة بخريطة الطريق. لكن في المقابل لذلك يُخشى أن يحدث تصادم سياسي في مسارٍ متوازٍ بسبب عملية إعادة تشكيل السلطة التنفيذية على الرغم من تنامي الدعوات حتى خارج طاولة حوار المجلسين لهذا التغيير، ويعتبره الكثيرون بمثابة استحقاق مرحلي على اعتبار أن حكومة الوحدة انتهت ولايتها وأصبحت تشكل عائقاً أمام إنهاء عملية الانتقال السياسي، وللتأكيد على ذلك تم إدراج أولوية تغيير الحكومة في مخرجات بوزنيقة الخاصة بلجنة “6+6”.

وفي سياق المخاوف من التصادم، كشف خطاب المشير خليفة حفتر، في 3 يوليو الجاري، وجود أزمة على نحو ما سلفت الإشارة بشأن الإيرادات التي لا يحصل منها شرق ليبيا سوى على 7%. ومع ذلك، بادر رئيس وزراء حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة بخطوة تالية كرد فعل لدعوة إعادة توزيع الإنفاق بالتعاون مع عمداء البلديات، وهي خطوة يعتقد أنها ستزيد من التوتر بين الطرفين، خاصة وأن الملاحظات التي أشار إليها المشير حفتر تتجاوز ذلك إلى حد الاستناد إلى تقارير الفساد، وبالتالي انعدام الثقة في أداء الحكومة وطريقة إنفاقها للمال العام.

وعلى الجانب الآخر، تم الإعلان عن أن لجنة “5+5” ستوقع في باريس الأسبوع المقبل اتفاقاً لتشكيل القوة الأمنية المشتركة. ولكن بالتزامن مع تلك الخطوة أيضاً بادر الدبيبة، بصفته وزيراً للدفاع في حكومة الوحدة، بإعادة هيكلة غرفة عمليات الغرب، ووضع على رأسها وزير دفاع حكومة الوفاق صلاح المنقوش، وهي أيضاً خطوة أخرى قد تساهم في توتير الأجواء بين الطرفين، بالنظر إلى دوافعها، خاصة وأنها تأتي بعد خطاب حفتر بدعوة الجيش للجاهزية بشكل دائم، وهو سياق مفهوم من القادة العسكريين في مثل هذه الفاعليات، لكنّ الترجمة السياسية له في الغرب تنطوي على تفسيرات أخرى.

وفي ضوء كل ما سبق، يبدو أن السيناريو التالي يتجه إلى احتمال قرب الانتهاء من الجانب الإجرائي للعملية السياسية؛ إلا أن دخول هذه العملية حيز التنفيذ يتطلب أجواء مختلفة عن مظاهر التوتر الأمني الحالية التي قد تتصاعد في المستقبل وتؤجل أي استحقاق سياسي مقبل حتى وإن تم الإفراغ من العملية السياسية، ويتبقى بعد ذلك خطوة الدعم الدولي لهذا الحراك، وهي نقطة أخرى مثيرة للشكوك خاصة في ظل الانتقادات الموجهة للدور الأمريكي. وعليه، فمن المتصور أن السيناريو المرتقب لا يفيد بالضرورة أن خطوة وضع خريطة الطريق لا تُعد الخطوة التي تشكل تحدياً بقدر ما ستشكل طريقة تنفيذها التحدي الأبرز في المرحلة المقبلة.