آليات متعددة:
إجراءات الحكومة الجزائرية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة

آليات متعددة:

إجراءات الحكومة الجزائرية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة



أعلنت مؤسسة الرئاسة الجزائرية، في 3 أكتوبر 2021، أن الرئيس “عبدالمجيد تبون” أصدر أمراً رئاسياً خلال رئاسته لمجلس الوزراء يقضي بخفض الضريبة على الدخل الإجمالي للموظفين في مؤسسات الدولة، وإعادة إحياء ضريبة الثروة، وذلك بموجب قانون الموازنة العامة للسنة القادمة، مع مناقشة قانون الموازنة العامة للعام المالي الحالي.

مؤشرات هامة

تعاني الجزائر من أوضاع اقتصادية غير مستقرة ساهم فيها تراجع أسعار النفط بشكل كبير أدى إلى تراجع عائدات الدولة التي يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على قطاع النفط، حيث تمثل هذه الإيرادات حوالي 93% من إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الصحية خلال العام الماضي، وما ترتب على ذلك من تداعيات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ومن المؤشرات الدالة على ذلك ما يلي:

1- سجل قانون الموازنة العامة الجزائري لعام 2021 عجزاً تاريخياً وصل إلى أكثر من 22 مليار دولار تقريباً، بعد أن كان 12 مليار دولار تقريباً في عام 2020، وهو ما دفع الحكومة الجزائرية إلى طباعة النقود لتمويل عجز الموازنة دون سقف محدد لهذا التمويل وحتى عام 2022.

2- تراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى حوالي 50 مليار دولار مع نهاية عام 2020 بسبب تراجع صادرات النفط والغاز الطبيعي مع الانخفاض الكبير في الأسعار العالمية للنفط، وذلك بعد أن تراجعت عائدات النفط والغاز الطبيعي بقيمة 10 مليارات دولار في العام الماضي.

3- تسجيل المتوسط السنوي لمعدل التخضم ليصل إلى حوالي 4.1% في يونيو 2021، في حين ارتفع حوالي 5.1% خلال سبتمبر الماضي، وفقاً لتصريحات وزير المالية ورئيس الوزراء “أيمن بن عبدالرحمن”، حيث ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية تزامناً مع ارتفاع أسعارها على المستوى العالمي.

4- تراوح نسبة البطالة ما بين 12% إلى 20%.

إجراءات محددة

جاء الإعلان عن الإجراء الخاص بإعادة إحياء ضريبة الثروة وتخفيض الضرائب على الدخل الإجمالي للموظفين، في إطار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية الحالية برئاسة “أيمن بن عبدالرحمن”، في محاولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد. ومن المفترض أن تُسهم هذه الإجراءات في تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث تتوقع الحكومة أن يشهد الاقتصاد الجزائر تحسناً في نهاية العام الجاري من خلال الإجراءات التصحيحية التي سوف تؤدي إلى ارتفاع إيرادات الدولة إلى حوالي 37 مليار دولار، منها 33 مليار دولار عائدات نفطية وغازية، كما يتوقع البنك الدولي أن تسجل البلاد نمواً اقتصادياً يصل إلى حوالي 3.7% مع نهاية العام الجاري، على أن ينخفض في عام 2022 إلى حوالي 2.5%، الأمر الذي دفع بالحكومة الجزائرية للإسراع نحو اتخاذ هذه الإجراءات، ومن أهمها ما يلي:

1- إعادة تعريف شروط ضريبة الثروة: حيث جاء قرار الرئيس “تبون” بإعادة تعريف شروط ضريبة الثروة المفروضة على الأملاك (العقارات) والأموال لدى الطبقة الغنية أو الثرية في البلاد والتي استحدثتها حكومة “أحمد أويحيى” السابقة في عام 2018 بنسبة تراوحت بين 1 – 3.5% فقط، على أن يتم مراجعتها في قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية القادمة (2022) بغرض توفير مصادر بديلة للتمويل من أجل تخفيف الضغوط الملقاة على المالية العامة، ويأتي إعادة فرض هذه الضريبة بعد أن واجهت عملية تطبيقها في قانون الموازنة العامة للدولة في العام الماضي صعوبات، ويرجع ذلك إلى صعوبة تحديد إحصائيات بعدد الأثرياء المعنيين بدفع هذه الضريبة، وقد تم تحديد هذه الضريبة بنسبة 15% من الأموال المملوكة لدى الأفراد وتتراوح قيمتها بين 100 – 150 مليون دينار (حوالي مليون دولار)، على أن ترتفع نسبة هذه الضريبة مع ارتفاع قيمة الثروة التي يمتلكها الفرد.

2- تخفيض ضريبة الدخل، بالنسبة لأجور ومرتبات العمال والموظفين العاملين في المؤسسات الحكومية، ويأتي هذا الإجراء استجابة للمطالب التي رفعتها نقابات العمال خلال الفترة الأخيرة بغرض السماح برفع الرواتب والأجور الخاصة بالعاملين والموظفين، خاصة وأن هذه الضريبة كانت تصل إلى حوالي 35% من الأجر أو الراتب الخاص بالموظف، وتعول النقابات العمالية على تخفيض قيمة الضريبة المفروضة على الأجور والرواتب التي تتسم بالضعف أو الانخفاض في مقابل الأسعار المرتفعة للغاية للسلع الرئيسية والخدمات المقدمة للمواطنين الذين انخفضت قدراتهم الشرائية، وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لهم.

