عدد غير قليل من القمم المختلفة شهدها العام المنصرم فى الشرق الأوسط وشاركت فيها أطراف عربية وإقليمية ودولية مختلفة. بعض هذه القمم عكس تبلور تفاهمات سياسية جديدة بين الأطراف المشاركة أو الرغبة فى بلورة وتعزيز تفاهمات قائمة، وكذلك أشكال مختلفة من التعاون بين الأطراف ذاتها بصيغ عديدة. ومما تؤشر إليه بعض هذه القمم حدوث اصطفافات جديدة فى الشرق الأوسط.
وتبدو المنطقة التى تعيش على صفيح ساخن من الأزمات والنزاعات والحروب المختلفة الأشكال والأطراف وكأنها فى حالة تجاذب بين ديناميتين متناقضتين: واحدة تعكس اتجاها لبلورة تفاهمات، لاحتواء الخلافات والنزاعات والعمل التدريجى عبر دبلوماسية متعددة الأشكال والأوجه على تسويتها أو فى مرحلة أولى على منع تصعيدها، والأخرى تظهر أن هنالك تصعيدا مباشرا بين أطراف كل نزاع عبر السلوكية على الأرض أو عبر الخطاب السياسى والعناوين والمطالب التى ترفع وتؤدى إلى التصعيد.
روسيا تحاول إحداث اختراق فيما يتعلق بالعلاقات السورية التركية من خلال الدفع للتطبيع التدريجى لهذه العلاقات. يجرى ذلك سواء على مستوى القضايا والمطالب التى تطرح ضمن لعبة الشروط المتبادلة وعمل الوسيط الروسى على إيجاد القواسم المشتركة للنجاح، أو على صعيد العمل لرفع مستوى المشاركة بين الطرفين المعنيين لتصل فى نهاية المطاف إلى مستوى القمة. مسار أمامه العديد من الصعوبات والتعقيدات لكنه يعد بتحقيق إنجازات واختراقات وبلورة تفاهمات عملية بالتالى ولو دون المطلوب فى سرعتها وحجمها بالنسبة للوسيط الروسى. ولكن إحداث تقدم فى هذا المسار، كما تدل العديد من المؤشرات، ستكون له تداعيات هامة على صعيد مستقبل الصراع فى سوريا وحول سوريا.
على صعيد ملف ساخن آخر فى المنطقة، يبدو أن الاتفاق النووى (المعروف باتفاق ٦ زائد ١) قد دخل مرحلة الموت السريرى. لا يوجد طرف يود تحمل المسئولية فى الإعلان عن ذلك وبالتالى مسئولية البحث عن البديل. لكن التصعيد فى خطاب المواجهة الغربية الإيرانية خاصة غداة ما شهدته إيران من أحداث داخلية (أيا كان الخلاف حول حجمها وطبيعتها وتداعياتها) والتوتر الغربى الروسى بشكل خاص بسبب الحرب الأوكرانية وكذلك الغربى الصينى ساهمت فى إعادة هذا الملف الاستراتيجى إلى المربع الأول. ويظهر ذلك فى تصعيد التوتر فى العلاقات بين الطرفين الغربى والإيرانى مع انعكاسات ذلك على المواقف من النقاط الساخنة فى الإقليم. ولكن رغم تزايد الحرب الكلامية بين الطرفين تبقى إمكانية احتواء أى تصعيد فعلى قائمة عبر التوصل إلى تفاهمات الحد الأدنى، ولو بشكل غير مباشر، لمنع حصول انفجار ليس لمصلحة أحد، فى ظل غياب الحلول المطلوبة.
مسألة أخرى تشهد سخونة وقابلة للانفجار أو للاحتواء والتسوية تكمن فى الأزمة الليبية حيث يزداد الصراع الدولى والإقليمى بين الأطراف الرئيسية الدولية والإقليمية الموجودة بشكل مباشر أو غير مباشر على الساحة الليبية. تغذى وتتغذى هذه الأطراف على صراعات المكونات الأساسية الليبية المختلفة. ليبيا على مفترق طرق بين محاولات حثيثة لإحياء عملية الحل السياسى للأزمة الليبية الشديدة التعقيد بسبب العوامل التى أشرنا إليها، وبين احتمال العودة إلى المربع الأول أو انفجار الصراع إذا بقيت الأمور على ما هى عليه. ولم تتوفر بالتالى المظلة الدولية الإقليمية الفاعلة والعاملة للتسوية السياسية الشاملة فى ليبيا. الجاذبية الجيواستراتيجية لليبيا بسبب موقعها العربى الأفريقى المتوسطى وكذلك جاذبيتها الجيواقتصادية بسبب ما تملكه من غاز ونفط تزيد من حدة وحجم التنافس حول «قالب الحلوى» الليبى.
ولا بد من التذكير أيضا بالحرب أو الحروب اليمنية المستمرة بأبعادها الإقليمية التى تساهم فى صعوبة التوصل إلى حل سياسى شامل ودائم.
حروب وصراعات لها مسبباتها الخاصة بها ولكنها مترابطة بتطورها بسبب صراع المصالح بين الأطراف الخارجية من إقليمية ودولية حول النقاط الساخنة وتلك المشتعلة فى المنطقة.
فهل ترتبط الحلول لهذه الصراعات لإعادة الاستقرار إلى المنطقة بمنطق «الصفقة الكبرى» كما يقول البعض أو بمنطق التوصل إلى «تفاهمات للتهدئة» فى كل من الملفات الساخنة، بهدف التوصل إلى حلول وتسويات مستقرة لاحقا؟.
كلها أسئلة وتساؤلات على الأجندة الإقليمية هذا العام حول مستقبل مسار النزاعات والصراعات القائمة والقادمة فى الشرق الأوسط والمتداخلة والمترابطة بأشكال مختلفة. فغياب الحلول والتسويات سيؤدى إلى مزيد من الفوضى والأزمات والفقر والبؤس التى تساهم بدورها فى تغذية التربة الخصبة أساسا لهذه الحروب والصراعات التى تشهدها المنطقة بأشكال مختلفة.
نقلا عن الشروق