تدابير الوقاية:
إشكاليات إدارة الكوارث في الشرق الأوسط

تدابير الوقاية:

إشكاليات إدارة الكوارث في الشرق الأوسط



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 1 مارس 2023، جلسة استماع بعنوان “تدابير الوقاية: إشكاليات إدارة الكوارث في الشرق الأوسط”، واستضاف المركز اللواء محمد عبد المقصود، رئيس قطاع إدارة الأزمات والكوارث والحد من مخاطرها بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عددٌ من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور هيثم عمران، والأستاذة نورا بنداري.

مبادئ حاكمة

يُحدد “عبد المقصود” عدداً من الضوابط للتعامل مع الأزمات والكوارث، ومواجهة تداعياتها، في ظل أن الدول العربية ليست بمعزل عن الكوارث، كالتالي:

1- الالتزام بالأطر الدستورية والقانونية والعُرف: ضرورة التزام الدولة عند مواجهة أي كارثة أو أزمة بالإطار الدستوري والقانوني، وعدماتخاذ أي إجراء على وقع تلك الكوارث أو الأزمات مخالف للإطار الحاكم، إضافة إلى مراعاة العرف السائد في كل دولة، مع مراعاة معالجة كل حالة بمفردها في ظل خصوصية كل منطقة بالدولة.

2- الاستفادة من الكوارث والأزمات السابقة: تمثل الكوارث والأزمات التي تمر على الدول، مثل تفشي جائحة كورونا، مرتكزاً رئيسياً لتضمينها في الاستراتيجيات الوطنية، خاصة وأنها كارثة ستتكرر مرة أخرى، وبالتالي سيكون هناك أساس وخبرة للتعامل مع مثل هذه الكوارث، إضافة إلى الاستفادة من الكوارث والأزمات التي تعرضت لها الدول الأخرى، في الاستعداد لمواجهة كوارث مماثلة، وكيفية الاستجابة والتعامل معها.

3- وضع استراتيجيات متكاملة: أهمية وضع استراتيجية وطنية للتعامل مع الكوارث والأزمات،وحوكمة إطار العمل لتنفيذها، مع التأكيد على ضرورة التعاون والتنسيق مع مختلف أجهزة الدولة في مختلف القطاعات والوزارات، وإشراك منظمات المجتمع المدني.

4- التعاون الإقليمي والدولي: تفاعل الدول مع الأطر الإقليمية والدولية لتعزيز جهود مواجهة الكوارث والأزمات، مثل تنفيذ إطار “سنداي” لمواجهة المخاطر، والذي يمتد لنحو 15 عاماً، وخلال العام الجاري سيكون هناك اجتماع في نيويورك لمراجعة ما تحقق داخل الدول، من الإطار العام. فيما ساد اتجاه في النقاش، بعدم وجود آليات لتفعيل التعاون والتنسيق العربي البيني، لمواجهة الكوارث والأزمة.

5- خطورة تسبب الحلول في أزمات أكبر: عند مواجهة الكوارث والأزمات، لا بد من الهدوء في معالجة آثارها وتداعياتها، إذ إن الكوارث والأزمات بطبيعتها ضاغطة على صانع القرار، بصورة قد تدفعه إلى اتخاذ قرارات أو سياسات في لحظات انفعال، تتسبب في أزمات أكبر من الأزمة أو الكارثة التي بصدد معالجتها.

إشكاليات رئيسية

تواجه المنطقة العربية عدداً من المخاطر المحدقة خلال الفترة الحالية، كغيرها من مناطق العالم المختلفة، ولكن ثمة إشكاليات تعرقل قدرات مواجهة تداعيات الأزمات والكوارث، وأبرزها كما يشير “عبد المقصود”:

1- الأزمات المستدامة في بعض الدول العربية: منذ عام 2011، تعرض عدد من الدول العربيةلسلسلة من الأحداث التي تُعرف بـ”الربيع العربي”، وتأثرت بعض تلك الدول لدرجة إعادة تشكيلها مرة أخرى، وما يتصل بها من ضعف الدولة المركزية، وبالتالي واجهت تلك الدول صعوبات شديدة في التكيف مع الأزمات والكوارث، بفعل ضعف قدرات الدولة المالية، أو تراجع دور المؤسسات الحكومية، بصورة أدت إلى الحد من القدرة على مواجهة الأزمات، وزيادة معدلات المخاطر.

على سبيل المثال، عند التطرق إلى الأزمات التي تواجه بعض الدول العربية، فإن ثمة ضعفاً في سياسات التكيف مع تغير المناخ، في ضوء موجات الجفاف وانتشار التصحر، ويرجع ذلك إلى حدود وقدرات الدولة على مواجهة آثار هذه الأزمات والكوارث.

2- محصلة إخفاقات في ميادين مختلفة: لايُنظر إلىالأزمات والكوارث بصورة مجردة، ولكنها تأتي في سياق أكبر باعتبارها محصلة لإخفاقات متعددة في ميادين مختلفة، فتداعيات ونتائج الكوارث الطبيعية، تتزايد بفعل إخفاقات في ملفات متعددة.

والزلزال الذي شهدته تركيا وسوريا خلال الشهر الماضي، وكان أحد أسباب تزايد خسائره البشرية بوفاة الآلاف وخسائر تقدر بمئات الملايين من الدولارات، بفعل الإهمال الشديد في إقامة أبنية مقاومة للصمود، خاصة وأن تلك المنطقة التي شهدها الزلزال في تركيا معروف أنها منطقة زلازل، كما يمكن الإشارة إلى أن تأثيرات الأمطار والسيول تنتج بفعل البناء والإقامة في مناطق مخرات السيول، بما ينتج عن ذلك خسائر مالية وبشرية.

