ما الذي تبقّى مما يسمى «الربيع العربي؟». قد يبدو أنه سؤال صحافي، أو سياسي، لكنه في المقام الأول سؤال جيوسياسي.
فالإجابة هنا تتحدث عن نفسها؛ الخرائط العربية تعود كاملة، تركيا تعلن استعدادها الانسحاب من الشمال السوري بعد وساطات إقليمية ودولية بين دمشق وأنقرة.
ربما تكون هناك أهداف أخرى تدفع تركيا نحو هذه الخطوة، لكن المهم هو النتائج التي تقول بعودة الخريطة السورية كاملة.
الرسائل في السياق المطلوب وطنياً، الدولة الوطنية هي الأبقى. السباق السياسي على سوريا بلغ مداه. المطامع كثيرة. عودة الخريطة السورية كانت تقديراً بعيداً في عيون الخبراء والمحللين. الدرس هنا عنوانه، الصمود والإصرار والصبر الاستراتيجي والإرادة الوطنية، هكذا فعلت دمشق لم تستسلم ولم تتراجع.
قمة منتظرة بين سوريا وتركيا. ما رآه المراقبون بعيداً، كانت سوريا الوطنية تراه قادماً لا محالة. سوريا تعود إلى جغرافيتها كاملة.
ولا شك في أن زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى دمشق، رسالة لها دلالاتها التي تؤكد التنامي في العلاقات الإماراتية – السورية، بل تشكل دعماً إضافياً من جانب الإمارات، للتوجهات السورية ودعمها لاستقرارها وسيادتها على كل أراضيها، والوصول إلى حل سياسي للأزمة، يعيد أمنها واستقرارها ووحدتها، ويلبي تطلعات شعبها في التنمية والتطور والرخاء.
ما حدث في الأيام الماضية، يدفعنا للتوقف أمام عقد مضى مليء بالمؤشرات والدروس والتحديات. أول هذه المؤشرات، أن الفوضى الشاملة التي سميت في البدايات بـ «الربيع العربي» فشل فشلاً ذريعاً في أهم أهدافه، التي تتعلق بتقسيم الخرائط العربية، فليس خافياً على أحد؛ أن جدول أعمال عام 2011، كان يتضمن تمزيق الإقليم العربي إلى دويلات صغيرة متناحرة ومتصارعة، ترتع فيها الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهذا ربما يكون ترك آثاراً سلبية سرعان ما تم مجابهتها والتعافي منها.
ثاني المؤشرات، يقول؛ إن سوريا التي كانت الهدف الأول للتقسيم، باتت الآن النموذج الذي يؤكد أن الدولة الوطنية أقوى بكثير من إرادة المرتزقة والإرهاب والتدخلات الخارجية، فقد استطاعت طوال أحد عشر عاماً، أن تتمسك بصلابتها وقوتها، في مواجهة جميع التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.
ثالث المؤشرات، يؤكد النظرية القائلة؛ إن الوحدة الوطنية في الداخل أقوى بكثير من أية مؤامرات خارجية، فالمجموعات المسلحة والإرهابية تلقت كل صنوف الدعم المالي والسياسي والعسكري، ورغم ذلك لم تنجح في اختراق حصون الوحدة الوطنية.
رابع المؤشرات، يكشف عن أن كل هذه الجماعات الإرهابية، والجماعات المرتزقة، وما تبقى منها الآن، إنما هي مجرد أدوات وظيفية يتم استخدامها لتحقيق أهداف وقتية، وعندما تستنفد أغراضها يتم التخلص منها، والبحث عن المصالح الكبرى لمن قام بتوظيفها واستخدامها.
خامس المؤشرات، يتمثل في انعكاس ما يحدث في سوريا الآن، على دول المشرق العربي، بل سيعطي دفعة قوية للمؤسسات الوطنية في المضي قدماً في حربها على الإرهاب، والحفاظ على كل شبر من أراضي الإقليم العربي، ومن المؤكد أن ذلك ستكون له بصمته الواضحة في دول عربية شقيقة، مثل العراق وليبيا والصومال.
سادس المؤشرات، يعطينا الدرس المهم وهو؛ ضرورة الرهان على الداخل الوطني، وليس الخارج، فلو تأملنا الأوضاع في سوريا، منذ ما يسمى بـ «الربيع العربي»، نجد أن كل الذين راهنوا على انهيار الدولة السورية، وربطوا أجندتهم ومواقفهم بأجندات ومواقف الدول الخارجية، خسروا رهاناتهم، وتلاشت حساباتهم، وها هي الجراح السورية تلتئم، وها هي رهانات الخارج تتراجع وتفشل.
سابع المؤشرات، يؤكد لنا أن الإرادة العربية قادرة على إفشال أية مخططات تهدف للنيل من الأمن القومي العربي، وأن الجسد العربي، ربما يتعرض أحياناً للمرض والوهن، لكنه قطعاً لن يموت، وسرعان ما يتعافى ويعود من جديد، فما نراه الآن من حالة حراك عربي، يؤكد عمق الرؤية والفهم لأهمية بناء عالم عربي جديد، يعي ويدرك طبيعة المخططات الخارجية، ويستطيع التعامل معها بنجاح.
إذاً نحن أمام نموذج سوري استطاع استعادة ملامحه وسط تحديات ومتغيرات كبرى يدفعنا نحن العرب للبناء عليه، واستشراف المخاطر الشبيهة، والعمل على عدم تكرارها مرة أخرى، فالعرب الآن لديهم وزن إقليمي ودولي غير مسبوق، ويمكن أن يشكل رقماً صعباً في المعادلة الدولية الجديدة، فالفرصة سانحة عربياً، وعلينا قراءة الدروس الماضية جيداً، حتى نكتب جدول أعمال المستقبل.
نقلا عن البيان