3- استحداث بنك للسكن: ومن ضمن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لتخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، إصدار قرار بخفض قيمة السكن التابع للدولة بنسبة 10% دفعة واحدة، مع تسريع إنشاء بنك مخصص لإجراءات حصول المواطنين على سكن تابع للدولة متضمناً تسهيل إجراءات الحصول على السكن الاجتماعي المملوك للدولة، والمساهمة في حل أزمة السكن التي يعاني منها بعض أفراد المجتمع الجزائري.

4- إنعاش قطاع الصيد: كما قررت الحكومة تخفيض نسبة الضرائب المفروضة على المنتجات الصيدية، وذلك من خلال خفض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 10% (من 19% إلى 9%). كما تتضمن إجراءات إنعاش هذا القطاع مساعدة أصحاب ورش بناء السفن عبر جميع موانئ الصيد، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في مزارع الأسماك، وتشجيع المستثمرين الجزائريين على بناء السفن مع الشركاء الأجانب القادمين من دولتي إيطاليا وإسبانيا، هذا بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين المحليين على التنقيب عن مصادر جديدة للطاقة في النطاق البحري للبلاد.

5- مكافحة جرائم المضاربة: أصدر الرئيس “عبدالمجيد تبون” قراراً يقضي بتكليف وزير العدل “عبدالرشيد طبي” بصياغة تشريع قانوني جديد لمواجهة جرائم المضاربة التي تُعد من أسباب الإضرار بالاقتصاد الوطني للبلاد، والتأثير سلباً على حقوق المواطنين اقتصادياً واجتماعياً، وشملت التوصية الخاصة بإعداد هذا القانون أن يشمل فرض عقوبات على من يتورط في هذا النوع من الجرائم تصل إلى السجن لمدة 30 عاماً، مع تشديد الرقابة على الأسواق والمحلات التجارية لمنع الزيادات غير المبررة في أسعار السلع والمواد الغذائية والتموينية، ومن يتورط في ذلك ستتم معاقبته بالسحب النهائي للسجلات التجارية لهم مع قضاء العقوبة المشار إليها.

6- استرجاع الأموال المنهوبة: حيث اقترح رئيس الوزراء الجزائري ووزير المالية “أيمن عبدالرحمن” طرح وثيقة يتم من خلالها تسوية قضايا رجال الأعمال الهاربين بأموال الدولة منذ عهد الرئيس السابق “عبدالعزيز بوتفليقة”، وذلك بغرض استرجاع هذه الأموال وإيداعها في خزينة الدولة، ولا توجد أرقام محددة بشأن تلك الأموال المهربة في عهد “بوتفليقة”، غير أن أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية الأخيرة “عبدالقادر بن قرينة” أطلق تصريحات خلال حملته الانتخابية أشار فيها إلى أن تلك الأموال تقدر بحوالي 100 مليار دولار.

وفي هذا الإطار، تواصل الحكومة الكشف عن المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد المالي والإداري في عهد الرئيس السابق، وكشفت وزارة العدل خلال الأشهر الأخيرة عن قيام السلطات الجزائرية بالحجز على 850 مليون دولار تقريباً هي قيمة أملاك وعقارات استحوذ عليها بعض رموز النظام السابق، ولعل إلقاء القبض والتحقيق مع عدد كبير من المسؤولين السابقين يعد مؤشراً هاماً على جدية الرئيس “تبون” وحكومته في مكافحة الفساد والقضاء عليه، بما يُسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد.

7- زيادة منحة البطالة: قرر الرئيس “تبون” في سبتمبر الماضي زيادة منحة البطالة لتصل إلى 8 آلاف دينار (61 دولارًا) شهرياً بعد أن كانت 3 آلاف دينار (23 دولارًا) بنسبة 180%، على أن يتم صرف منحة البطالة لإعطاء الفرصة للراغبين في العمل بالاستفادة منها، وحدد لها عدة معايير أو شروط محددة للحصول عليها، مثل: تحديد السن الأقصى لمن يحصل عليها، واستحداث نظام مراقبة فعال لتحديد المستحقين لهذه المنحة من أجل تحقق الاستفادة الأمثل والصحيحة ومراعاة تكافؤ الفرص.

ومن المؤكّد أن رفع قيمة منحة البطالة على هذا النحو تسهم في رفع شعبية الرئيس “تبون” في أوساط الشباب الجزائري، خاصة وأن “تبون” يعاني من انتقادات وضغوط من قبل ناشطي قوى الحراك الثوري الذين لا يعترفون بشرعيته رئيساً للبلاد بسبب كونه امتداداً للنظام السابق، خاصة وأن هذه المنحة يتم منحها للفئات العاجزة عن العمل، وقد تركت هذه المنحة انقساماً في الرأي ما بين مؤيد ومعارض لها، فالنقابات العمالية ترى أنها لا تزال منخفضة ولا تكفي نفقات من يحصل عليها خلال أسبوع، وأن الهدف منها مناورة سياسية لجذب الشباب للمشاركة في الحياة السياسية في ظل العزوف المحلوظ من قبل الشباب، حيث لم تتعدَّ نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أُجريت في يونيو الماضي 30% تقريباً.

تخفيف الأعباء

خلاصة القول، من المرجح أن تسهم بعض الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية الحالية في تخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة على الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين، ولكن على المدى المتوسط، ومن المؤكد أن بعض هذه الإجراءات كتخفيض ضريبة الدخل قد تسهم في تعزيز شرعية وشعبية الرئيس “تبون” والحكومة الحالية في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها حالياً.