3- الفهم الواضح لمخاطر الكوارث: هناك حاجة ضروريةإلى فهم طبيعة مخاطر الكوارث والأزمات، خاصة في ظل تكرار بعض الكوارث، بما يتوجب على كل القطاعات والمؤسسات في الدولة، فهم طبيعة تلك المخاطر ومواجهتها، وبالتالي العمل المشترك فيما بينها لتعزيز قدرات الدولة للحد من تأثيرات الكوارث، وهو ما أشار إلى إطار “سنداي” للحد من تأثيرات الكوارث، الذي تم توقيعه في اليابان خلال عام 2015. وبالفعل هناك لجان في الدول العربية المختلفة، تركز على الحد من مخاطر الكوارث والأزمات، والاستعداد المسبق لمواجهتها، للتخفيف من آثارها، في إطار العمل كمنظومة قومية متكاملة.

4- تباين قدرات الدول لتمويل الحد من مخاطر الكوارث: يركز إطار “سنداي” أيضاً، على ضرورة الاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث، بالتعاون مع برنامج التنمية للأمم المتحدة، من خلال عمل مشروعات لتمويل الحد من المخاطر من خلال شركات التأمين العاملة في كل دولة للتأمين على المباني والممتلكات والأفراد، إضافة إلى أهمية إدراج تمويل الحد من مخاطر الكوارث ضمن الموازنة العامة للدولة، لإقامة مشروعات بهدف التقليل من مخاطر الكوارث.

وبالفعل، أقدم عدد من الدول العربية ذات القدرات المالية على وضع إطار للاستثمار في مشروعات للحد من مخاطر الكوارث، فيما لم تُقدم الدول ذات الأوضاع الاقتصادية الصعبة على تفعيل هذا الإطار.

كما أن هناك مسؤولين في بعض الدول يرون أن مخاطر الكوارث جزء من الرفاهية الثقافية، ولكن الأفضل هو توفير تمويلات واستثمارات في مشروعات لتقليل من حدة وتداعيات الكوارث والأزمات، بدلاً من خسائر مالية وبشرية كبيرة حال وقوع تلك الكوارث.

5- عدم إدراك طبيعة امتدادات تأثير تغير المناخ: رغم القدرات المالية لبعض الدول العربية، إلا أن هناك كوارث وأزمات تتسبب في خسائر مادية وبشرية،بما يعني أن مواجهة الكوارث لا يقتصر فقط على القدرات المادية، وإنما أيضاً إدراك طبيعة امتدادات تأثير تغير المناخ على كل دولة عربية على حدة، فنجد أن السعودية -على سبيل المثال- تتعرض لسقوط أمطار غزيرة، وهناك أيضاً ما يُعرف بـ”نوبة طقس جامحة”، مثل سقوط أمطار مرة واحدة على منطقة، تسبب شللاً تاماً للدولة، وهي ظاهرة ليست مقتصرة على الدول النامية فقط، وإنما الدول المتقدمة أيضاً، وبالتالي لا بد من إدراك تأثيرات تغير المناخ.

6- بلورة استراتيجية وطنية لمواجهة الكوارث: تواجه بعض الدول العربية بفعل عوامل متعددة، سواء مالية أو ضعف مؤسسات الدولة، أزمة تتعلق بعدم بلورة استراتيجية لمواجهة الكوارث والأزمات،والتي يجب أن تشمل جميع الكوارث والأزمات والمخاطر المحتملة على الدولة مثل “تغير المناخ والمخاطر البيولوجية عقب تفشي جائحة كورونا”، ووضع خطط للتعامل معها، وتحديداً على مستوى رفع كفاءة التدريب على مواجهة سيناريوهات الأزمات والكوارث ضمن إطار حاكم، ولذلك أقدمت مصر على تخصيص كيان لإدارة الأزمات والكوارث في العاصمة الإدارية.

كما أن هناك حاجة إلى رفع مستوى الوعي على المستوى الشعبي للكوارث والأزمات، من أجل بناء الثقة في الإجراءات المتّبعة لمواجهة تداعيات أي كارثة أو أزمة، خاصةً في ظل انتشار الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

مخاطر عاجلة

وأخيراً، يُشير رئيس قطاع إدارة الأزمات والكوارث بمجلس الوزراء، إلى أن مؤتمر “دافوس”، حدد في تقرير المخاطر العالمية لعام 2023 عشرة مخاطر قصيرة الأجل خلال العامين المقبلين، وأبرزها: “أزمة تكلفة المعيشة”، في ظل التضخم والركود الذي يشهده العالم بعد أزمة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية، و”الكوارث الطبيعية والظواهر المناخية المتطرفة”، و”الإخفاق من التخفيف من آثار تغير المناخ”، بما يستدعي ضرورة تفعيل مخرجات “كوب 27” بتفعيل صندوق مساعدة الدول للتكيف مع تغير المناخ، و”تآكل التماسك المجتمعي، وتنامي الاستقطاب المجتمعي”، و”انتشار الجرائم السيبرانية وانعداد الأمن السيبراني”، إذ إن خروج كل أنظمة التحكم عن الخدمة بفعل هجوم سيبراني يؤدي إلى فقدان السيطرة على مواجهة الأزمات والكوارث.

ويتطرق إلى المخاطر قصيرة الأجل، ومنها: “الهجرة القسرية واسعة النطاق”. هنا فإن ثمة مخاطر ومشاكل مجتمعية تنطوي على النزوح الداخلي بفعل كوارث وأزمات، مثل: الجفاف والتصحر، و”المواجهات الجيواقتصادية”، و”حوادث الدمار البيئي واسعة النطاق”، و”الإخفاق في التكيف مع تغير المناخ”، و”أزمات الموارد الطبيعية”.